الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف درويش .. مناضل من طراز فريد

إلهامي الميرغني

2010 / 4 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عرضت قناة نايل لايف يوم الخميس 25 مارس برنامج " كلام علي ورق " الذي تقدمه الأستاذة حنان شومان حيث استضافت الفنانة بسمة حفيدة الأستاذ يوسف درويش لتتحدث عن الحملة التي تتعرض لها لأن جدها كان يهودي . وفجأة عقب فاصل إعلاني انقطعت الحلقة وتم بث برامج أخري.
المهم في هذه الواقعة أن المذيعة ومعها فريق الإعداد تحدثت عن الأستاذ يوسف درويش باعتباره من مؤسسي حدتو ، بل وجاءت الفنانة بسمة لتؤكد هذه المعلومة المغلوطة بأن الأستاذ يوسف درويش كان من مؤسسي حدتو. وربما لا يهم المشاهد العادي إذا كان يوسف درويش مؤسس طليعة العمال أم حدتو خاصة وأنها منظمات تاريخية. لكن أشد ما يزعجني ويؤلمني هو تشويه تاريخ الحركة الشيوعية المصرية عبر مراحل تطورها المختلفة. وثانياً أفخر بأنني عاصرت عمي يوسف درويش عن قرب واشعر دائماً أنه ظُلِمَ ظُلم بين لأنه كان رجل المهام الصعبة العازف عن الأضواء، رجل البناء الطويل النفس.
ولد يوسف درويش عام 1909 لأسرة يهودية وكان والده يعمل في صناعة الذهب والمجوهرات وأراد له وراثة مهنة العائلة. لكن يوسف فضل دراسة الحقوق ولأن الأسرة ميسورة الحال فقد ذهب للدراسة في باريس.هناك لم يتعلم يوسف درويش الحقوق فقط ولكنه اعتنق الشيوعية في باريس كما حدث مع العديد من جيل الرواد الذين تلقوا تعليمهم في الخارج مثل الدكتور فؤاد مرسي والدكتور إسماعيل صبري عبدالله رحمهما الله والدكتور سمير أمين والدكتور فوزي منصور متعهم الله بالصحة والعافية.
عاد يوسف درويش إلي مصر في مطلع الثلاثينات حيث انتمي لحركة أنصار السلام وهناك التقي بريمون دويك أحد القيادات الشيوعية التي ستلازم يوسف درويش لفترة طويلة كما التقي بالأستاذ أحمد صادق سعد الذي توافقت أفكاره مع أفكار الأستاذ منذ اللحظات الأولي..ثم توجه لاتحاد العمال الذي يرأسه النبيل عباس حليم وهناك التقي بالأستاذ محمد يوسف المدرك أحد أهم القيادات العمالية في تاريخ مصر.
افتتح عم يوسف مكتب للمحاماة في شبرا وتولي الدفاع في القضايا العمالية متبرعاً بأجره في الكثير من المرات. وفي شبرا تعرف بالثلاثي يوسف المدرك ومحمود العسكري وطه سعد عثمان وأصبحوا تحت قيادة يوسف درويش قادة شبرا الخيمة التي وصفها مصطفي النحاس في أحد خطابته بأنها تحولت إلي قلعة حمراء.
رغم أن القيادات الثلاثة يوسف درويش وريمون دويك واحمد صادق سعد تعتنق اليهودية . إلا أن ذلك لم يمنعهم خلال عملهم في حركة أنصار السلام مع بول جاكو من إصدار منشورات تهاجم الصهيونية والعنصرية وتم توزيعها في شوارع القاهرة في الثلاثينات وقبل سنوات من قيام إسرائيل.
قرر اليهود الثلاثة إشهار إسلامهم لكي لا تقف ديانتهم حائل بينهم وبين تواصلهم مع المصريين. وأسسوا منظمة عرفت بأسم الطليعة الشعبية للتحرر والتي تحولت في مرحلة لاحقة إلي حزب العمال والفلاحين الشيوعي المصري.أصدرت الطليعة الشعبية مجلة الأسبوع ثم الفجر الجديد ومجلة الضمير. كما ساهمت في تكوين لجنة العمال للتحرر القومي واللجنة العامة لمؤتمر نقابات عمال مصر.وكانت من المنظمات التي رفضت قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين علي عكس التنظيمات الأخرى التي وافقت علي القرار.
لم يفكر زعماء عمال شبرا الخيمة في أي لحظة أن قيادات التنظيم كانت أصولهم يهودية لأن ما قدمه هؤلاء الثلاثة للحركة الشيوعية والحركة العمالية يفوق ماقدمه الكثير من المصريين.
تعرض يوسف درويش للاعتقال عدة مرات بسبب أفكاره السياسية وانتمائه الطبقي، وباع ثروة والده من أجل بناء حزب شيوعي حقيقي في مصر. وبعد حل المنظمات الشيوعية في منتصف الستينات ظل يوسف درويش يحاول إعادة البناء لأنه لا نضال بدون حزب.وعندما اندمجت جماعة حدتو الجديدة مع تنظيم شروق كان عم يوسف ضمن مؤسسي الحزب الشيوعي المصري الذي أعلن عنه عام 1975 .
عندما انحرف الحزب عن الخط الثوري وبدأت الازدواجية بين الحزب السري والحزب العلني . انحاز يوسف درويش كما هي عادته للكتلة الثورية التي ضمت الراحلين العظام نبيل الهلالي وميشيل كامل ، وأسسوا حزب الشعب الاشتراكي الذي ظل عضوا في لجنته المركزية حتى وفاته.
عاش يوسف درويش 95 سنة حيث توفي بالقاهرة في عام 2006 ليترك لنا ميراث من الكتابات والمواقف التي تعكس صدق ووطنية هذا الرمز الكبير من رموز الحركة الشيوعية المصرية.
نموذج فريد في إنكار الذات
يمثل عم يوسف نموذج فريد في إنكار الذات وعندما يحكي قصة علاقته بالحركة الشيوعية يروي أنه ظل ست سنوات مرشح لعضوية الحزب رغم أن الكثيرين ممن هم أقل منه كفاءة ظفروا بها ولكنه لم يهتم سوي بتحقيق أفكاره ومبادئه التي عاش ومات من أجلها.
يروي عم يوسف أنه عند انضمامه لحركة أنصار السلام أعطوه كمية من الخطابات وطلبوا منه كتابة العناوين عليها وقد طلب ذلك من الأستاذ أيلي حزان ولكنه رفض لأنه عمل بسيط .( الأجانب في الحركة الشيوعية المصرية حتي عام 1965 ـ مركز البحوث العربية والأفريقية ـ 2002 ـ صفحة 71) . فهو لا يهتم ببساطة المهمة ومكانته بقدر ما يهتم بالدور الايجابي والتراكم الذي يمكن أن يحدثه.
كما يحدثنا شيخ المؤرخين العماليين طه سعد عثمان عن تجربة لجنة العمال للتحرر القومي التي تأسست عام 1945 وكان أعضائها الموقعين علي البيان أربعة من القيادات العمالية هم محمد يوسف المدرك ومحمود محمد العسكري وطه سعد عثمان ومحمود محمد قطب . وان من بين المؤسسين اثنين لم يوقعا علي البيان هما الأستاذ يوسف درويش والأستاذ محمد وحيد الدين. ويقول عم طه في ذلك :
" أما يوسف درويش فقد كان محامياً بالمحاكم المختلطة ثم محامياً أمام المحاكم الوطنية المصرية بعد أن حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية ، وقد قام بدور كبير في الدفاع في الكثير من قضايا العمال في عدد من النقابات ، حيث كان جزء من أصحاب الأعمال من الأجانب المتمتعين بالامتيازات الأجنبية قبل إلغائها.
ورغم أنه أشهر إسلامه وكان وثيق الصلة بالعمال وعرف عنه حماسه في الدفاع عن حقوقهم دون نظر إلي الاتفاق مقدماً علي الأتعاب كما كان يفعل غيره من المحامين ، بل انه في كثير من القضايا كان يتنازل عن إتعابه أو يأخذ أتعاباً رمزية ، ورغم كل ذلك فإن حساسية العمال في تلك الفترة ، والموجة العارمة ضد تدخل غير العمال في شئون العمال ومنظماتهم ، بالإضافة إلي الرغبة في الاحتفاظ بصف ثان لقيادة اللجنة غير معلن لكي يتولي العمل إذا ما تعرض المعلنة أسماؤهم للسجن أو غيره ، وهو ما كان متوقعاً.
كل ذلك قد أدي إلي الاتفاق الاجماعي علي عدم إعلان أسم يوسف درويش ضمن الموقعين علي بيان اللجنة وبرنامجها" ( طه سعد عثمان ـ الطبقة العاملة والعمل السياسي ـ 1988 ـ صفحة 45 ) .
هذا هو يوسف درويش وهذه هي أخلاقياته إنكار الذات والعمل خلف الصفوف وفي الكواليس لا يبحث عن زعامة هو أجدر بها ولا عن إعلام عن دور حقيقي له ، ولكن قبوله العمل 6 سنوات لينال عضوية التنظيم الذي يؤمن بأفكاره وقبوله عمل بسيط وهو كتابة العناوين علي الأظرف لحركة أنصار السلام . وقبوله عدم وضع اسمه علي بيان لجنة العمال للتحرر القومي . كل ذلك يعكس إنكار الذات لدي العم يوسف. المهم هو الحركة والمهم هو نجاح الفكرة وصعود نجم الحزب بغض النظر عن من يقف خلف هذا النجاح.
حياة مليئة بالعطاء
ظل يوسف درويش منذ انتمائه للحركة الشيوعية حريصاً علي بناء المنابر الدائمة للحركة العمالية واليسارية. مؤمناً بالرسالة والأفكار السامية التي يؤمن بها . وأذكر عندما أسسنا مجلة صوت العامل في الثمانينات كان عم يوسف يدعم التجربة بكل ما يملك. وعندما كانت تشتد الخلافات بين هيئة التحرير كانت جلسة صفاء في منزله بباب اللوق كافية لحل كل الخلافات . فمصداقية الرجل وتاريخه المشرف ونضاليته كفيلة بحسم أي خلاف.
وفي مطلع التسعينات تبني الأستاذ تجربة دار الخدمات النقابية في حلوان وراح يزاوج بين جيل الرواد مثل المرحوم سيد فايد والجيل الجديد مثل الزميل كمال عباس.هذا هو يوسف الدرويش الذي يحاول البعض اختزال مسيرته فإنه كان مجرد يهودي في فترة من شبابه.
إن صراعات الوسط الفني الفاسدة والصعود والنجاح المتوالي للفنانة بسمة حفيدة يوسف درويش وعدم وجود ثغرات شخصية في سلوكها مثل الكثير من نجوم الزمن الردئ ، والنجاح الكبير الذي حققه فيلمها الأخير " رسائل بحر " . ذلك هو ما دفع ببعض ضعاف النفوس من جوقة الإعلام الفاسد بطرح موضوع يهودية يوسف درويش.
لكن رجاء لا تزجوا بسيرة يوسف درويش في صراعاتكم الفاسدة.فتلاميذ يوسف درويش لن يقبلوا الصمت في هذه المعركة للنيل من سمعة احد أنبل وأشرف أبناء مصر وهو يوسف درويش.
رحم الله العم يوسف وقدرنا علي حمل رسالته وأفكاره. وان نستلهم مسيرته وخطاه وانكار ذاته من أجل مصر الاشتراكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص