الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصحر الســــياسـي

رضا الشوك

2004 / 7 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التصحر السياسي يعني تجريد الوضع السياسي الذي يعيشه المجتمع من كل سمات العصريه المتحضره التي تسود المجتمعات المتقدمة حضاريا ًوالتركيز بدلاً من ذلك على قيم البداوه المتوارثه عن أجيال سابقه ، إما لاسباب فكريه كما هو الحال بالنسبه لطالبان في افغانستان ،أو ارتداداً لتلك القيم البدويه المتوارثه بسبب ملائمتها لاقامه نظام شمولي طفيلي كما كان في القراق قبل سقوطه في التاسع من نيسان من عام 2003،حيث كانت عقليه البداوه مسيطره تماماً ومفروضه على المجتمع العراقي الذي عانى من هذا الشكل من الحكم اكثر من ثلاثة عقود .
يؤكد الوردي العالم الاجتماعي العراقي الشهير في بحوثه القيمة عن المجتمعات لاسيما المجتمع العراقي قائلا . إن القبائل العربية بعد استقرارها من خلال إستيطانها للسهول الرسوبيه ، وتسمى بالقبائل الرسوبية ،تأتي بعدها موجة جديدة من القبائل البدويه من الجزيرة العربية مهاجرة بسبب القحط ،وتدخل العراق غازية مما يؤدي الى شيوع القيم البدوية بعد هيمنيها على القيم الحضرية ،ويؤدي ذلك الى عودة المجتمع العراقي الى حالة سابقة أي العودة الى الوراء ، وهذه العودة الى الوراء تشبه الكابوس الاجتماعي من نوع ماجاء به أرسطوطاليس الذي رأى في نظريته عن التاريخ بأن التاريخ الانساني هو دوراني ، بمعنى ماإن بلغ الانسان أعلى مرحلة من حضارته حتى تحصل كارثة طبيعية أو حرب تؤدي الى تدمير ما بناه الانسان من حضاره وتعود به الى الوراء من حيثما كان عليه من قبل ،،
وقد كانت نظرية ارسطو طاليس حول التاريخ الانساني مقبولة وانها صحيحة بسبب استمرار تدمير الحضارات الواحدة تلو الاخرى بينما أصبحنا في الوقت الحاضر نعتبرها غير صحيحة لان التاريخ هو تراكمي وليس دورانياً ( أي يعيد نفسة ) وذلك على إعتبار ان الانسان لاينسى ما تعلمة وذلك لان الحضاره الانسانيه الحاليه هي تراكم لحضارات إنسانية سبقتها . أما ما وردة في إطروحة الوردي حول إرتدادية التحضر في العراق فانها حالة خاصه وقد بناها على ملاحظاته الميدانيه للتطور الاجتماعي في العراق وشيوع حالة الارتداد بسبب وقوع القرى العراقيه على خط يفصل بين البداوهةوالتحضر وهو خط قلق يفصل بين الاستقرار والتجول الى درجة ان القرية العراقيه منذ القدم وحتى يومنا هذا تعيش ازدواجية اجتماعية تمثلت في تواجد قيم البداوه جنباًالى جنب مع حالة الاستيطان( الاستقرار ) .ويعود السبب في تواجد قيم البداوه جنباًالى جنب مع الستيطان هو ان العرب حتى بعد استقرارهم وتمدنهم تجدهم ينظرون نظرة إكبار الى البداوةعلى انها حالة نقية وحالة من الشهامة والعزة والشجاعة والكرم ...الخ . من التلفيقات الرومانسيةالتي لااساسة لمعظمها من الصحة ، من الجدير بالذكر فان الحكم البائد في العراق الذي انهارخلال فترة قصيرة اعتمدةعلى مثل هذه التلفيقات الرومانسية .
إن شبة الجزيرة العربية ليست المنطقة الوحيدةمن بين مناطق العالم التي قاوم فيها البدو معالم التحضر وانما حصل نفس الشئ في اور?ا حيث قامت قبائل( الفايكنج والتورمان واللومبارد ) منذ العصور الاور?ية الاولى ثم العصور الوسطى بمحاولة تدمير معالم الحضارة الاور?ية التي ظهرت في المدن الاور?ية في إيطاليا وسواحل البحر الابيض المتوسط وكذلك في بريطانيا ، وقد عاشت معظم الاجزاء المتمدنة في قارة آ سيا ومنه العراق فظاعة واجرام القبائل الغازية المغوليه التي كانت هي الاخرى بدوية .
وقبل الوردي بعدة قرون فأن الفيلسوف العربي إبن خلدون مؤسس علم الاجتماع أخذ بألحسبان الظروف البيئيه والمناخية والاجتماعية لما لها من تأثير على تطور المجتمع والتاريخ ،وقد ورد ذلك في كتابة( تاريخ العرب ) المجلد الاول الذي يحوي مقدمته الشهيرة بأن البداوة هي العدو للحضارة إي للتحضر والتمدن .وقد ذكر ان حضارة تونس تبلغ مستوى عال حتى تأتي موجة بدوية اخرى فتقوم بتدمير مابنته عدة أجيال من التونسين .
وقد توصل إبن خلدون الى فكرته هذه من خلال دراساته المجتمعات والبلدان التي زارها ومنها العراق .وقد تأثرة هذه الفرضية عبر التاريخ الانساني في مختلف بقاع العالم والامر ذاته ينشأ في ظاهرة الارتدادية في التطور الاجتماعي والحضري العراقي الذي ساد معظم سني القرن العشرين ،وان ذلك الانعكاس سببه الازدواجية الاجتماعية التي تعيشها القريةالعراقية من تواجد قيم البداوة جنباً الى جنب مع حالة الاستيطان ،وسببة هو ان سياسيي العراق وحكامه لاسيما خلال النصف الثاني من القرن العشرين قد انحدروا في معظمهم من مثل تلك القرى التي تعيش ازدواجية اجتماعية من قيم البداوةجنباً الى جنب مع الاستيطان ، وان نظام صدام المنهار هو احسن من يمثل قيم تلك القرى .
إن للتصحر السياسي خواص مستقاة من حياة وقيم وثقافة البداوة منها :
1- اضتهاد المحكومين بنفس الاسلوب التي تعامل بها قبيلة أو قبائل غازية .
2- العصبية السياسيةوعدم السماح لآراء سياسية اخرى وبعبارة اخرى التشبث المطلق بالاوحادية السياسية التي هي ملائمة للفهم البدوي للامور التي تتسم بالبساطة والتجريد وهذا هو إنعكاس للبيئة الصحراوية البسيطة .
3- هيمنة المشيخة السياسية وتأليه الحاكم .
4- شيوع الخشونة والقسوة التي هي إنعكاس للبيئة الصحراوية .
5- إنعدام الثقة بالاخرين وتوقع الخيانة والغدر وذلك لآن الطبيعة متلازمة مع السلب والغزو والسطو .
6- العناد والاصرار بأنه لايمكن ان يكون هناك خطأفي اي من فكره أو سلوكه أو حياته فهو الصحيح وألاخرون هم الخاطئون .
إن الصفات التي وردت في هذا المقال تنطبق على نظام صدام الزائل ، وقد أوضحت الاحداث بجلاء عن طبيعة الحكم خلال فترة تواجده في العراق واسباب إنهياره بسبب عزلته التامهة عن غالبية أبناء الشعب .
لقد عاش العراق خلال تاريخه الطويل صراعاًمريراً بين التحضر والبداوه ،وكان الحكم السابق نموذجاًلانتصار البداوه على التحضر رغم الامكانيات الاقتصادية الهائلة التي كان يملكها بسبب الثروات الطبيعية التي حبا الله بها هذا البلد الذي شيد اول حضارة انسانية منذ فجر التاريخ .
إن المهام الاساسية التي تقع على كاهل الشعب العراقي وحكومية الجديدة هو الشروع الفوري في عملية البناء التي تستغرق وقتاً ليس بألقصير مادامت الفرصة سانحة في الوقت الراهن بانطلاق عملية الاستثمار على نطاق واسع في مختلف معالم الحياة بعيداً عن العصبية القبلية وعن سلوك البداوة العدوة اللدودة للمدنية وكل ما هو متعلق بالحضارة الانسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة