الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة مع الأمل

فاطمه قاسم

2010 / 4 / 5
حقوق الانسان



وكل عام وأطفال فلسطين بكل خير وأمل ،أن ينتهي الانقسام ، والحصار ، والاحتلال ، لتعود قضية الأطفال ، أطفال فلسطين ، الأولوية الأولى لاهتمام الجميع ، والحديث عما أصاب الأطفال ، للأسباب الثلاث من أضرار ، لا يكفيها مقال أو دراسة واحدة ، لكن اليوم ، وفي هذا اليوم الذي خصص للطفل الفلسطيني .
سأبوح لكم بما تولد لدي من مشاعر ، وأفكار ورؤى ، من خلال رحلة قمت بها اليوم إلى اللجنة الاولمبية الدولية للمعاقين " paralympic "والتي مقرها بجوار ملعب فلسطين في مدينة غزة ، وقد اصطحبت فيها ابني إبراهيم الذي يوشك أن يبلغ التاسعة عشرة من عمره بعد أربعة شهور !!! ابني إبراهيم ينتمي إلى هذه الشريحة الاجتماعية التي أصبحت تشكل نسبة لايمكن تجاهلها في المجتمع الفلسطيني والمجتمع الغزاوي بشكل خاص ، وهي شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة ، التي حرمتهم أقدارهم نعمة البصر أو نعمة السمع والنطق ، أو توازن الحركة ، أو الإعاقات الأخرى بسبب الحروب والحوادث والأحداث الطارئة .
ابني إبراهيم تعرض لنقص أكسجين أثناء الولادة والتي تمت في مستشفى من الدرجة الأولى للأسف الشديد ، وقد نتج عن ذلك تلف بنسبة كبيرة في الأعصاب السمعية ، وهكذا بدا لحظات حياته الأولى وهو يحمل هذا العبي الخارق ، واحمله معه أنا مع كل أفراد العائلة التي تحول إبراهيم إلى قضيتها الأولى .
ابني إبراهيم وهبه الله عز وجل ذكاءا ملفتا للنظر ، وشكلا جميلا ، واهم من هذا وذاك قدرة خارقة على المحاولة ، وكانت هذه عدتي الوحيدة للتجربة الكبيرة والصعبة التي خضتها معه والتي جعلتني اكتشف أن الأبناء وعائلاتهم الذين قدر لهم مواجهة إعاقة ما ، لايواجهون هذه الإعاقة بقدر ما يواجهون إعاقة المجتمع ، هذا المجتمع الذي لم تنتج مؤسساته الحكومية والتشريعية والرسمية القوانين التي تعطي ذوي الاحتياجات الخاصة ما رتب الله لهم من حقوق ، مثل حقهم في الحياة وحقهم بالتعليم وحقهم بالعمل ، وحقهم في بناء أسرة ، مع أنهم ليسوا ملومين على هذه الإعاقة ، فهم لم يصنعوها بأيديهم ولم يختاروها بأنفسهم ، بل هي من صنع أقدارهم ، وكان الأولى لهذا المجتمع أن يستغل الفرصة ، وان يسمو ، وان يكون يد الله البيضاء التي تمتد إليهم بالرحمة والمحبة ، ولكنهم بدلا من ذلك ، ينظر إليهم من خلال مواريثه وعاداته وتقاليده البائدة ومقاييسه الدنيا ، فيسيء إليهم بدل الإحسان ، ويتجاهلهم بدل الاعتراف بهم ، وفي بعض الأحيان يخجل منهم بدل أن يفخر بعزيمتهم وقدراتهم وإصرارهم على الحياة .
علما أن عددا لا يستهان بهم من ابرز عباقرة البشرية ومشاهيرها كانوا من ذوي الحاجات الخاصة فمن منا لا يعرف أبو العلاء المعري ، رهبن المحبسين ، وبتهوفن ، وعميد الأدب العربي طه حسين وستيفن هوكنز أهم عبقري في علوم الرياضيات والفضاء في زماننا الراهن ، وغيرهم المئات بل الآلاف من كل الأقطار والجنسيات والأعراق والأديان في العالم .
وعودة إلى جولة الأمل التي أوصلتني إلى مقر اللجنة الاولمبية الدولية للمعاقين في مدينة غزة والتي بالإضافة إلى قاعاتها فإنها تستفيد مباشرة من القاعات المتخصصة في ملعب فلسطين والملاعب المؤهلة في بعض المدارس ، حيث يقوم المختصون في اللجنة باستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة ودراسة حالاتهم ، وتصنيفهم ومن ثم إرسالهم إلى قاعة التدريب المختصة حيث تستقبلهم من سن أربعة عشر عاما فما فوق ، وبطبيعة الحال فان الإعاقات تقسم إلى خفيفة ومتوسطه وإعاقات من الدرجة الأولى ، وهؤلاء يذهبون لكي يتدربوا على العاب القوى مثل رمي الرمح والقرص والجري ورفع الإثقال والقفز الراسي والأفقي ، بالإضافة إلى الألعاب الأخرى مثل كرة السلة وكرة الطاولة والبولنج ، وغيرها بعد أن يكونوا قد امضوا فترة محددة لتأهيلهم على مستوى اللياقة البدنية .
الجدير بالذكر :
إن اللجنة الاولمبية الدولية للمعاقين ، في غزة ، تفخر وتعتز بان عددا ملفتا للنظر بقوة من أعضاءها قد فازوا بماداليات ذهبية في بطولات محلية وإقليمية ودولية ، ولكنها تطمح إلى المزيد من خلال تأهيل المجتمع نفسه ، عبر دفعه إلى تفهم واسع ، تفهم حقيقي ، تفهم عملي لهذه الشرائح من ذوي الاحتياجات الخاصة ، لأنهم أعضاء طبيعيين ومتساوون بهذا المجتمع ، وان الأقدار التي أخذت منهم شيئا منحتهم أشياء أخرى تتجسد عبقريتها في هذه الإرادة التي لا تنكسر ، وفي هذه القول المتوقدة بالذكاء ، وفي هذه المهارات التي لا يقدر عليها الكثيرين ممن لم يفقد أي من حواسهم .
اللجنة الاولمبية الدولية للمعاقين تنظر باهتمام بالغ وكبير إلى أهمية تأهيل المجتمع وتأهيل مؤسساته الأهلية والرسمية لقبول هذه الشريحة والاعتراف بها بتقديم الحقوق التي تحتاج إليها كما أراد الله سبحانه وتعالى منا وكما وصلت الشعوب والأمم والدول المتقدمة ، من خلال التشريعات والقوانين النافذة ، ومن خلال الإدماج المتوازن في النسيج الاجتماعي ، وعبر مد جسور المحبة والرحمة والتواصل الإنساني .أقول لكم أنني بدأت رحلتي وأنا خائفة متوجسة وكأنني أسير في طريق الآلام ، ، ذلك أن حكمة الله تعالى جعلت الأم تحمل عذابات الأبناء معها ، في صميم قلبها وعبر مشوار السنين ، ولكنني عندما وصلت إلى اللجنة الاولمبية للمعاقين في غزة ، ورافقني الأخوة الأعزاء المختصون بجولة اطلعت فيها على نشاطاتهم وانجازاتهم تراجعت توجساتي وامتلأت بالأمل ، وحمدت الله انه يوجد بشعبنا الفلسطيني رجال ونساء انحازوا بمحبة عالية إلى هذه الشريحة ، ولم يقعوا في نفس المستنقع من الخلاف والشقاق والتراشق وتبادل اللعنات التي وقع فيها السياسيون في بلادنا ،
وشكرا لهؤلاء الأخوات والأخوة اللذين نظروا أنفسهم وجهودهم المتخصصة والعالية من اجل تفهم هذه الشريحة ومن ثم إمدادها بالمهارات والخبرات التي تساعدها في شق طريقها في الحياة نحو مستقبل من حقها أن تكون مثل بقية الناس أجمعين
مجتمعاتنا وحكوماتنا ظالمة ، تصوروا أن لهذه الشريحة مدرسة ثانوية واحدة فقط ، وقبل أيام حماس استولت عليها للمرة الثالثة وما زال مصير مستقبلهم مجهول ، يقطعون المسافات للوصول للمدرسة لأنهم يناضلون بقوة المحاولة ، فهل يستطيع من اخذ قرار الاستيلاء على المدرسة أن يتوقف قليلا ، وينظر إلى وجوه هؤلاء المليئة بالأمل والرجاء أم أن الانهيار يمنع حتى من مجرد وقفة للتفكير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام


.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف




.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة


.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال




.. فعالية للترفيه عن الأطفال النازحين في رفح