الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس صينية في القمع والثورة

عصام عبدالله

2010 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في العام 2005 شهدت الصين انعقاد ندوة عالمية في الذكري الـ2555 لولادة كونفوشيوس (551 ق. م- 479 ق. م ) ، شارك فيها كوكبة من المتخصصين في أعماله من مختلف أنحاء العالم. كما رددت أقوال حكيم الصين العظيم بقوة في أولمبياد بكين عام 2008 . هناك ثلاثة مواقف تجاه الثقافة الصينية التقليدية اليوم: 1-مدح هذه الثقافة والثناء عليها. 2- الدعوة إلي نهضتها من جديد . 3- نقدها وإصلاحها ودمجها مع الثقافات القادمة مع رياح العولمة حتي تتجدّد .

السؤال الذي تمحورت حوله الأوراق المقدمة في الندوة العالمية عام 2005 هو: ما الذي يجعل الصين تعود الي تعاليم كونفوشيوس بعد ثورة الزعيم الراحل ماو تسي تونج (الثقافية ) ، وبعد الحديث عن شبح الصين في الاقتصاد العالمي ؟.

ظهرت عدة مؤلفات تحاول الإجابة عن هذا السؤال وتفسير ما يحدث في الصين، لخصها رواد خيرالله في مقاله المعنون : كونفوشيوس ... فيلسوف الأصفاد الروحية ، جريدة الجريدة 7 مايو 2009 .الكتاب الأول هو " الكونفوشيوسية الجديدة في الصين " ل" دانييل بيل " الذي أكد علي أنه : " إذا كانت الكونفوشيوسية هي الفكر الأكثر تجذراً في الصين منذ القديم وحتي اليوم، فإنها تشهد أخيراً نوعاً من " النهوض " الذي تعبّر عنه صفة " الجديدة " . وللتدليل علي عودة الكونفوشيوسية " المتجددة " إلي الصين، هو لجوء السلطات الشيوعية نفسها إلي إعادة طبع " تعاليم كونفوشيوس وقانونه " بملايين النسخ وتوزيعها علي نطاق واسع. كذلك يشير إلي بروز ظاهرة جديدة تمثلت في افتتاح عدد كبير من " الأكاديميات الكونفوشيوسية " في مختلف أنحاء البلاد مع تخصيص آلاف المنح الدراسية واستحداث مناصب تدريسية عدة في هذا المجال .

وظلت الحكومات الصينية منذ أكثر من ألفي سنة ، كما يقول بيل ، تستغل أبرز التفسيرات السياسية للكونفوشيوسية لصالح أغراضها الخاصة. فقد ارتبطت الكونفوشيوسية بالتقيد بالقانون لتبرير ممارسات طاعة الحاكم العمياء، وإخضاع النساء، وفرض العقوبات القاسية. بينما تهدف الكونفوشيوسية " الرسمية " اليوم إلي الانسجام الاجتماعي، والحلول السلمية للنزاعات، لأنها تظل تشكل توجهاً أخلاقياً محافظاً. فهي تؤكد علي المساواة في فرص التعليم، والاعتماد علي الكفاءة في اختيار أعضاء الحكومة، فضلاً عن توزيع المناصب القيادية علي أكثر أفراد المجتمع فضيلة.

الكتاب الثاني ، كما يقول رواد خير الله ، هو " كونفوشيوس من القلب " ، تأليف " يون دان " التي تعتبر أن أفكار الفيلسوف الكبير كونفوشيوس هي : " نافذة قديمة لعالم معاصر "، فقد تعرضت فلسفته لسوء فهم زمنا طويلا في موطنه الأصلي، وكان لا بدّ من إنْقاذه من محاولة الإلغاء التي شنتها ضده الثورة الثقافية الشيوعية في السبعينيات بقيادة ماو تسي تونج. وما تحاوله دان في هذا الكتاب هو : إيقاظ الفلاسفة الصينيين المعاصرين قليلاً، ليس لأجل الشعب الصيني فحسب، بل لمصلحة الأوروبيين أيضاً. ولأن الصين اليوم بلد مادي تماماً، فنحن نجاهد لإيجاد توازن بين عالمي المادة والروح، فحن كبشر بحاجة إلي الجانبين ".

لكن كل هذا الاهتمام بما يحدث داخل الصين هو جزء من الحكاية وليس الحكاية كلها . فقد نشرت مجلة " لوكورييه انترناسيونال " الفرنسية مؤخرا، مقابلة طويلة مع باحثين صينيين، يحظيان باعتراف عام بمكانتهما العلمية في مجال الدراسات التاريخية. تناول " جين جنتاو " و" ليو كنفنغ " - وهما زوجان في الحياة - محركات ما يصنع تاريخ بلدهما، من منظور نقدي خاصة ما يعرف بالازدهار الصيني المذهل، فذهبا أبعد من أرقام الدخل الوطني ووتائر النمو، أو إلي ما ورائها، نحو سؤال موضوعة " الحداثة " وما بعدها ومكوناتهما، وموضوعة سيرورة تحول المجتمع التقليدي.

اللافت للنظر في هذه المقابلة ، التي عرضت لها نهلة الشهال في مقالها : أفكار لافتة في ما يخص الصين... تهمنا كثيراً ، جريدة "الحياة" في الأول من نوفمبر 2009 هو المكانة التي يعطيانها لدور الأيديولوجيا في صناعة الانصهار الوطني، فالتحدي يكمن في كيفية تحقيق تطور اقتصادي حديث مع المحافظة علي التماسك الاجتماعي.

يشير الباحثان إلي دور الأيديولوجيا الكونفوشيوسية في توليف المكونات الأساسية والنظم التي تشد المجتمع الصيني إلي بعضه، وتنظمه، كذلك دور البيروقراطية الموحدة حول السلطة الإمبرطورية الصينية. ويريان أنهما معاً ولدا ما يسميانه للاستقرار الاستثنائي» للمجتمع التقليدي الصيني، الذي يطيح به بعد زمن تسلل الفساد الإجباري ، ما يؤدي إلي تحلل التماسك الاجتماعي وانفجار الانتفاضات ، فهل الصين تشهد ثورة ثقافية أم قمعاً ثقافياً جديداً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد