الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوبولتيكا السلام والحرب

دياري صالح مجيد

2010 / 4 / 1
السياسة والعلاقات الدولية


لم تعي البشرية بعد بشكل حقيقي مفهوم جيوبولتيكا السلام الذي حاول الجغرافي الامريكي نيكولاس سبايكمان طرحه في ضوء مفهوم توازن القوى الذي اُريد له ان يكون الدعامة الاساسية الحاكمة للعلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تُوجت تفاصيلها بالتوتر الذي شهدته العلاقات الامريكية – السوفيتية على مدى الزمن الممتد منذ تلك اللحظة حتى عام 1990 - 1991 , فالجيوبولتيكا كانت ولا تزال عبر التوجه الالماني سابقاً وعبر التوجه الامريكي الحالي فكرة مرتبطة بالتوسع والعدوان ولم تكن يوماً متبلورة كفكرة للسلام في نظر ساسة العالم وصناع القرار فيه خاصة في اطار العلاقات التي تجمع الدول المتجاورة جغرافياً او المتحالفة في اقيلم ما من الاقاليم .

تُعرف جيوبولتيكا السلام على انها (( الطريقة التي من خلالها نتعرف على الاساليب التي يساهم بها الفكر الجيوبولتيكي في تشكيل عمليات السلام والتنمية والطرق التي من خلالها يرتبط السلام والتنمية معاً , فالدول تشكل سياساتها الامنية والتنموية وفقا لطبيعة تفهمها لجغرافية العالم والدول الاخرى . لذا فانه من الضروري فهم هذه القواعد الجيوبولتيكية من اجل ادراك اسباب العنف والفقر وطبيعة الاستراتيجيات اللازمة للقضاء عليها )) . لذا فان هنالك علاقة وثيقة ما بين الكيفية التي يستثمر بها صانع القرار السياسي المعطيات الجغرافية لبلاده وبالمقابل في تفهم المعطيات الجغرافية للدول الاخرى سواء اكانت مجاورة او غير مجاورة , من اجل معرفة نقاط القوة والضعف في تلك الجغرافية , و في صياغة الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها العمل على تعزيز الوضع الداخلي من جهة والتحرك بطريقة فاعلة للتعاطي مع الجوار الجغرافي بشكل افضل يضمن مصالح الدولة وتطلعاتها المستقبلية من جهة اخرى .

لقد اُستخدمت هذه الفكرة بشكل او باخر خلال فترة الحرب الباردة بالطريقة التي ضمن فيها كل طرف من اطراف الحرب تلك عدم تعرضه للغزو المباشر واحياناً كثيرة في التعاون بين الطرفين لفك عناصر الارتباط المكاني لازمات كادت ان تعصف بالعلاقات الدولية لذاك الزمان , وهو ما لم يكن بالامكان تخيلهُ مطلقاً لولا امتلاك كل طرف من اطراف هذا الصراع للعناصر التي يستطيع من خلالها فرض السلام بالطريقة التي يراها ملائمة لمصالحه وبما يلحق اقل الاضرار بالمنافس في ضوء ما يمتلكه من معطيات جغرافية تقود الى تقليل حدة الضغط الذي يُسلط عليها , وهو ما قاد ربما الى الانهيار الذي يمكن ان ندعوه بالانهيار السلمي للاتحاد السوفيتي ( كنطاق جغرافي وليس كآديولوجيا ) في ضوء اختلال العلاقة الخاصة بين طرفي التنافس فيما يتعلق بكيفية تطوير الاستراتيجيات الخاصة باستثمار العناصر الجغرافية التي لعبت دوراً مهماً في تحديد النتيجة النهائية للعبة التنافس تلك , لكن ذلك لا ينفي ابداً الدور الذي لعبته الجيوبولتيكا في اشاعة السلام الدولي في العديد من اوقات الازمات , مع الاعتراف ان ما بين الاستنزاف والتواصل في تحقيق هذا التوازن وفقاً للعقيدة الاستراتيجية الصحيحة التي تتبانها الدول في ادامة تواجدها على المسرح الجغرافي للعالم , تكمن مدى اهمية جيوبولتيكا السلام من عدمه .

اليوم يبرز الجيوبولتيك بشقيه جيوبولتيكا الحرب والسلام في العلاقات الايرانية مع دول الجوار على وجه التحديد وبالذات منها مع الباكستان والعراق , فالاحداث الاخيرة التي شهدتها العلاقات الباكستانية – الايرانية , خاصة بعد بعض العلميات التي قامت بها احدى الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الاراضي الباكستانية ملاذاً امناً لها , قد كانت احدى اهم الاشارات التي نستدل من خلالها على فكرة جيوبولتيكا السلام , فالوضع الايراني جغرافياً والطريقة الناجحة في استثماره على كافة الصُعد مُعززاً بالبرنامج النووي الايراني وبالدعم الروسي – الصيني , كان من بين اهم الاسباب التي دفعت دولة , لا يمكن لنا الا نصفها بانها دولة مهمة في هذا الاقليم , بان تقوم بتقديم كل هذه التنازلات التي توجت بالعمل الاستخباري المشترك مع الجانب الايراني وبتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي في اطار المحاولات الباكستانية الرامية الى امتصاص حدة النقمة الايرانية من العمليات الارهابية تلك التي شُنت على اراضيها في العديد من المدن , والتي رافقها مؤخراً حدثين مهمين للغاية على صعيد التحليل الجيوبولتيكي , الاول كان في القبض على زعيم تلك الجماعة الارهابية من قبل القوات الامنية الايرانية بعد ان اُجبرت طائرته على الهبوط في ايران , والثاني عندما صرحت الجهات الرسمية في باكستان بانها لن تقبل بان تكون اراضيها مكاناً للجماعات المعارضة لايران . لذا نجد في هذا الصدد ان السفير الباكستاني في ايران قال مؤكدا على هذا الامر بالاتي (( ان القبض على قائد العصابة الارهابية ( جند الله ) عبد الملك ريغي من قبل القوات الامنية الايرانية لم يكن من الممكن تحقيقه بدون المساعدة الباكستانية , واضاف الى الصحفين بانكم سوف تكتشفون المزيد في الايام القادمة حول الطريقة التي تعاونا بها مع اخوتنا الايرانين بهذا الخصوص . كما اكد بان باكستان قد اظهرت التزامها من خلال تسليمها بعض الارهابين الاخرين من ذات التنظيم الى ايران الذين كان من بينهم اخ عبد الملك الذي سُلم الى ايران من قبل السلطات الباكستانية , ان كل ذلك يُظهر باننا مع ايران وبان علاقاتنا هي علاقاتٍ اخوية وودية , فنحن دول جوار جغرافي منذ زمن طويل ولا احد يستطيع ان يظن بان باكستان بامكانها العمل بالضد من مصالح ايران )) . ومن المؤكد بان دولة مثل باكستان ما كان لها ان تُفعل من لهجة هذا الخطاب الدبلوماسي المملوء بعبارات التقرب والتودد للجانب الايراني , لو لم تكن تدرك بان ايران لديها من عناصر القوة الجغرافية التي اُستثمرت بشكل صحيح مما يتيح لها ان تتمتع بتلك المكانة التي تتصف بها في الوقت الحاضر , كما ان الباكستانيين يدركون ان جغرافيتهم فيها العديد من نقاط الضعف التي بامكان ايران ان تستغلها لصالحها حينما تقتضي الضرورة , خاصة وان هنالك حدوداً جغرافية مشتركة بين الطرفين , لذلك ادرك كلا الطرفين عناصر قوته وضعفه , وعندما وضعها في ميزان القوة للدولتين وجد كلاهما بان التعاون البناء لنشر السلام على جانبي حدود البلدين وتدعيم تعاونهما هذا , هو انجع السُبل للاستقرار والابتعاد عن ما من شانه نشر شبح الفوضى والدمار الذي تخشاه بالتاكيد كلا الدولتين , وهو بالمحصلة النهائية ما قاد براينا الشخصي المتواضع الى تحقيق جيوبولتيكا السلام بمفهومه التطبيقي على ارض الواقع .
بالمقابل نجد ان الجانب الغربي لايران ممثلاً بالوضع العراقي يفتقر الى هذا النوع من التوازن في العلاقات بين البلدين وهو ماقاد ايضاً الى بروز نوع من فراغ القوة الذي اتاح لايران ان تمارس لعبة الجيوبولتيكا باسلوبها التوسعي خاصة من خلال وجود القوات الامريكية الراغبة في اطباق الحصار العسكري على ايران من جميع الجهات , فما كان من صناع القرار السياسي في ايران الا العمل على هضم كل معطيات الجغرافية العراقية من اجل استغلال كل ما يمكن استغلاله من بين هذه المعطيات للعمل على تدعيم المصالح الخاصة بها هناك وبالشكل الذي يعطيها اليد الطولى ويوفر لها المزيد من اوراق الضغط على غريمها الامريكي عند الجلوس على طاولة المفاوضات , وهو ما افرزته بشكل واضح حلقات الحوار الايراني – الامريكي حول الملف العراقي .

ان غياب الوعي الجيوبولتيكي لدى العديد من ابناء الطبقة السياسية الحاكمة اليوم في العراق قاد الى جهل واضح بكيفية استثمار الجغرافيا العراقية و بما يخدم تحقيق جيوبولتيكا السلام مع كل دول الجوار الجغرافي للعراق وبالنتيجة قاد الى مجمل الفوضى التي اجتاحت البلاد منذ الاحتلال الامريكي في 9 – 4 -2003 . انها لعبة الجيوبولتيك التي لا تعرف العاطفة ولا تعترف بالقيم وانما بالقوة فقط لتحقيق الاهداف العليا للبلدان التي عادة ما تكون لفرض الارادة و املاء الشروط على الاخرين , وان السلام لا يمكن ان يكون او يُحترم ما لم تكن هناك قيادات قادرة على التوظيف السياسي الصحيح لمعطيات الجغرافيا وبما يعزز ما طُرح في هذه المقالة حول ما اسميناه بجيوبولتيكا السلام للابتعاد عن الجيوبولتيكا باسلوبها الحربي والتوسعي الذي عادة ما يقوم على الابتزاز والاستهتار بارواح الشعوب ومقدراتها لتكون مجالاً حيوياً لخدمة الاقوى والاجدر في ميدان العلاقات الدولية , مما يعني ان عالم اليوم لا مكان فيه للضعفاء ممن يفشلون في قراءة الجغرافيا الثنائية الابعاد للسياسة الداخلية والخارجية التي عليهم اتباعها , ليكون السلام والحرب انعكاساً مباشراً لهذا الفهم المعمق للجيوبولتيكا .

في الختام نؤكد ان الجيوبولتيك وبحسب ما اكد عليه البعض هو الدراسة التي تعنى بالكيفية التي تؤثر بها العوامل الجغرافية , بما فيها الارض – السكان – الموقع الاستراتيجي – والموارد الطبيعية , التي يتم تعديلها عبر الاقتصاد والتكنولوجيا , في العلاقات بين الدول وفي عملية التنافس من اجل الهيمنة العالمية . انها باختصار شديد الكيفية التي يستثمر بها صانع القرار السياسي في دولة ما العوامل الجغرافية لبلاده ولغيرها من البلدان اما لتحقيق التوسع الامبريالي او لفرض السلام الذي لا تجلبه الشعارات ابدا ً . وهو درس علينا ان نحكم عملية تعلم كل مفرداته قبل فوات الاوان والوقوع في المزيد من الضعف والوهن , وفقدان كل فرصة متاحة امامنا لتحقيق السلام بين بلدان المنطقة في ظل توازن القوة ومعطياتها المختلفة , والا فان السيناريو البديل سيكون مضاعفة شهية الدول القوية في مد نفوذها وتوسيع مجال سيطرتها الى خارج نطاق حدودها الجغرافية الحالية . وهو ما يعني ان حَصل بان البشر في كل دول المنطقة سيكونون مجرد وقود لنار الحروب التي ستلتهمنا جميعاً في اقسى انواع التطبيق للجيوبولتيكا بمفهوما العدواني الذي لا يرى الناس الا ادوات لتحقيق غايات التوسع الامبريالي , وهو امر يثير قلقنا جميعاً في هذا الاقليم , وتبقى بالنهاية الكلمة الفصل لصناع القرار السياسي في مجمل دول المنطقة , عربية او غير عربية , اما باتباع جيوبولتيكا الحرب والعدوان او اتباع جيوبولتيكا السلام لتحقيق الامن والاستقرار لشعوب المنطقة جميعها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا