الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العافون عن الناس وحكاية الحصان الطائر

جان كورد

2004 / 7 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في خطوة لم يسبق لها مثيل أصدرت المعارضات السورية ومن وراءها الشعب السوري الذي أنهكه العمل المتواصل كأي كادح بروليتاري من أجل لقمة العيش مرسوما لا تشريعيا ينص على العفو عن الذين ارتكبوا بحق هذا الشعب من جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، ومنها جريمة استلاب الناس حرياتهم الشخصية والزج بهم في معتقلات تشبه أقفاص القردة واغتصابهم وهدر كرامتهم وقلع أظافرهم وأسنانهم وحواجبهم، وممارسة التعذيب الحيواني عليهم والتلذذ به بالدولاب والكرباج والكهرباء والقارورة التي تستعمل للجلوس عليها بدلا عن الكرسي، وبخاصة عندما يكون المعتقل من المشاهير الذين لهم باع طويل في مجالات الأدب والسياسة والفن أو المال... والغريب أن كل الذين صدر العفو عنهم ينتمون إلى حزب البعث الذي أجبر على ممارسة الحكم رغما عنه منذ ستينات القرن الماضي، وهذا يعتبر خطوة ذكية من الشعب السوري وممثليات لجان حقوق الإنسان التي انتشرت كانتشار الفطر منذ ربيع دمشق الذي توّهم بعضهم وجوده مما أضطر سيادة الرئيس "الفارس الأكبر" إلى الإعلان عن عدم وجوده حقا، ولم يكن الإعلان عنه من قبل بعض المفكرين المشاغبين سوى "كذبة نيسان" في بداية العهد الجديد منذ أربع سنوات عجاف تذكرنا بقصة يوسف والحلم الفرعوني...

ومعلوم أن هذه الجرائم التي من الضروري رفعها إلى محاكم حقوق الإنسان الدولية لخطورتها تستدعي سجن مرتكبيها حتى ولو كانوا من "السلالة القحطانية" التي أنجبت حتى الآن عباقرة كبار في مجال تصريف شؤون المعتقلات السرّية والعلنية وتذويب المعارضات فيها وفي خارجها عن طريق استخدام سياسة "العصا والجزرة". إلا أن الإباء القحطاني يرفض التوجه إلى مثل هذه المحاكم الدولية فهذا يعتبر ضربا من "الاستقواء بالأجنبي" والاستعانة بالديموقراطية الأمريكية التي ترّبى هذا الشعب على احتقارها وازدرائها لمجرد أنها أمريكية، أما الأوربيون فإنهم لا يزالون أبناء أولئك المستعمرين الكلاسيكيين الذين شكلوا هذه المحاكم لمجرد التعكير على الأنظمة التي تخالف سياساتهم المنافية لأبسط قواعد الأخلاق الاجتماعية والسياسية، وهذا ما يرفضه المجتمع السوري، إلا بعض المرتدين عن التقاليد العربية في مجالات التآلف الوطني من أمثال نزار نيوف ومرتزقته من الأكراد...

ولقد أعلن سكرتير حزب كردي يرفع "الحصان الطائر" شعارا له بأن حزبه لا يعتبر نفسه جزءا من المعارضة، ولذا فإن ترحابه بالعفو الصادر عن جرائم النظام سيكون بالتالي أعظم من ترحاب الإخوان المسلمين الذين هم عازمون على بناء جسور مع النظام حتى ولو أضطروا إلى غض النظر عما جرى لآلاف المعذبين في جحور السجون لعقود طويلة من الزمن..

وبالمناسبة فإن هذا الحصان الطائر هو "الدلدل" في اللغة الكردية، حيث يعتقد الكثيرون من الأكراد بأن الإمام علي (رض) كان يمتطي صهوة هذا "الدلدل" الأبيض، وهو كالبراق النبوي... ولماذا اختيار هذا الشعار؟ يبدو أنه من نوع بناء جسر خفي مع النظام الذي غلبت عليه صفة "النظام العلوي".. ولكن هل هذا يقال داخل تنظيمات الحزب المذكور..لا أعلم.

إن توالي البيانات الترحيبية بصدور "العفوالكبير!!" في سوريا بدأ يشوّش التفكير المنطقي علي وعلى أمثالي من الذين لا تزال في حلوقهم بعض الأسئلة، ومنها:
- إن كان هذا العفو للسياسيين أيضا فلماذا لم يفرج عن الجميع؟ وإن كان الذين شملهم العفو مجرمين فكيف يتم العفو عنهم؟
- لماذا يتم اعتقال وتعذيب وسجن وإهانة وترويع السياسيين أصلا؟ أمن أجل وقف مسيرة النضال من أجل الحرية والديموقراطية؟ إذا كان هذا صحيحا، ألا يدل ذلك على أن النظام يخاف الحرية والديموقراطية حقا؟ بل يعاديهما بالسياط والكرباج والأصفاد والقيود والمحاكم الاستثنائية...
- هل سيحصل الذين عاشوا سنوات طويلة من أعمارهم وراء القضبان لأسباب سياسية على تعويضات ومن هو قادر أصلا على تعويض جزء بسيط من عمر الإنسان؟
- لماذا هذا الترحاب الكبير؟ هل هذا يعني أن النظام قد تخلّى عن معاقبة وتعذيب وسجن معارضيه؟ وهل سيفتح أبواب البلاد للحرية والديموقراطية التي لا يعلم عنها أجيال من السوريين شيئا...؟
- من يعفو عن الآخر؟ هل النظام يعفو عن الشعب ؟ أم أن المعارضة تعفو النظام بإسم الشعب؟

إن كل القصة - في رأيي- مسرحية هزلية تثير الرثاء في عصر لم يعد يقبل بالبهلوانيات والاستعراضات التي تقوم بها "الأنظمة التوتاليتارية" بين الحين والحين من باب التجميل والتصقيل والتلوين ، ومن ينخدع بها فهو مشارك في سياسة قمع الشعب السوري واستغبائه من دون أن يدري ..

إن الشعب السوري بحاجة إلى تغيير حقيقي، إلى سياسة اجتماعية – اقتصادية تحديثية تقلل من ظروف دفع المواطن إلى الإجرام والتطاول على القانون، وتوّسع من نطاق الحريات العامة بحيث لا يتمكّن النظام السياسي من قمع معارضيه... ولقد أضحكني قول أحدهم معلّقا على مسلسل العفو الأخير: " ليش في خبز كافي بالسجون حتى يطعموا كل هالمجرمين؟"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة