الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الشاي

مرح البقاعي

2010 / 4 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


لا أعرف ما الذي يشدّني إلى تلك المرأة، ويجعلني أتابع كل نقلاتها السياسية، منذ اختارها المرشّح الرئاسي الأسبق السيناتور جون ماكين نائبة له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جاءت بباراك أوباما ونائبه جو بايدن إلى سدةّ الحكم في البيت الأبيض، وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، حيث غدت بيلين الشخصية الألمع في الحزب الجمهوري، وظهرت مؤخراً في حفل خطابيّ لـ«حزب الشاي»، حيث وقف مؤيّداً -لكن خلفها هذه المرّة- السيناتور ماكين.

حزب الشاي اتخذ من سارة بيلين خطيبة منيفة ستنقله من ظاهرة اجتماعية مناهضة لسياسة أوباما في رفع الضرائب، إلى حركة سياسية سيكون لها وزنها وحضورها في الانتخابات النصفية القادمة في العام 2010، وتالياً في الرئاسية في العام 2012. ولحزب الشاي جذور تاريخية تمتد إلى القرن الثامن عشر إبان حرب الاستقلال الأميركية، وقد ظهرت بوادره الأولى في العام 1773 عندما فرض الملك جورج الثالث على المستعمرات البريطانية في أميركا ضرائب على الشاي المستورد من الهند، ما أدى إلى حركة رفض واسعة بين أصحاب البواخر الناقلة للشاي، وقام بعضهم برمي حمولة الشاي في البحر اعتراضاً على دفع الضرائب عليها، كما حدث في بوسطن؛ بينما حجزت إدارة الجمارك حمولة بواخر أخرى في نيويورك وفيلادلفيا لمدة ثلاث سنوات، إلى أن تمّ تحرير الحمولة من قبل رجال الثورة الأميركية، وبيعت مادة الشاي وجُيّرت عائدات مبيعها لصالح تمويل الثورة الأميركية.

تتحرّك سارة بيلين بين جموع مؤيّديها من حزب الشاي برشاقة سياسية بليغة لم يعهدها المشهد السياسي الأميركي المعاصر من قبل. هي ابنة الـ 45 عاما، والتي صقلتها تجربتها السياسية التي بدأت رحلتها باكرا، ودفعها واقع «الفرص المتاحة» لكل مواطن أميركي ذي كفاءة إلى مشارف قمة الهرم السياسي الأميركي.

خسرت بيلين الانتخابات الأخيرة، لكنها لم تغب مطلقاً عن المسرح السياسي الأميركي، فمنذ استقالتها من منصبها كحاكمة ولاية ألاسكا، تفرّغت للنشاط السياسي كمتحدّثة بارزة في مؤتمرات الحزب الجمهوري؛ وأصدرت كتاباً عن مذكراتها السياسية والشخصية حمل عنوان: الخروج عن الصراط Going Rogue، وقد تصدّر الكتاب قائمة مبيعات الكتب على موقع أمازون الشهير، حيث بيعت منه مليون ونصف المليون نسخة في الأسبوع الأول لصدوره، وقبل الإعلان عنه رسميّاً؛ وقبلت بيلين مؤخّراً عرضاً من قناة فوكس التلفزيونية لتقديم برنامج أسبوعي يحمل عنوان: قصص أميركية حقيقية Real American Stories، ظهرت الحلقة الأولى منه في مساء الأول من أبريل (نيسان) الحالي، ولاقت نجاحاً لافتاً.

لسارة بيلين سمعة سياسية نضرة تجعلها متفوّقة في مجال الإصلاح السياسي، والإدارة، ومحاربة الفساد، حتى لو خالفت أحياناً البرنامج السياسي لحزبها الجمهوري. ولها مواقف مشهودة في مقاومة الجماعات الضاغطة من أصحاب المصالح الخاصة، وكذلك شركات النفط الكبرى العابرة للقارات. ففي فترة حكمها لولاية ألاسكا أقرّت زيادة ضريبية على أرباح الشركات الكبرى، يعود جزء من عوائدها إلى دافعي الضرائب؛ وبالإضافة إلى ذلك، ناصرت تشريعاً نص على وجوب انقضاء سنة على الأقل بين ترك السياسيين لمناصبهم الحكومية، وتولّيهم العمل لصالح شركات الطاقة العملاقة العاملة في الولاية، وذلك في محاولة لدرء الفساد والرشوة.

وسجلُّ بيلين السياسي سجلٌّ محافظ، ولاسيما في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية؛ فبيلين تعارض الإجهاض، وهي عضو في منظمة نسائية ضد الإجهاض تدعى ناشطات من أجل الحياة Feminists For Life، كما أنها تعارض زواج المثليين. إلا أن بيلين ليست أيديولوجية متشددة، وللتأكيد على هذه الصفة نجد أول فيتو رفعته بيلين كحاكمة لولاية ألاسكا ضد مشروع قانون من شأنه حرمان موظفي حكومة الولاية المثليين من الحصول على نفس الحقوق والإعانات التي تقدم للأزواج والزوجات. وقد حظيت بيلين بشعبية لافتة لدى سكان الولاية التي حكمتها في الفترة الواقعة بين عاميّ 2006 ـ 2009، ونالت باستمرار تقييماً جيداً لسياساتها، ولكيفية تأديتها لوظيفتها، حتى بين سكان مناطق الولاية الحدودية المتّسمين بالخشونة والقسوة. وقد جعلها مظهرها الجاذب، ما عرف بالماركة المسجّلة (ابتسامة بيلين الشهيرة)، جعلها مقبولة حتى في نظر الرجل الخشن -سائق الشاحنة في أقاصي ولاية ألاسكا.

اعتبر العديد من الصحافيين الأميركيين أن اختيار ماكين لـ«امرأة» لتكون مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، هو بمثابة محاولة للتقرّب من مؤيدي هيلاري كلينتون الذين أصيبوا بخيبة كبيرة لغياب اسم كلينتون عن البطاقة الديمقراطية (عوضاً عن بايدن) في منصب نائب الرئيس الحالي أوباما، الذي سارع حين تولّيه الحكم ليقدّم لها وزارة الخارجة كجائزة ترضية عقب خروجها من سباق الرئاسة! وقد أشارت بيلين في إحدى خطبها بشكل محدّد إلى كلينتون، قائلة «إنه يمكننا أن نحطم ذلك السقف الزجاجي الذي أحدثت كلينتون شقوقاً فيه». ويشير «السقف الزجاجي» إلى عائق غير مرئي يمنع النساء والأقليات من الارتقاء إلى مناصب قيادية. وكانت هيلاري كلينتون تأمل أن تخترق هذا السقف بالفوز بأهم منافسة في تاريخ أميركا السياسي.

ومن أشرس ما تعرضت له سارة بيلين كامرأة أولا، وأم تاليا، هو تلك الانتقادات المغرضة التي تسلّلت إلى عقر دارها، والزوايا شديدة الخصوصية من علاقاتها مع أفراد عائلتها، بدءاً من مساءلتها عن حمل ابنتها غير الشرعي -وهي السيدة المحافظة التي لم تستطع حماية ابنتها المراهقة من الوقوع في مشكلة الحمل خارج الزواج، مرورا بالاتهامات التي وجِّهت إليها باستخدام نفوذها حين كانت حاكمة لألاسكا، للانتقام من طليق شقيقتها، والعمل على طرده من عمله، وصولا إلى محاكمة قدرتها، كأم لخمسة أبناء وبنات، على إدارة منصب شديد الحساسية (منصب ناب رئيس الولايات المتحدة). وأنا لا أجد في هذا إلا افتراء وانتهاكاً تعرضت له بيلين لمجرد كونها امرأة تترشح إلى «منصب تنفيذي»، فهل سبق أن سُئل مرشح «رجل» لنفس المنصب، وله عدد من الأولاد، عن قدرته في إدارة عمله بما لا يتنافى مع مسؤوليته كأب؟!

وبقلم كبيرة المحررين في جريدة التايم، بيليندا لوسكومب، نقرأ: «إن الأميركيات يكرهن سارة بيلين لأنها تتمتع بقدر بليغ من الجمال»! وتشير لوسكومب في مقالها الذي حمل عنوان «لماذا تكره بعض النساء الأميركيات سارة بيلين»، وذلك في إشارة إلى سيكولوجية المرأة تجاه بنات جنسها قائلة: «كنا في المدرسة نكره الفتيات الجميلات، وكنا نغتابهن دائماً». ونصحت الكاتبة الأحزاب الأميركية في حال ترشيح امرأة إلى منصب ما «الابتعاد عن اختيار امرأة جميلة لأنها ستثير غيرة النساء الناخبات، على أن يراعى في الوقت نفسه أن لا تكون المرشحات قبيحات لأن الرجال في حالها لن يمنحوهن أصواتهم». وختمت التايم أن المشكلة الأعظم لدى بيلين هي أنها تعاني من «الشعور بالفوقية»، فالنساء حسب لوسكومب «إما أن يكنّ خجولات جداً أو مغرورات جداً، وأن سارة بيلين تنتمي إلى النوع الثاني الأكثر إثارة للغيرة والحنق من قبل النساء حصراً».

أميركا الفرص والخيارات الكبرى لم تبدُ لي مهيّأة لتنصّب «امرأة» على الكرسي التنفيذي الأعلى لدولتها العظمى ولا على نيابته، بينما قررت بإجماع منقطع النظير أن تمنحه إلى رجل «أسود»، ولأول مرة في تاريخها منذ تحرير السود. فهل التمييز ضد المرأة هو آخر أعراض التفرقة العنصرية التي مازالت تنخر المخ البشري، مهما ارتقى في سلم المعرفة والحضارة؟ وهل تنجح أميركا في السنوات الأربع القادمة أن تتحرر من عقدة الفصل العنصري على أساس الانتماء «الجنسي» كما نجحت في حسم أمرها على أساس «العرقي» منه، وانتخبت أوباما الأسود سيداً للبيت الأبيض؟

كل الإشارات تنبئ أن سارة بيلين، وبذكائها السياسي الغرائزي، خرجت من تجربتها الانتخابية العسيرة بزادٍ أغنى، وشعبية أوسع، وتصميم أكبر على خوض المعركة الانتخابية مجدّداً في العام 2012، ولكن مباشرة إلى سدة الرئاسة، وليس النيابة هذه المرة، معزّزة بأتباع ومريدين وجدوا فيها وفي حركة حزب الشاي طرفاً ثالثاً في الحياة السياسية الأميركية التي تفرّد بها الحزبان الجمهوري والديمقراطي بلا منافس حقيقي ثالث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا