الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل اليسار في الانتخابات العراقية

نصيف جاسم حسين

2010 / 4 / 1
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


كثيرة هي المبررات التي سيقت لتبرير فشل اليسار في العراق ممثلا بالحزب الشيوعي العراقي في الحصول على اي مقعد في مجلس النواب، لكن لم يتطرق اي منها الى العوامل والمؤثرات والمتغيرات المحلية والاقليمية، وطبيعة المجتمع العراقي في هذا الظرف –الزماني والمكاني- من تاريخ العراق الذي شكل طفرة خارج الرسم البياني للسياق الطبيعي لتطور المجتمعات والشعوب.
فكيف يمكن أن يفوز حزب "شيوعي" في انتخابات بلد يذهب ثمانية عشر مليون( بعدد المصوتين) منه الى كربلاء في عاشوراء للطم على الأمام الحسين (ع)، لا يعرف أغلبهم من الفكر الشيوعي غير جملة كان قد نطقها كارل ماركس، في لحظة تداعي فلسفي غير مقيدة بالمحظورات الاجتماعية والدينية،هي ان (الدين أفيون الشعوب)، والتي لم يعتمدها لينين بعد ما يقرب من نصف قرن حين قال (ان الدين قوة هائلة، يمكن أن تكون فعالة جدا في تطور الشعوب ويمكن أن تكون مدمرة أيضا)، وقد قال لينين ذلك لأنه كان أكثر فهما وتماسا مع الواقع كونه قد أصبح رجل دولة.
وقد رسخت جميع الحكومات القومجية السابقة في العراق ،وغيره من بلدان المنطقة، كل ما من شأنه ابعاد الناس عن الشيوعية مستغلين عقائد الناس الدينية وتفعيل كل ما يتناقض مع هذه العقائد للحصول على أقصى حالات الرفض وأشدها وأكثرها تطرفا والصاق شتى انواع التهم ضدها متعكزين بذلك على شيء من سذاجة التثقيف من قبل طرفي المعادلة، الشيوعي الذي ابتدأ الحديث مع المتلقي بنفي وجود الله سادا بذلك اي احتمال ممكن لسماع المزيد "من كافر"، والمتلقي الذي أكتفى بأول "عرض" غير مقبول من الشيوعي دون أن يكلف نفسه عناء سؤاله، (هل ثمة غيرها؟)، فشارك الأثنان بايجاد الارضية المناسبة لالصاق تهم عدم الايمان بالله وبالاسلام من بعده و بالقومية العربية، بالشيوعية، وكانت كلها من المواضيع التي لم ينجح الحزب في التعامل معها والتثقيف بشانها-سلبا أو ايجابا- الى عامة الناس بطريقة تتناسب مع المستوى الثقافي والاجتماعي لهم.
فمثلا، كان بعض الشيوعيين يعترض على صلاة المصلين، وكانت هذه بحد ذاتها من الاخطاء الشائعة التي أعطت دليلا على ما يقوله الأخر، ولم اسمع ، أحدا يشرح موضوع الايمان بالله من عدمه بطريقة علمية، كأن يقول مثلا، ان هذا الموضوع ليس وليد الفكر الشيوعي، بل قد سبق هذا الموضوع ولادة الشيوعية بكثير، حين انقسم الفلاسفة اليونانيون بين مؤيد لنظرية ان المادة قد سبقت الفكرة بالوجود، وبين مؤيد لنظرية ان الفكرة (وقد تشمل "الله جل جلاله") قد سبقت المادة بالوجود، ومن هذا النقاش تشعبت النقاشات اللاحقة، التي لو تم التعاطي معها بطريقة تأخذ بنظر الاعتبار المستوى الفكري للمتلقي لكانت النتيجة شيء أخربالتأكيد.
ولم يأخذ الشيوعيون بعد سقوط النظام في العراق طبيعة المجتمع العراقي الان بنظر الاعتبار، حيث سيادة الأفكار الدينية على الساحة العراقية بعد ان تعرضت جميع القوى التقدمية الاخرى وعلى رأسها الحزب الشيوعي للتنكيل والبطش على يد طغاة البعث، وكانت شدة البطش قد جعلت الناس تتشبث بالايمان بالله مخلصا لها بعد أن فقدت الثقة بقدرة الأحزاب العراقية على اسقاط النظام السابق وتغيير الحال.
وقد تسنى للأحزاب والتيارات الدينية ما لم يتسن للحزب الشيوعي ولا لغيره من الأحزاب من عوامل النهوض والقوة والأنتشار، مثل أماكن التجمع والتثقيف (الجامع والحسينية)، وتوفر غطاء ديني لنشاط سياسي، وخلو الساحة من أي نشاط سياسي منافس ومؤثر، ووجود دعم خارجي من منطلق عقائدي ديني- أكثر رسوخا من الايديولوجيا"الوضعية"- ، يقابلها انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، راعية الشيوعية العالمية ومركزها العالمي، وتراجع الفكر الشيوعي على مستوى العالم، وارتفاع وتيرة البطش ضد الاحزاب الشيوعية واليسار بشكل عام وخاصة في المنطقة العربية ومنها العراق.
وخلقت كل هذه العوامل بيئة اجتماعية وسياسية تختلف كليا عماكان عليه الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، واصبح الدين السياسي و"مشتقاته" مثل الطائفية، والتكفير، والسنة والشيعة، والتكليف "الالاهي" هو السمة الغالبة على المشهد السياسي-الاجتماعي للعراق الان، وقد ساعدت عوامل كثيرة على ترسيخ هذا الواقع الجديد، منها ماهو محلي، ومنها ماهو اقليمي ومنها ماهو دولي ولكل من هذه الأطراف هدفه الخاص وغايته التي قد تختلف في ما بينها ولكن لا يمكن أن يكون العمل على خلق عراق ديمقراطي موحد أحد أهداف اي من هذه الأطراف.
وعند أخذ كل ذلك بنظر الاعتبار، اليس من المنطقي ان يتم تغيير الخطاب السياسي بل حتى الأهداف والمنطلقات للحزب الشيوعي العراقي بما يتلائم مع متطلبات المرحلة؟ ولا أقصد بذلك طبعا أن يلبس لباسا دينيا ليتماشى مع ماهو موجود، بل أن يتم تغيير كل ما يدعو الى نفور الناس البسطاء من الشيوعية ابتداءا من اسم الحزب. قد يكون في هذا الطرح بعض القسوة أو المفاجاة ولكن طبيعة الأشياء تفرض ذلك. فالحزب الشيوعي شأنه شأن اي كيان سياسي اخر يسعى للحصول على السلطة، رغم اختلاف دوافع كل طرف في ذلك، ولما أصبحت السلطة في العراق تمر عبر بوابة الانتخابات، استدعى ذلك العمل على كسب أصوات الناس وهذا يتطلب عملا مغايرا لما تم القيام به من قبل الحزب في كل الانتخابات العراقية الماضية.
فلا تشفع تضحيات الحزب ونضاله ليعطي المواطن العراقي صوته، بل أصبحت ثمة متطلبات وحاجات وافكار تتعلق بالحاضروالمستقبل مما يستدعي العمل على تبنيها وليس الاتكاء على الماضي وأمجاد الماضي مهما كان مشرفا ومجيدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة