الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرادعي وفضائيات رجال الأعمال

هويدا طه

2010 / 4 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


برامج التوك الشو على الفضائيات الخاصة التي يملكها رجال أعمال مصريون تبدو وكأنها (مرآة الصراع) في المجتمع المصري حاليا.. وفي الأيام الأخيرة تلك – خاصة منذ سفر الرئيس للعلاج ثم عودته وما تلاها – فإن نظرة تأمل في زوايا تلك المرآة قد تمكننا من رؤية تفاصيل أكثر للصراع الدائر في مصر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا..
في حلقة من حلقات أحد تلك البرامج على قناة المحور استضاف المذيعان مالك القناة د. حسن راتب وهو رجل أعمال لا يمل من تكرار التصريح بأنه منتمِ لهذا النظام ومستفيد منه وأحد أذرعه التي تدير مصر كشركة.. وفي نفس الحلقة تحدث هاتفيا رجل أعمال آخر هو المهندس أحمد بهجت.. وهو الآخر يملك فضائية دريم.. وبالطبع كان حديثهما الاثنين معبرا أوضح تعبير عن علاقة رجال الأعمال الكبار بنظام الرئيس مبارك.. وهو حديث ينضح (بحالة امتنان) متهالكة لنظام أعطى رجال الأعمال كل شيء.. على حساب المواطن المصري الذي يئن بسبب تلك الزيجة غير الشرعية بين الحكم والمال..
الحرية الزائفة
على مدى السنوات القليلة السابقة شكلت الفضائيات الخاصة ظاهرة في مصر.. بدت للوهلة الأولى مبهرة، كان هناك سقف لم نشعر في البداية أنه (مدروس)، قدمت لنا تحته بضع عمليات (نقد) للأوضاع العامة في المجتمع المصري، أعجبنا الأمر في بدايته وتصورنا أنه حالة (حرية تعبير) متاحة، ومقدموا تلك البرامج (مثلوا) علينا أنهم خائفون من الأمن وكأنهم (مناضلون)!، وظللنا نتعاطف معهم لفترة طويلة (وإن كان بتردد وشك مستحق) حول تخوفهم المزعوم كل ليلة من (إغلاق البرنامج غدا)! لم تغلق تلك البرامج بالطبع فهي تؤدي دورا مرسوما! لكن لم يكن هناك امتحان حقيقي يظهر كم هي لعبة مخادعة أصلا وحريتها زائفة وخيوطها مشدودة على وتر (تنسيق بوليسي) بين الأمن وتلك الفضائيات، لا بأس من (شوية نقد) لوزير هنا أو هناك.. لمسؤول هنا أو هناك.. لا بأس حتى من نقد رئيس الوزراء وحكومته على طريقة (إدانته لأنه أخفق في تنفيذ سياسة الرئيس) الأب الكبير الإنسان رب العائلة الزعيم القائد السيد الرئيس! لا بأس حتى من كلمتين يقولهم أحد الضيوف عن ضرورة التغيير.. باعتبار التغيير مطلوب حتى عتبة الرئيس الذي لا يخطئ أبدا وإنما يخطئ موظفوه! ولا بأس من شوية كلام عن توريث الجمهورية! فهو كلام يمكن استخدامه لتكريسه أصلا أو لتمريره أو لإطلاق بالونات اختبار.. كل شيء مدروس! قدمت لنا وجبة (حرية التنفيس) وأطلق عليها تزويرا لقب (حرية التعبير)! وعلى المدى الطويل تصبح حرية التنفيس تلك (صماما منظما للغضب) فيهدأ الناس وتطول فترة تحملهم.. واستمرت تلك اللعبة إلى أن جاء امتحانان حقيقيان.. من وجهة نظري سقطت فيهما كل تلك القنوات بحرياتها الزائفة..
الامتحانان
الامتحان الأول عندما فرض البرادعي نفسه في الصورة.. ووجد مالكو تلك القنوات أنفسهم في مأزق.. فهم ممتنون بتهالك مخجل لنظام استجاب لجشعهم وباع لهم مصر أرضا وشعبا وثروة.. والبرادعي يهم الناس (بمشروعه وليس بشخصه) ويهدد النظام الذي يحميهم في قلبه ووجوده.. وفي ذات الوقت لابد من استمرار تصديق الناس لهم وتصديق أنهم بالفعل يخدمونهم ويرصدون مصالحهم.. وتغييب مشبروع البرادعي وتجاهله سيقلل من مصداقيتهم عند الناس فتفشل تدريجيا تلك اللعبة المدروسة وبالتالي يفقدون التحكم في صمام تنظيم الغضب، فكان أن تعاملت تلك الفضائيات جميعها مع الدكتور محمد البرادعي بأسلوب مباحثي أقل ما يقال عنه أنه (مقرف)! وحدث ما يشبه (التواطؤ) بين تلك البرامج المشهورة وأمن النظام البوليسي وصحافته (الرداحة) والمعارضة المتهالكة الفاشلة.. جميعهم توتروا بسبب هذا (الطارئ) الذي لم يحسب حسابه في لعبتهم المدروسة! الآن.. ما يحدث هو أنه إما يتم تجاهل تطور حركة البرادعي أو تعلن باقتضاب يقلل من أهميتها أو تستخدم طريقة (الردح) المباشر.. كما يحدث في أسوأ برنامج توك شو من قـِـبل أسوأ مذيعين عرفتهما مصر في برنامج (48 ساعة) على قناة المحور! وبالطبع الباقون مثلهما بدرجات متفاوتة!
الامتحان الثاني كان محنة الرئيس الصحية! وكأن رجال الأعمال هؤلاء اكتشفوا فجأة أن الرئيس مثله مثل بقية البشر الذين يولدون ويموتون! ظهر (الخوف) على شاشات فضائياتهم! فمصيرهم مرهون بنظام لو تهاوى.. تهاوا معه! كان أدق تعبير عنه كلمة أحد رجال الأعمال أثناء غياب الرئيس للعلاج حين قال بصوت إذا تأملته تجده مرتعشا:" كلنا منتظرون"! وبعد عودة الرئيس بدأت (وصلات النفاق) التي تشبه (وصلات العوالم)! والعوالم كما تعرفون هو لقب الراقصات من الدرجة العاشرة! لا حديث عن مصر بدون مبارك! حسنا.. ماذا لو ألقيت إليكم بتلك (القنبلة المفاجئة): سيأتي يوم وتصبح مصر بدون مبارك؟! مفاجأة أليس كذلك؟!
هذان الحدثان أظهرا في مرآة تلك الفضائيات الخاصة أطراف الصراع في مصر: نظام بوليسي فرط في مصر أرضا وبشرا.. يساند - ويسانده بالطبع- رجال أعمال استفادوا من هذا التفريط فراكموا ثروات معظمها غير شرعي وغير أخلاقي ومن دم المصريين.. ثم معارضة رضيت بفتات ثمنا لقضايا وطن ومجتمع.. تواطأت مع النظام ورجال الأعمال وشاركت في عملية (التنفيس) على فضائياتهم.. لضمان استمرار التحكم في صمام تنظيم الغضب.. إن وجد.. ثم شعب فاتت فرصة انفجاره عندما كبت.. فالكبت يولد الانفجار لكنه كبت ولم ينفجر عندما لم يجد قيادة فسحق.. والمسحوقون لا فعل لهم.. ثم فئة واعية من نخبة كانت تفهم ما يجرى ولا ترضى به لمصر لكنها لم تكن تملك أي أداة.. إلى أن تعلقت بالبرادعي.. فبدأت تحاول الوصول إلى عموم الناس.. لكن بالطبع وفي ظل هذا الصراع وتفاوت المصالح لن تتاح فضائيات رجال الأعمال لهم.. وعموم الناس في مصر ليسوا على صلة بالفيس بوك.. فما العمل؟!
فضائية تنوير
لا مناص من إطلاق فضائية شعبية تكون بعيدة عن أنف كليهما.. النظام ورجال الأعمال.. لتنشر بين عموم الناس دعوة (التغيير الحقيقي).. ولأن القناة الفضائية تحتاج إلى تمويل.. فلابد أن تنظر الجمعية الوطنية في أمر (حملة اكتتاب شعبي) لتأسيس تلك الفضائية.. لنسمها مؤقتا (فضائية تنوير).. فالاكتتاب الشعبي سيعني أنها ليست مملوكة لأحد وإنما مملوكة للناس.. بالطبع تفاصيل مثل هذا المشروع الشعبي يمكن مناقشتها.. لكنه في رأيي ضروري، فمصر تحتاج إلى غضب شعبها كي تتغير، وغضب الشعب لابد من تجميعه بوسيلة اتصال مناسبة للحظة الحالية.. وتلك الوسيلة كي تكون واسعة الانتشار لابد أن تكون فضائية وليس مواقع على الانترنت.. فالتليفزيون قدرته رائعة في جذب الجميع.. الفلاح والعامل والمرأة والشباب والمثقف والجندي .. بل وحتى الشرطي! فالجميع يعاني.. والجميع يبحث عن خلاص من فخ زواج المال والحكم.. الذي دمر مصر وحول حياة المصريين إلى جحيم..
أبريل جمال حمدان
في مثل هذا الشهر عام 93 رحل عالم مصري أدين له بتفتيح عيني على بلدي وحقيقتها.. رحل جمال حمدان عالم الجغرافيا الذي كتب الجغرافيا بلغة أدبية رفيعة في موسوعته الشهيرة عن شخصية مصر.. وصف مصر بأنها تلك (الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول)! هكذا كانت طوال التاريخ.. ومازالت، قال في كتابه العظيم هذا إن (مصر لابد أن تخرج من جعبة حاكمها).. والآن ونحن نحلم بالخروج من هذه المحنة الغاشمة الجهول.. أتذكر قولة هذا العالم العظيم بأن مصر تحتاج إلى (فورة شعبية) قبل الثورة الشعبية، هذه الفورة تحتاج إلى أداة تواصل.. يمكن للجمعية الوطنية تأملها، نحتاج إلى تجميع الناس.. عموم الناس.. على هدف واحد.. ليس قلب نظام الحكم وإنما عدله! تحويله من ديكتاتورية غاشمة جهول امتدت عبر التاريخ إلى نظام ديمقراطي حديث يحترم الفرد ويساوي بين الناس عبر سيادة قانون عادل، وليس سيادة قانون الأثرياء! وإلا كما قال عالمنا العظيم جمال حمدان: أمام مصر طريقان لا ثالث لهما.. إما الثورة التاريخية أو.. الانحدار التاريخي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حمدان
عبد الآمر ( 2010 / 4 / 6 - 12:02 )
إقرأي ما كتبه الأستاذ صلاح الدين عن أفكار جمال حمدان وسيتغير موقفك منه


2 - الي عبد الآمر - تعليق 1 ، والسيدة الكاتبة
النيل نجاشي ( 2010 / 4 / 6 - 17:45 )
ما كتبه صلاح الدين . عن جمال حمدان . منشور علي موقعه 17 حلقة من كتاب ثلاثين 30 حلقة - بعنوان - شاعر الجغرافيا .- جمال حمدان - أفسد علما فجعلوه رمزا - وللأسف أن غالبية مثقفي مصر يحتاجون الي اعادة قراء ذاك الرجل الذي خدر وضلل مثقفي مصر كلهم من اليمين لليسار للوسط
http://www.ahewar.org/m.asp?i=815


3 - جمال حمدان بين أقوال براقه وفكر مريض
مامون ( 2010 / 4 / 6 - 18:29 )
لابد من اعادة قراءة جمال حمدان قراءة وافية للاضلاع بالتخريب الذي تحمله مؤلفاته بعيدا عن أقوال عالية وتعابير انشائية ادبية فائقة تنتشر في مؤلفاته ومد وجذر وعلو وهبوط وتقدم وتخلف فيما تحمله مؤلفاته من فكر . خطره أكثر من نفعه


4 - جمال حمدان
عبد الآمر ( 2010 / 4 / 6 - 22:17 )

الآمر بماذا ؟

وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا




كل الشكر للأستاذ النيل نجاشي والأستاذ مأمون لتفضلهما بالتعليق والتوضيح والتذكير بما كتبه العملاق صلاح الدين محسن


5 - لماذا الهجوم
alsaid ( 2010 / 4 / 6 - 22:22 )
الى الكاتبه هويدا
استمرى فى نقضك وكتاباتك والذى انت تقوليه وتكتبيه لايستطيع كاتب او كتاب كبار لهم اسماء رنانه ان يقولوه اويكتبوه هل تعلمى لماذا لانك تعلمى قيمة الكلمة ولا تخشي احد ولا تبيع قلمك لأحد او جهه استمرى ولا تلتفتى لمن يبيع اسمه وقلمه وبلده
شكرا لك يابنت مصر العظيمه


6 - alsaid الي تعليق 5
جرجاوي ( 2010 / 4 / 7 - 02:09 )
لا أحد هاجم الكاتبة . اطلاقا . بل القراء قالوا رأيا في جمال حمدان . فقط . ولم يقللوا من قيمة الكاتبة ولا من المقال . وتعليقك فرصة مفتعلة لاخراج الحقد من القلب

الكتاب الذين يدخلون السجون . ويتلقون تهديدات . لا يبيعون اقلامهم .ولكن مخبري أجهزة الأمن -واضح - .. يندسون بين القراء ليشوهوا صورة أسيادهم من الكتاب الأحرار . المعروفين

اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي