الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتلال وأزمة المقاومة في العراق

معقل زهور عدي

2004 / 7 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


مثلما أن من الصعب تصور ان يتمكن الاحتلال العسكري الامريكي للعراق من سحق الروح الوطنية العراقية ، فان من الصعب ايضا ان تستسلم الارادة الامريكية بسهولة لفكرة الانسحاب من العراق بعد كل الجهود والخسائر التي بذلت بغض النظر عن نتائج الانتخابات الامريكية القادمة .
من أجل ذلك سيستمر على الارجح صراع الارادات على أرض العراق الى فترة غير منظورة . لكن ذلك لايمنع من دخول الحالة العراقية بأطوار متعددة قبل ان يسفر ميزان القوى في المدى غير المنظور عن نتائج حاسمة .
فالارادة الوطنية العراقية لم تظهر حتى الآن سوى بصورة جزئية ومشتتة ، وربما يحتاج المجتمع العراقي الى بعض الوقت ليبرأ من آثار مرحلة الاستبداد الطويلة ويتمكن من بناء هياكله المدنية والسياسية ، ويصطدم ذلك بالتدخل الامريكي المباشر في شتى مناحي الحياة ، وبالوجود العسكري الذي يفقأ العين في كل مدن العراق .
يؤدي الاحتلال العسكري الأمريكي الى ولادة قوى سياسية مشوهة لاتعبر عن حاجات وتطلعات الشعب العراقي بقدر ما تعبر عن حاجات وضرورات مشروع الهيمنة الامريكي ، وفي كل يوم يمضي الاحتلال في اعادة بناء الدولة العراقية وفقا للأجندة الموافقة له من خلال نخب سياسية لاتريد ولاتستطيع اظهار اي قدر من الاستقلالية عن القرار الأمريكي .
تعمل قوى المقاومة على افشال تقدم مشروع الهيمنة ، ولكنها لاتستند الا على قاعدة اجتماعية ضيقة ، كما ان عدم وضوح برنامجها السياسي ورؤيتها الوطنية والديمقراطية يضعها في موقف رد الفعل اكثر منها في موقف الفعل ، كما ان ظلالا قوية من الظنون تحوم حول الأنتماء الفكري لقسم منها الى مرحلة حكم صدام حسين ، وقسم آخر الى الاصولية الاسلامية ، والمعضلة هنا ليست في الاعتراض على انتماءات فكرية كهذه وهذه مسألة أخرى فمرحلة التحرر الوطني تتطلب شكلا من العمل الجبهوي الذي يفترض ان يتسع لأطياف وطنية متعددة على اختلاف منابتها ومشاربها الفكرية والسياسية ، لكن المعضلة تكمن في الالتباس والغموض الناشئين حول قيادة تلك الحركة وأهدافها وبرامجها.
تستفيد قوى المقاومة العراقية الحالية من شعور شعبي يرغب في الثأر للكرامة الوطنية ، لكن ذلك المخزون قابل للنفاذ اذا لم يتم رفده ببناء جبهة وطنية وبرنامج وطني-ديمقراطي يشكل بديلا واقعيا لبرنامج مشروع الهيمنة الامريكي . من الواضح ان قوى المقاومة في وضعها الحالي غير قادرة على بناء مثل تلك الجبهة ولاعلى طرح البرنامج الوطني- الديمقراطي ، لذلك فمن المنطقي ان نتوقع بزوغ مثل هذا المشروع من خارجها وبصورة خاصة من النخب السياسية الوطنية الديمقراطية التي تم اقصاؤها عن العمل السياسي بقعل النظام الشمولي السابق ، لكن المعضلة تبقى في مدى استجابة قوى المقاومة لمثل ذلك البرنامج وتفاعلها معه ، وتفهمها للظروف الجديدة للعصر وأهمية المسألة الديمقراطية ، وربما يتطلب ذلك تغييرا نوعيا كبيرا في أجندة تلك القوى واعادة انتاج لمفاهيمها الفكرية والسياسية .
مثل ذلك التغيير منوط الى درجة ما بالجهد الذي ستبذله النخب الوطنية الديمقراطية العراقية لملاقاة قوى المقاومة ونقدها في الوقت ذاته ، وهو بدون شك عرضة لاشكالات كبيرة منها الاختلاف في البنية وطريقة التفكير بين نخب سياسية تعتمد العمل الجماهيري السلمي وقوى مقاومة تعتمد العنف المسلح فضلا عن الاختلافات الفكرية-المرجعية ، القاسم المشترك هنا هو رفض مشروع الهيمنة الامريكي والسعي لاستقلال العراق ووحدته وبناء دولته الديمقراطية ، اذلايمكن تصور رفض حقيقي لمشروع الهيمنة دون احلال الديمقراطية السياسية وسيادة القانون.
يجادل البعض داخل العراق وخارجه أن الطريق الامثل لانهاء الاحتلال وبناء الديمقراطية هو الطريق السلمي السياسي ، وطالما ان الانتخابات قادمة فبامكان الشعب العراقي الدفع بقياداته الوطنية نحو الامام ، لكن ذلك يفتقر للواقعية فآلة الاحتلال العسكري الامريكي لايمكن تحييدها عن مجرى العملية السياسية وطريقة اخراج قانون الادارة المؤقت بصيغته الطائفية وبنوده الملتبسة مجرد مثال عن قدرة آلة الاحتلال على التأثير في انتاج القوانين وما ينبثق عنها من مؤسسات ، اما التدخل في تنظيم القوى الامنية والتحكم بالدولة بواسطة المستشارين المزروعين في كل مفصل هام فأمر يتم أمام الجميع .
يمتاز مشروع الهيمنة الامريكي على العراق عن الامثلة التي يوردها البعض لبقاء الجيوش والقواعد العسكرية في بلاد مثل اليابان او المانيا في ان مشروع الهيمنة الامريكي على العراق قام فعلا بتدمير الدولة العراقية الضعيفة والمتخلفة ، وهو يشرف الآن على اعادة تأسيسها وفقا لأجندته الخاصة مستندا لوجوده العسكري بينما في حالة اليابان والمانيا فان الوجود المتطور اصلا للدولة وقف حاجزا امام النفوذ الامريكي وقلص مساحته لحدود المعاهدات المتفق عليها وهناك ايضا الاختلاف الواضح في الاهداف الامريكية للحالتين ففي حالة العراق يسعى الاحتلال الامريكي الى الحاق الدولة العراقية بعد اعادة انتاجها وفقا للمصالح الامريكية ولاستراتيجية هيمنة عالمية جديدة .
تبدو المرحلة الحالية كمرحلة انتقالية فهناك قطاعات من الشعب العراقي ترفض الاحتلال ولكنها غير مقتنعة بالمواجهة معه ولابد من أخذ ذلك بالاعتبار ، وهناك قطاع شعبي مؤيد لاعمال المقاومة ، ومايزال دور النخب السياسية الوطنية-الديمقراطية بعيدا عن التأثير، كما أن المجتمع المدني العراقي بمؤسساته ( نقابات، جمعيات، أحزاب...) لم يتكون بعد.
انبعاث الروح الوطنية العراقية في مواجهة سياسة الهيمنة الامريكية والالحاق والاحتلال سيستغرق بالتأكيد بعض الوقت ، وهو الوقت اللازم لدفن ذكريات الماضي ، ولاحياء المجتمع المدني العراقي ، وتبدد اوهام فئات من الشعب العراقي حول حقيقة أهداف الحملة الامريكية وامكانية الانتهاء من الاحتلال وآثاره من دون الاضطرار لمواجهته، وهو الوقت اللازم ايضا لوعي المقاومة العراقية بمأزقها السياسي وبحثها عن حل لهذا المأزق يبدأ بفتح حوار مع النخب الوطنية- الديمقراطية ، ويمر عبر ادراكها انها جزء من الحل الوطني-الديمقراطي وليست بديلا عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن