الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حذار لعنة تديين الصراع

ماجد الشيخ

2010 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



قضيتان ينبغي لنا كشعوب ومجتمعات وطنية ونخب سياسية وثقافية، في هذه المنطقة من العالم، أن يتجه استثمارنا فيهما، بكل ما أوتينا من عزم وقوة الإصرار على تحقيق الهدف: تحرير فلسطين وتخليصها من براثن الاحتلال، وتقدم شعوبنا وتحقيق حداثتها التنويرية؛ وإلاّ بقينا نتردى من انحطاط إلى آخر، ومن هزيمة إلى أخرى، ومن نكوص وتراجع شاملين إلى نكوصات وتراجعات أشمل، جعلتنا نترحّم على ما مضى من أزمنة كانت إمكانيات ونذر التقدم والتحرر الوطني والاجتماعي، منسوبها أوسع ورصيدها أعلى مما نحن فيه اليوم من استبداد مقيم، ما انفك يضحي أكثر مراوغة وخبرة في التملص من الإدانة وإشهار الكفاح ضده، كونه أحد معيقات الحداثة التنويرية الرئيسة، وأداة قمعها وتعويقها، وذلك عبر التباساته ولبوساته "المقاوماتية" أحيانا في مواجهة الاحتلالات الأجنبية.

إن الادعاءات "المقاوماتية"، التي تغطي شعاراتها بألفاظ الحماسة ذات الحساسية الدينية، ولا تنتمي إلى فضاء التحرر الوطني، وتاليا الاجتماعي، ولا تمتلك ثقافة تنويرية حداثية متجذرة في قلب مجتمعاتنا، التوّاقة للتحرّر من كامل تشكيلة الاستبداد المحلي والاحتلالات الأجنبية سواء بسواء، إن مثل هذه "المقاومة" ليست أكثر من وسيلة أو أداة لسلطة أبوية ولنزوع سلطوي استبدادي، أكثر محافظة ونكوصا، عن أهداف التوق المشروعة والطبيعية، للتحرر من مكبلات وقيود الفوات التاريخي الذي نتردى فيه؛ أنظمة سلطوية وشعوبا ومجتمعات.

لهذا بالتحديد، ليس من مصلحة الفلسطينيين شعبا وقضية وطنية، الانجرار خلف أهداف تحويل الصراع مع إسرائيل من معركة على الأرض وتخليصها وتحريرها من براثن الاحتلال، إلى صراع ديني، وهي أهداف ليست إسرائيلية أو غربية في الغالب الأعم فحسب، بل هي من صفات وطبائع بعض الفلسطينيين وبعض العرب، وبعض آخر من إسلامويي هذا الزمان الذي تلطّخ وجهه بصبغة "ناصعة" من صنائع سواد الإرهاب المولود في "مفاقس" الأصولية الدينية الإسلاموية، كما في "مفاقس" المروجين للأصوليات الدينية الأخرى اليهودية – المسيحية الصهيونية، السياسية منها، أو تلك المسيحانية – الخلاصية، في سعيهما لإنتاج أو إعادة إنتاج حروب صليبية جديدة، يُراد لها أو عبرها تلطيخ وجه التحرر الوطني، وجعله مجرد صغيرة من صغائر الأطروحات الجهادوية.

إن الانسداد الحاصل أمام الوضع السياسي، وفشل أو إفشال مقاربات التسوية السياسية بكل صياغاتها، لا يمكنه أن يبرر انحرافا أصوليا دينيا نحو تبني أطروحات جهادوية، كما لا يبرر أنجرافا حادا كذلك، صوب الاستجابة لتحدي الاحتلال، تحويل الصراع معه من تحديات صراع تحرر وطني يتضمن الوجود ونفي الوجود أو تأكيده، إلى تحديات تصارع وتنازع دينيين على أماكن خاصة بهذا الدين أو ذاك، هذه الطائفة أو تلك، هذه الفئة أو تلك؛ بما هي انتماءات فرعية أو قبلية على الهوية الدينية الفرعية، لا على الهوية الوطنية.

واليوم.. وأكثر من أي وقت مضى، ومع تزايد مخاطر الانقسام الوطني والجغرافي، وتشتيت الوطنية الفلسطينية وتشتتها والتلاعب بها وبمصائرها، ومحاولة حرفها وحرف مسيرة تحررها الوطني، وتحويلها إلى مسار طويل من التنازع على السلطة، كمرجعية سياسية يُراد لها أن تواكب مسارات التحوّل الأبوي والعشائري والقبلي والعائلي، وباتجاهات ريعية وزبائنية، وإحلالها محل المرجعية السياسية التي طالما جرى التوافق عليها وطنيا، حتى عشية أوسلو ومترتباته، وصولا إلى لحظة الانقسام المترافقة مع "الحسم العسكري" منتصف العام 2007، من يومها وحتى اليوم، باتت مخاطر الانقسام تتجاوز الراهن من قضايا تخص الشعب والمجتمع ومشروع الدولة، إلى قضايا المستقبل، وصراع التحرر الوطني مع الاحتلال، الهادف إلى التخلص منه لا التعايش معه، وفق هذه أو تلك من الصيغ التسووية التي لا تحظى بأي إجماع أو توافق وطني وشعبي عليها، قدر ما تثير من التنازع والتنافس على بلورة هوية المرجعية المقررة لحسم الصراع مع كيان الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي؛ وطنيا أم دينيا عبر التأكيد على الإجماع والتوافق الوطني العام، أم عبر التأكيد على تذرر وتشظي الهوية، ومحاولات إلصاقها بفرع أو فروع الانتماءات الدينية، ما يسهل على العدو مواجهة الفروع وجرّها إلى مواقع المنازلة، حيث هو وحده القادر على حسم معركته معها، بينما يستعصي عليه ذلك في حال كان الأصل أو الأصول الوطنية موحدة، وتستبعد من رؤاها وبرامجها أي توجه نحو حروب أهلية داخلية، وأكثر وعيا بمعركة المصير الوطني وتحرير الوطن من الإحتلال.

في كل الأحوال، وإذ تسعى حكومة نتانياهو يوميا إلى مجابهة حتى الحد الأدنى من تسوية الصراع، بإفشاله والقفز عليه نحو تحقيق أهدافها وبرامجها الاستيطانية، والتمسك بكل المواقع الاستيطانية حتى العشوائية، فلأنها لا تريد تسوية يؤسس التوافق عليها لإنجازها، بالتخلي عن أرض يُزعم أنها توراتية، بل هي تسعى لفرض منظورها الخاص بتسوية خلافية في العمق، تُبقي المستوطنات حيث هي، ولا تنزع من المتدينين اليهود ذرائع حربهم الدينية ضد الأرض والشعب والقضية الفلسطينية، بما هي قاعدة التحرر الوطني ومركزه؛ المركز غير القابل للاختزال، أو اقتصاره على رؤية فرعية أو هوية دينية، فهذه الأخيرة هي القاصرة في كل الأحوال عن بلوغ أي مآلات تحررية، مهما ادّعت وتطرّفت وبدت راديكالية في أمور الصراع مع الاحتلال، كحال حركة "حماس" وتفريخاتها السلفية والقاعدية في قطاع غزة.

إن الانسياق خلف رؤية حكومة نتانياهو لتديين الصراع، عبر جر بعض أطراف فلسطينية "جاهزة" لتسليم ذاتها وقضية شعبها إلى مذبح تشويه الذات الفلسطينية، عبر انخراطها في حرب دينية، هي بمثابة المستنقع الذي يبرع فيه أرباب الحروب الدينية من الأصوليات المتناحرة، على قاعدة المفاضلة بين أديانها، والمتاجرة بأيديولوجياتها، والتقاتل الأبدي على السماء. كل هذا لن يبقي للأرض ومهام تحريرها إلاّ أوهام تحرير لن يتم، هذا إذا بقي الفلسطينيون ديموغرافيا يسيطرون على ذات النسبة التي توجد في حيازتهم اليوم.

وفي الوقت الذي ينبغي التحذير فيه من الانسياق خلف أوهام "الحرب الدينية"، سيبقى مطلب التوافق الوطني هو الكفيل بمنع استجابة بعض القوى الفلسطينية لنداءات تلك الحرب المتكاثفة اليوم، تحت غطاءات أسرلة أو تهويد بعض المواقع الدينية الأثرية في الخليل وبيت لحم والقدس، وما يجري من محاولات هدم أو الاستيلاء على الأقصى، وهذا كله جزء من "الحرب الشاملة" التي ينصّبها الاحتلال رأس حربة محاولاته الدائبة للاحتفاظ بالأرض الفلسطينية، كغنيمة استيطانية غير قابلة للتسوية، إلاّ إذا واجه مقاومة شعبية وجماهيرية واسعة، تضعه في أسوأ شروط احتفاظه بها، ودفع أثمان باهظة لبقائه فيها؛ على ما حصل تماما في الجنوب اللبناني حتى العام 2000.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ