الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الغاية وراء الانتقائية!؟

ليلى أحمد الهوني
(Laila Ahmed Elhoni)

2010 / 4 / 2
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في البداية أهنئ كل الإخوة الذين أطلق سراحهم مؤخراً من سجون ومعتقلات نظام القذافي، وأبارك لهم هذا النصر وهذه الخطوة العظيمة التي استردوا بها حريتهم، مع خالص دعائي لهم بأن يتمكنوا قريباً من استرداد كرامتهم، كما أدعو الله أن يتم عن قريب إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، من الكتاب وأهل الرأي وأصحاب المواقف السياسية، الذين مازالوا قابعين في سجون القذافي حتى هذه اللحظة، وعلى رأسهم الأستاذ جمال الحاجي وغيره.

في مشهد سينمائي بطولي وكالعادة قام سيف القذافي (سوبرمان) بالوساطة لإطلاق عددٍ مِن ما يطلق عليهم بالقادة الإسلاميين، الذين تم اعتقالهم وسجنهم (رميهم) في معتقلات وسجون القذافي منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، حيث حكمت عليهم منذ مدة ليست بالبعيدة محكمة ليبية بالبراءة، إلا أن القذافي كان قد صرح فيما يسمى بالمؤتمر الشعبي العام المنصرم، بأنه من الخطر إطلاق سراحهم في الوقت الراهن، حرصاً منه على أمن الدولة الليبية والمجتمع الليبي من إعادة احتكاكه بهم، وكنا قد تتبعنا جميعاً تلك المداخلة التي تمت في ذلك المؤتمر من وزير العدل، حين تجرأ على تصريحات القذافي بطريقة بطولية، لم نعتادها من وزراء ليبيا تحت هذا النظام الاستبدادي والدكتاتوري، والتي صفق لها وأعتبرها العديد من متتبعي الشأن الليبي، بأنها عمل "شجاع" غير مسبوق قد يسجله له التاريخ!.

وقبل أن استطرد في الحديث وطرح وجهة نظري عبر هذه المقالة، وحتى لا يسأ الفهم ولا تأخذ القارئ الوسوسة لبعيد، أود أن أوضح وأؤكد أن ما أعترض عليه في هذه المقالة ليس إطلاق سراح السجناء الإسلاميين أو غير الإسلاميين، فذلك حق قانوني لهؤلاء ولغيرهم وليس فيه أي منة أو هبة أو صدقة أو جميل أو "تكية" من احد.

لكن ما يثير غضبي واستيائي، هي تلك المسافة، التي يقيس بها سيف القذافي تحركاته وتدخلاته لوضع الحلول الحاسمة، لبعض القضايا الداخلية المحسوبة أو بالليبي "المتكمة والمخدومة"، هذه القضايا التي تراكمت وتطحلبت خلال العقود الأربعة، والتي ظلت عالقة في ليبيا ولا يتطرق إليها أي شخص، رغم وجود القضاء الليبي، وكأنها كانت تنتظر "بلوغ" و كبر الكلمة أو العصا السحرية والمسماة بـ سيف القذافي ليصل إلى السن القانونية، فيتم بواسطته البث فيها ووضع الحلول المناسبة والفاصلة لها، وهو على أتم الاستعداد لأن يكرس لها كل جهوده ووقته وطاقاته لحلها، وبأسرع الطرق وبدون أي عناء أو شقاء من أي جهة حتى من أصحاب الشأن فيها، لأن إيجاد الحلول لهذه القضايا من قبل سيف هي فقط لتخدم أهدافه وطموحاته الشخصية أولاً وقبل أي شيء، ولعل أوضح دليل على هذا، هو اهتمام سيف ولهفته لحل قضية إطلاق سراح السجناء الإسلاميين، التي جند لها من الوسطاء الليبيين وغير الليبيين الكثير، والتي أفلح بها وبجدارة في خدع الكثير من الواهمين والواهين والمهرولين على ما يسمى بالإصلاح، بعد أن أعد لها من الدعاية والإعلام المدفوع، ما يكفى للتغني بها واعتبارها كأنها انجاز أسطوري كبير وعظيم ليس له مثيل.

إن المشكلة الآن لا تكمن في إطلاق السجناء الإسلاميين، بل أن لب المشكلة تكمن في الانتقائية، التي يختار بها سيف نوعية القضايا والمشكلات الداخلية، وسعيه لحلها بغرض تحقيق أهدافه وطموحاته ومحاولة منه ليتبوأ بها مكانة ترفع من شعبيته السياسية عند الشعب الليبي. لا احد يرفض إطلاق المساجين أو استرجاع مظلوم من قبضة سجون الخارج، أو عودة أئمة المساجد إلى أعمالهم أو أو.. و لكن الرفض والاعتراض على طريقة انتقائه لما يخدمه شخصيا، وتركه لأمور وقضايا داخلية غاية في الأهمية، وتعمده الواضح لتجاهلها بالكامل لا لشيء فقط لأنها لا تخدمه بالقدر الذي ستخدم المتضررين منها، والأكثر من هذا فهي حتما ستضر مباشرة بوالده وبكل أعوان والده، ومن المؤكد أيضاً أن مثل هذه القضايا سوف تجر الكثيرين للمحاسبة، في حال تم التعامل معها بمنتهى الشفافية والمصداقية وبالطرق القانونية.

إن جريمة سجن ابوسليم هذه الكارثة الحقيقية، قد جرى ويجري التعتيم عليها وطمسها عمداً، واستبعادها بالكامل عن القضايا التي يسعى سيف إلى النظر والتدخل فيها، هذه القضية وهذه الجريمة النكراء التي فاقت كل الخيال وأسقطت كل المعايير الإنسانية واهتز لها عرش الرحمن، والتي تعتبر من أكبر جرائم العصر "مذبحة دموية بشعة" قتل فيها بدمٍ بارد 1200 مواطن ليبي عزل، وكذلك ما تعرض وما يتعرض له أهليهم وذويهم من سوء معاملة وتهميش وإهمال. فهل يعقل أن مشكلة وقضية وجريمة بهذا الحجم وهذه الخطورة، يتم تجاهلها ومحاولة تجاوزها وغض النظر عنها وعدم الالتفات إليها، لا من قبل سيف ولا من غير سيف، ولا يتم بشأنها أي موقف جدي وقانوني واضح لحلها، وكأن هؤلاء ليسوا من البشر وليسوا من أبناء هذا الوطن!؟.

إن الدموع والآلام والحسرات التي نراها على وجوه الأمهات والآباء، الذين فقدوا فلذات أكبادهم في تظاهراتهم الأسبوعية، والتي نسمعها ويسمعها ونراها ويراها الشعب الليبي وكل الشعوب العالم من حولنا، ألم تحرك ذرة واحدة من ضمير ومشاعر (السوبرمان) سيف!؟، ألم يحس سيف بالحرقة والمعاناة التي يعانيها أهالي ضحايا مذبحة أبو سليم الذين لا يعرفون إلى يومنا هذا، لماذا قتل أبنائهم ولا من قتلهم ولا متى قتلوا ولا كيف قتلوا ولا أين رفاتهم ولا أين دفنوا؟.

والسؤال المطروح اليوم، هل يعلم سيف وأبيه هذا الحاكم الطاغية الدكتاتور ونظامه القمعي الفاشي، ماذا يعني قتل الابن!؟ هل يعرفوا المرارة التي يتجرعها الأب أو الأم عندما يمسك بابنهما ويعتقل ويضرب ويهان أمام أعينهما أو حتى في السجون والمعتقلات، ثم يختفي ولا يجدان له أثر ثم يذهبان ويستفسران عن مصير أبنهما ولا يلقيا أي إجابة، وإذا أجيب عن سؤالهما لا يجدا الحقيقة والصدق حول مصير أبنهما، وهل يعلم سيف وأبيه ونظامه المستبد كيف أو ماذا يشعران الأب والأم اللذان يعيشا سنين وأعوام على أمل أن يفرج يوما عن ابنهما، وينتظرا و ينتظرا وتمر الأعوام والأعوام، وكل يوم تزداد أيامهما حلكة و سواد وفى النهاية و بعد 12 عاما تصلهما رسالة (خربشة على ورق) تبلغهما، بأن أبنهما قد قتل أو مات في ظروف غامضة؟؟ هل تشعرون بهذا الألم وهذه المعاناة وهذه الكارثة وهذه المأساة!!!؟؟؟.

والله أني أخاطب أناسا قد ماتت قلوبهم بالكامل أو بالأحرى لا توجد لديهم قلوب من الأساس، و والله إن هذا الأمر وهذه المعاملة وهذا الهروب ما كان ليكن، لو لم تكن هناك كارثة وفضيحة سياسية كبيرة، حتما ستلحق وستمس القذافي شخصياً وبنظامه وبأولاده من بعده، في حالة تم تحقيق مطالب أهالي ضحايا مذبحة سجن أبو سليم القانونية والإنسانية، وهي الكشف عن جميع ملابسات هذه الجريمة.

هذه هي سياسة القذافي الأب وسياسة نظامه الغاشم على مدى أكثر من 40 عاماً، وهذا ما وصل إليه شعبنا الليبي في داخل وطننا ليبيا، من تأخر وتخلف وما لحقه من الآم وقتل وتشريد وعذاب تحت حكم هذا الطاغية وجبروته، واليوم يحاول ابنه الذي من صلبه والذي تربى في حضنه و ترعرع على توجهاته و "فكره" ونما وكبر على كره أبيه لهذا الشعب والحقد عليه، أن يتلاعب بعقول الكثير ويوهمهم بأنه هو الفارس القادم على حصانه الأبيض لينقذ الأميرة النائمة (ليبيا)،ويخلصها من تراكمات 40 عاما من الهم والغم، وهو البطل الخارق والأسطوري الذي بيده إيجاد الحلول لكل التراكمات، وكأنه يقصد بذلك الضحك على عقول أبناء الشعب الليبي، وكأنه يحاول بأن ينسينا بأن (البنت أم والثوب كم)، والأسوأ من كل هذا وذاك، هو اختياره وانتقائه للمشاكل والقضايا العالقة، وخداعنا بحلها متجاهلا كل القضايا الكبيرة والمهمة، التي يطمح أبناء هذا الشعب في وضع الحلول لها والتعامل معها بمنتهى الوضوح و بكل شفافية ومصداقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماهكذا ياليلى
كمال عبد الهادي ( 2010 / 4 / 2 - 20:09 )
الأخت ليلى الهوني.
تحية طيبة وبعد
باختصار أود أن أعبر لكي عن رأيي في مقالتك وبخصوص ما تدندنين حوله في جميع مقالاتك ألا وهو معارضتك ونقدك الواضح للنظام في ليبيا ..وحسب وجهة نظري أن انتقادك بهذا الشكل نقد هدام ولن يكون بناء على هذه الوتيرة ألا وهي وتيرة الهروب إلى الخارج ومحاولة بت الأفكار من بعد.. إن ليبيا بحاجة إلى أصلاح وبدون شك والإصلاح يجب أن يكون في الداخل بالعمل وإصلاح المجتمع حتى لو كان على المدى البعيد لكي ننتج مجتمع واعي ويدرك ذلك ونورثه لأولاد أولادنا أعذرينى طريقتكم عندي لها مدلول كما قال الشاعر ( أوردها سعد وسعد مشتمل... ما هكذا يا سعد تورد الابل)... شكرا على قبول تعليقي.


2 - شكرا جزيلا لك أخي كمال.. 1
ليلى أحمد الهوني ( 2010 / 4 / 2 - 21:06 )
أخي الفاضل كمال/ شكرا جزيلاً على تعليقك الكريم وأود أن أوضح بأنك لو تتبعت مقالاتي وقرأتها جيدا مؤكد ستعرف بأني لا أسعى بأي شكل من الأشكال أن أغير نظام الحكم في ليبيا من خلالها، بل كل ما أكتبه وأحاول إيصاله هو مجرد وجهات نظر شخصية حول رأيي الواضح اتجاه نظام القذافي الحاكم الفعلي في ليبيا اليوم كما أنك ولو قرأت مقالاتي قراءة دقيقة فأنك ستعرف بأني دائما أنتقد من خلالها كل المعارضين الذي يعيشون في خارج الوطن بما فيهم انتقادي الواضح لشخصي ولمواقفي وأصفها بأنها لا تخدم ليبيا ولا الشعب الليبي وما هي إلا كتابات تعبر فقط عن أراء أصحابها وأحصر دور المعارضة الليبية بالخارج بأنها فقط صوت الشعب الليبي المسموع خارج الوطن وأؤكد بأن هذه هي مهامهم وهذا هو دورهم ولا يزيد عن هذا الحد... يتبع


3 - شكرا جزيلا لك أخي كمال.. 2
ليلى أحمد الهوني ( 2010 / 4 / 2 - 21:06 )
كما أني في مقالاتي أركز بأن التغيير الحقيقي لا يأتي من معارضي الخارج ولا من كتاباتهم ولا من بياناتهم ولا من أي عمل وطني يقومون به مهما كان نوعه فالتغيير الحقيقي والمطلوب هو الذي يأتي من داخل الوطن وبأيدي وبعزيمة أبنائه وبناته الأحرار الموجودين بداخله فهؤلاء هم آمالنا الحقيقية والتي نطمح ونرجو منها هذه المواقف البطولية والتي عجز معارضي الخارج على تحقيقها لوطنهم ولو لديك الوقت أرجو الإطلاع مشكورا على مقالة لي بعنوان ما المطلوب في ليبيا اليوم!؟ ربما ستتعرف من خلالها على الكثير من أرائي


4 - الحاجة للأصلاح والمصلحين
كمال عبد الهادي ( 2010 / 4 / 3 - 11:48 )
أخت ليلى
شكرا على ردك على تعليقي السابق والشكر أيضا موصول أليك على تواضعك وشفافيتك الغير عادية كما أود أن أعبر أليه أنه لكل شخص وجهة نظر فالاختلاف لا يفسد للود قضية وطالما أن هذا هو رأيك في المعارضة الليبية والبقاء خارج الوطن.. لطالما هذا رأيك فلماذا البقاء هناك أذن ألا يعتبر ذلك مضيعة للوقت؟ وطالما أنك وبصراحة تتصفي بهذه الشفافية وحب هذا الوطن فلماذا لا تأتين وتساهمين في بناء الغد؟ الوطن بحاجة للإصلاح والمصلحين..أختي هناك قاعدة تقول (دفع المفسدة قبل جلب المصلحة) ووجهة نظري دائما هو الالتفاف حول السيد سيف الإسلام شريطة النصح والعمل والاستمرار في الإصلاح لان ذلك سيجنبنا كثير من المفاسد ومنها تشتت هذا البلد والذي أستسمحك هنا في تسميته بالبلد الأمين بل العمل في نطاق ما ذكر آنفا سيجلب لنا المصلحة على المدى الطويل..إن أي تغيير (التغيير والإصلاح الاجتماعي) فجائي وغير مسبوق بخطوات مدروسة وأخذ الوقت الكافي حتما مآله الفشل .. والعكس يكون من ثمراته النجاح الذي سيكون من نتائجه المردود الحسن حتى على من سيمتلكون زمام الأمر في ليبيا الغد


5 - ملاحظة أضافية
كمال عبد الهادي ( 2010 / 4 / 3 - 11:52 )
أخت ليلى
عفوا على الاطالة ( يتبع تعليقي السابق).
ملاحظة أضافية : هناك نظرية طبقت في أمريكا في ثمانينات القرن الماضي ( نظرية النوافذ المحطمة) وكان لها مردود جيد في ذلك الوقت والى يومنا هذا..في المستقبل إن كان لديك الوقت وسنحت الفرصة سنناقش سويا أمكانية تطبيق هذه النظرية في مجتمعاتنا وما مدى الاستفادة من هذه النظرية لخدمة الإصلاح في بلادنا وهو طموحنا الذي نسعى أليه.

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -