الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقهور

زهير قوطرش

2010 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


كما تناولت موضوع الفقر , لابد لي من متابعة مسلسل المصائب التي يعاني منها مواطننا على امتداد الوطن العربي ,إلا من رحم ربي في بعض الدول وعند بعض الأنظمة. ومن هذه المصائب.......
القهر.
كلنا في هذا الوطن مقهورين ,ويمارس علينا القهر منذ الطفولة إلى الشباب والكهولة وحتى الشيخوخة .قهر الأب ,وقهر المدرسة , قهر العمل ,وقهر السلطة السياسية والأمنية , وقهر رجال الدين والمؤسسة الدينية ,أو قهر التنظيمات والأحزاب السياسية الشمولية ,وحتى قهر مصحات العجزة والشيخوخة ,إلى جانب قهر القوى الخارجية التي تمارس قهرها على الشعوب.
.وهذا القهر الذي نعاني منه هو أحد أسباب تخلفنا في كل المجالات وبالطبع لا يمكن التعميم ,فهناك مجتمعات ليس بها قهر ولكنها تعاني من ذهنية متخلفة.
وفي هذه الحالات يمكن تعزية وجود التخلف إلى عدم الاهتمام بتنمية القدرات الذهنية وملكات التفكير عند هؤلاء الناس.
أما نحن فتخلفنا هو نتيجة القهر بالدرجة الأولى,وثانياً عدم الاهتمام بتطوير ملكات التفكير عندنا .
والقهر ,يوّلد عند الإنسان المقهور الذي لا حول ولا قوة له ,آليات خاصة بالمقهورين ,فنراه لعدم مقدرته على مقاومة القهر ,يستخدم الغيبيات ,والسحر , والهروب إلى الماضي الذي يجد فيه الملاذ الأمن . ولتوضيح هذه الآليات , لا يمكننا القول أن كل من يؤمن بالغيب هو إنسان مقهور ,لكن هناك فرق بين الإيمان بالغيب العقائدي أو العقدي ,وبين الإيمان بالغيب التخلفي .
القهر يجعل الإنسان أسيراً لقدرية مكبلة. تقوم هذه القدرية بتنظيم الاعتباط الذي يحيط بوجوده .حتى يقبل الاعتباط كأمر واقع .كمظهر من مظاهر قانون الكون والأشياء.وتتحول القدرية على نوع من الواجب .ولهذا يعتبر القهر نوع من الامتحان الإيماني ,الذي لا يجوز التمرد عليه ,ويدعوا الله بدعاء معروف"اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه"
والغريب في هذا الدعاء,أن المقهور لا يسأل الله رد القضاء ,مع أنه يدعوه ,فلماذا لا يطلب رد القضاء بالكامل, أنها صفة المقهور ,حيث أن المقهور يتعايش مع قهره ولا يرغب بالتخلص منه وإنما يريد أن تكون نتائجه أقل إيلاماً .
وطالما أن القهر سلسلة غير منتهية من قبل المتسلط تمارس على المقهورين. فيتفاقم القهر ,ويستفحل عجز الإنسان وتنعدم قدرته على التأثير في الأحداث.عندها يحاول المقهور أيجاد وسائل دفاعية كمظاهر العنف المرتدة إلى الذات على شكل إدانة الإنسان لنفسه وكأنه هو المسئول عن التسلط ,كي يجمد الأمور ويعدم الإحساس بها.وبالتالي يخفف من قلقه.وفي بعض الأحيان يأخذ العنف المقنع شكل عدوان موجه إلى الخارج ,فيحاول تخريب الممتلكات العامة ,أو يختلق نكات وتشنيعات مختلفة في حق المتسلط حيث يتم تناول هذه النكات في الاجتماعات العامة ,وتعمل السلطة الأمنية على ترويجها وانتقالها بسرعة ,نوع من امتصاص نقمة المقهور,ويدخل المقهور في تصرفات النفاق والخداع مع المتسلط .,وأحياناً تتطور الأمور إلى العنف الرمزي ,إلى سلوك جانح يهدف إلى خرق القوانين.حيث تنفجر طاقات العدوانية اللفظية فيشتم ويسب المتسلط وزبانيته حتى تصل الأمور في النهاية إلى حمل السلاح في فورات الغضب ,ومع كل أسف توجه فورة السلاح إلى جماعات خارجية من خلال التعصب العرقي والطائفي ,وما يرادف ذلك من ميول فاشية ,حتى تصبح نظرته للأخر ليس شريراً وحسب, بل هو رمز الشر والسوء.فيحكم عليه بالموت ,حتى يصبح العدوان عنده مشروعاً بل مطلوباً.وهذا ما نراه في ممارسات الحركات الجهادية المختلفة ,ترمي حقدها ناراً لتحرق فيه الأبرياء والحجر والشجر.
ولو شاءت الظروف ليعتلي المقهور منصباً ما عند المتسلط ,فأنه سيتماهى بعدوان المتسلط ,فيتظاهر بالاستعلاء على الضعفاء المقهورين من أمثاله ,ويستعرض قوته عليهم ,ويقوم في بعض الحالات بممارسة البطش والعنف والتعذيب ضد الضعفاء المقهورين من أمثاله.....وهذا ما نلاحظه من سلوك رجال الأمن والشرطة الذين يحسون بضعفهم وقهرهم وقلة قيمتهم ,فيصبحون أشد قسوة من سيدهم المتسلط والمستبد.
حدثني بعض الأخوة الأكراد ,أن الكردي المقهور والذي تشتريه السلطة الأمنية في مناطق الأكراد في سوريا ,يتحول إلى متسلط وعدواني ,ويمارس عدوانيته حتى على أقرب الناس إليه. والسبب في ذلك كونه يحارب بفعله وتسلطه مشاعره الدونية بصب جام غضبه على الفقراء المقهورين ,والذين كان واحداً منهم.

المقهور ,الذي يعاني القهر ,من طفولته حتى انتقاله إلى العالم الأخر,يعيش حياته مع كل أسف مشلول في الفكر النقدي ,يعيش حياته مطيعاً ,ولا يرغب حتى في حصوله على حق النقاش والفهم .لهذا تكون حياته صعبة الاحتمال ,ويكرس كل إمكانياته البشرية إلى توسل العديد من وسائل الحماية التي تذهب في كل اتجاه .فهو منكفيء على ذاته ,فينسحب ويتقوقع بدلاً من مجابهة التحديات الراهنة (وهذا ما يرضي السلطة السياسية الشمولية وزبانيتها الأمنية) .
يفقد المقهور صفة الطموح ,فيتقبل المصير أو يحاول إقناع نفسه بهذا المصير . وحتى يستطيع تجاوز هذا الواقع ,فهو يتمسك بالتقاليد والماضي المجيد ,ويقدس من صنعوا له هذا الماضي ,فيقبل قبورهم ويخلد ذكراهم.أو أنه يبحث عن ملاذ أو زعيم منقذ أو شيخ حسبة , أو التعلق بالأبطال أو اللجوء إلى الأولياء.حسب اعتقاده ليتكل عليهم .
لهذا ...لا يمكن لمجتمعاتنا أن تتطور إذا كان أفراد هذه المجتمعات ,يعيشون حالة القهر هذا.
وسؤالي الأهم من توصيف القهر.... كيف يمكننا التخلص من مسلسل القهر الذي تعيشه أمتنا منذ ولاية معاوية إلى يومنا هذا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة