الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زكية الضيفاوي ... أو نضال المرأة التونسية.

الطيب آيت حمودة

2010 / 4 / 1
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


قضية زكية الضيفاوي هي قضية كل إنسان عادي في هذا الوطن العربي الكبير ، بشساعةأرضه، وتنو وخيراته ، والصغير في عناده السياسي السقيم، الذي جثم على مقدرات الشعوب ، وضرب المواطنين البسطاء في الصميم ، وحرمهم حتى من حق إبداء الرأي أمام السلطان وزبانيته ، وأستاذتنا زكية الضيفاوى إحدى ضحايا الدول القمعية البوليسية ، وليست هي الأولى ولا الأخيرة في سجل المضطهدين ، والمسجونين والمقتولين بسبب معارضة في الرأي والفكر ، أو الوقوف ضد الباطل ، ولو تماهيا فيما قيل عن قول الحق ولو أمام جبابرة الزمان .
إنها من الطبقة الشعبية ،مناضلة ومربية محترمة ، نشطة في راديو (كلمة) ، مُكونة الأجيال ، (لعل من كونتهم وعلمتهم هم الذين قادوها إلى مركز الشرطة ، ودونوا لها محضرا مزيفا أجبروها على الاختيار بين أمرين ، إما التوقيع عليه ، أو التعرض لتحرش جنسي قد يعقبه اغتصاب داخل حرم دار الشرطة بتغطية من حماة القانون ، لا لذنب سوى أنها غطت مسيرة نسوية سلمية من تنظيم نساء الرديف في أواخر يوليوز من عام 2008 للمطالبة بإطلاق مساجين الحوض المنجمي ، فلم تجد بدا من الاختيار الأول الذي كلفها بعد المحاكمة ، سجنا لأربعة أشهر ونصف ، وأطلق سراحها بعد العفو الذي استفاد منه المساجين ، غير أنها وجدت نفسها مطرودة من عملها كأستاذة للتعليم الثانوي ، وخاضعة لرقابة لصيقة من زبانية النظام ، وهم أمر قلل من فرص حصولها على العمل ،لوجود هذه الترسانة البشرية المرافقة لها في كل تحركاتها القريبة والبعيدة .
وأنا أتابع ما جرى للمناضلة التونسية المعارضة زكية الضيفاوي ، من احتقار واستجواب ومتابعات قضائية ، ومحاولات اغتصاب ، ومساومات رذيلة تناقلتها وسائل الإعلام ، تنم عن وجود طغمة حاكمة لا يهمها القيم الدينية ، ولا الوطنية ، ولا الأخلاقية ،فالمهم هو الحفاظ على مكاسب فراعنة البلد وبأي ثمن ولو بالدوس على رقاب البشر ، فشعارهم دائما الحفاظ على المكاسب السياسية والريوع بأي السبل المتاحة ، فكل الوسائل مستساغة في عرفهم ، لأنهم اقتبسوا مقولة ميكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وطبقوها وتفننوا في فهمها والسير على منوالها ؟
إن ظاهرة تكميم الأفواه وإسكات كلمة الحق عن طريق التخويف ، والتهجير ، والتّسجين هي سمة مشتركة في جميع الدول العربية من خليجها لمحيطها ، والغريب في الأمر أن هذه الدول الوطنية لا تختلف في كثيرها أو قليلها عن منظمات الإرهاب ، كل ما في الأمر أن الإرهاب الأول مقنن بقوانين ردعية تحت غطاء ما يعرف ( بحالة الطواريء) والثاني ينضوي تحت شعار الجهاد والحرابة ضد المرتدين والكفرة المستلهمة من تكفيرات السلفية الجهادية .
***سجل أسود للأنظمة العربية في قهر كلمة الحق .
أميناتوا حيدر بالمغرب ، الصحافيان توفيق بن بريك ،وزهير مخلوف، أيمن نور في مصر ، أحمد البغدادي في الكويت ، وقد سبقهم أقدمية سجناء ليبيا ،أمثال على العكرمى ، والعجيلي عبدالرحمن الأزهري، وعلي الكاجيجى ،وصالح عمر القصبي ،ومحمد الصادق الترهوني،سجن هؤلاء الرجال فى أعقاب خطاب زواره في أبريل 1973، وإعلان ما سمى آنذاك بالثورة الثقافية التى أودع على أثرها كل رموز الفكر والثقافة والسياسة فى السجون. وما أعقبه من وحشية رهيبة ( مجزرة سجن بوسليم 1996) التي ذهب ضحيتها أزيد من 1200 ضحية ، و الأستاذ محمد بن سعد العوشن ،رئيس تحرير صحيفة المحايد من قبل السلطات السعودية . وفرج فودة ،وحسين مروة ،ومهدي عامل ، ومحمود طه وغيرهم كثير . ..
ولا يتسع المجال هنا لذكر شهداء الرأي في كل الوطن العربي ، في الجزائر ، و اليمن ، والأردن ، وسوريا .وغيرها ، كل ما يهم أن كلمة الحق عند هؤلاء يجب أن لا تقال ، وأن قيلت لايجب أن ترى أو تسمع أو تقرأ ، فالرقابة محكمة في هذا الجانب الإعلامي والفكري لما يحمله من خطورة على أمن الحكام وزبانيتهم ، والسائرين في موكبهم المنتظرين للهبات والعطايا والجوائز العينية والمعنوية ، وقد عرفت الحكومات صدق مقولة أن الفكر والإعلام يمثلان سلطة رابعة ..؟؟
*** التواصل بين الأمس واليوم .
إن ما يقع اليوم في الساحة السياسية والثقافية والإعلامية له جذوره في التاريخ ، ففي تاريخنا الإسلامي تجسدت مظاهر الهيمنة والجبروت ضد حاملي الفكر المضاد ( الفكر الآخر) ، فكانت نكبة أبو ذر الغفاري في عهد الخليفة عثمان ، ونكبة المعتزلة أيام بني العباس ، ومحنة ابن رشد الأندلسي ، ومحنة الإمام ابن حنبل في زمن المأمون العباسي . وغيرها من الحوادث الجسام التي أثقلت تاريخنا بالتجاوزات والجبرية ، والخضوع الكلي للسلطان ولو فيما لم يشرعه الرحمن .
قد تكون وقائع الماضي مستهجنة ومخالفة لنواميس الحياة ، غير أن ما يقع اليوم في القرن الواحد والعشرين ، وفي ظل أنظمة تدعي الإسلام ، وتتشدق بمباديء العدالة والديموقراطية ، وتكرس ذلك كله في ديباجة دساتيرها ، وتفرد لها جانبا من قوانينها ، غير أن كل ذلك لم يشفع أمام رغبة الحكام في الاستئثار بكل شيء ، وهو ما كرس فكرة الوطن والأمة في خدمة الحكام وزبانيتهم ، والحقيقة عكسية ، لولا الشعوب لما كانت هناك حكومات ولا أنظمة ، والحكومات أسست لتقوم على رعاية شعوبها وتنميتها في مختلف مناحي الحياة ، غير أن الأمور انقلبت رأسا على عقب ، فغدت دولنا لا تحمل من الديموقراطية والعدالة إلا المسميات التي أصبحت بلا معنى في الواقع المعيش ، ولسان هؤلاء يقول لعذّالهم ، ما قاله المتنبي لسيف الدولة :
يا أعدل الناس إلاّ في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكـمُ
أعيـذهـا نظـرات منـك صادقــة أن تحسب الشّحم في من لحمه ورمُ .

*** إما حياة في الغربة ، أو ممات في السجون، أو غرق في البحور .
القبضية الحديدية التي تسخرها الدول العربية ضد مواطنيها ، وتعطيل الفكر الحر بحدين، حد الفكر السلفي الجهادي ، و حد الطغم الحاكمة بقوانينها الردعية ، وهما أمران ولد ا نقمة عامة في وسط الطبقة المثقفة ، التي حشرت بين فكي الرحى ، إما أنها تكرس النزعة التسليمية تجاه خلفاء الله في الأرض ( الحكام ) ، أو تستسلم لإديولوجية تجهيلية تتخذ من الإسلام واجهة ، أو الهجرة ولو في قوارب الموت التي حصدت وتحصد الآلاف من المواطنين ، دون أن تتحرك هذه الأنظمة لاستجواب نفسها عن الأسباب والدواعي لهذا الهروب المنظم من الأوطان ؟ ومهما تعددت التبريرات والتفسيرات ، فإن الأنظمة لها حصة السبع في بروز الظاهرة واستفحالها ، ولو جحد الجاحدون وتنكر المتنكرون،حيث أن أغلب الكفاءات هربت لدول الشمال ، ليس كرها لأرضها وشعبها ، وإنما بحثا عن سؤدد الفكر ، وحرية التعبير ، والتخلص من أغلال كبح الحريات الشخصية والجماعية ، وتكريس قوانين الطائفة ، التي لا يتعدى شعارها ( حمارنا أفضل من حصانكم ) بتعبيرنا المحلي ، وهؤلاء البسطاء تحولوا إلى عباقرة وعظماء عندما توفرت لهم فرص العمل والنجاح أمثال المصري أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 1991 ، وشارل عشي الخبير في النازا ومكتشف كويكب ( العشي 4116) الذي عرف باسمه ، والمغربي عبد العالي الحوضي صاحب الأبحاث في الطب الحيوي ، وفاروق الباز مدير مركز الأبحاث في النازا ، وعادل الشريف المهتم بقضايا تحلية المياه وتقنيات معالجتها وغيرهم من الذين استفادت منهم الحضارة الغربية بفضل برامجها الناجحة في اصطياد الكفاءات والعباقرة من وطننا العربي والإسلامي .
ومجمل القول أن سياسة بلداننا لم ترق بعد إلى مستوى مطمح الطبقة المثقفة ، التي تتوق إلى غد أفضل لها وللشعوب التي تنتمي إليها ، وهو ما نفرها من واقعها مرير عاشته ، فراحت تبحث عن واقع أفضل لإبراز مقدرتها وعبقريتها في عوالم جديدة لا تعترف إلا بالأحسن والأفضل والأجود ، مستلهمة رفضها بمقولة الإمام الشافعي الذي قال يوما : إن كان رفض حب العدالة والنّهى ( العقل) ، فليشهد الثقلان أني رافضي ...؟ ، وبأيد هؤلاء الأبناء ارتسمت معالم ازدهار إنساني وعالمي ، ولو بإشراف الغير ، وأثبتنا أننا أمة قادرة على الإبداع إن توفرت لها سبل ا لعمل في ديارها وبين أهلها ، واستقامت سياسة دولها في استغلال قدراتها البشرية على أكمل الوجوه ، ولا خير في دول تضرب مربيها وإطاراتها ومفكريها بالعصى والعصية، وترميهم في غياهب السجون ، تحت وطأ أحكام قضائية جزافية تلفيقية كما وقع أخيرا لزكية الضيفاوي ، لا هم لها سوى الحفاظ على مكتسبات الحكام، بالرغم من ارتفاع نداءات العقل ، ولم تنفع معهم جهود الحوار المتمدن التضامنية في مناصرة المظلومين ، ولا منظمات حقوق الإنسان ، واستمرت دولنا في تكبيل العقل والفكر إلى حين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشاري العلاقات محمد دسوقي: الرجل يحب الراحة أكثر من المرأة


.. استشاري العلاقات محمد دسوقي: المرأة المطلقة هي الأنجح في الم




.. الفرق بين طريقة تفكير الرجل والمرأة عند خيانة شريك حياته!


.. دعماً لغزة... ناشطات لبنانيات تقاطعن احتفال بمناسبة -عيد الا




.. انتقادات حادة لتنازل أممي ضد النساء لصالح حكومة طالبان