الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضغاث أحلام تعود بالمسرح الي الواقعية

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 7
الادب والفن



نريد أن نحلم، ونحلم لنعيش.. وأضغاث احلامنا تأكل الانتظار.
مسرحية " اضغاث أحلام " عرض قدم مؤخراً علي قاعة المسرح الوطني في بغداد من تأليف واخراج د.سامي عبد الحميد وتمثيل بتول عزيز، زهرة بدن، نبراس خضر، حيدر منعثر، حقي الشوك.
هنا الواقع يأكل كل شيء.. الافراح والاحزان والاحلام والكوابيس.. لايترك شيء علي حاله.
ينقلنا مخرج ومؤلف هذا العرض ومنذ اللحظة الاولي الي تلك الاجواء التي ألفناها في بيوتنا وحياتنا اليومية والتي باتت مزدحمة بالنماذج النسائية وهي موزعة مابين عانسٍ وأرملةٍ وزوجة مفقود.. وكلهن في إنتظار مزمن للغائب الذي يحلمن بعودته.
كل امرأة في هذا العرض كانت تضع نصب عينيها رجلاً بات حلمها الوحيد.. ولاشيء سوي إنتظاره.
منزل النساء يكاد يكون مهجوراً مجرداً من الأرواح، يتصارع فيه الحزن والمرض.
والحزن من نصيب النساء الثلاث كل واحدة منهن تحزن من خلال احلامها المفقودة التي كانت في زمن ما وردية، اما اليوم فهي جميعاً مجرد " اضغاث أحلام" لا غير..
أما المرض فهو نصيب تلك الشخصية الغائبة الحاضرة حيث نسمع عن وجودها عن طريق العجوز الذي يقوم علي خدمة النساء ويتفقد حال المريض الذي يسكن في المنزل ذاته.
تتكاثر لدينا الاسئلة عن ذلك المريض.. وعن عجزه الذي يمنعه عن الحضور من جهة وعن سلطته الحاضرة في المنزل من جهة أخري، فالنساء الثلاث يحسبن لوجوده العاجز حساب.
هل هو أبٌ أصابه العجز جراء حرب ماضية، اوربما يكون الاخ الكبير الذي يفرض تلك السلطة التي ترعب الفتيات بسبب حالة نفسية قضت علي مستقبله.
السلطة الذكورية حاضرة في منزل النساء علي الرغم من المعرفة العميقة بعجز تلك السلطة عن رفع يد التسلط للنيل منهن.
لكن الواقع والتقاليد والاعراف تقوم بدورها علي أكمل وجه.. ليبقَ منزل النساء محصناً بعيداً عن أية انتهاكات، وذلك لوجود رجل في ذلك المنزل حتي وإن كان عاجزاً.
ان الدلالات اللونية التي عبر عنها المخرج في هذا العرض ومن خلال ازياء النساء بشكل اساسي، والتي تراوحت الوانها بين الاسود والرمادي والتي أعطت بطبيعة الحال دلالة الحزن التي تملأ أجواء هذا المنزل.. كذلك نجد أن الافعال التقليدية التي تعودت النساء علي فعلها تعمق الاحساس بأنتظار الغائب.. فنلاحظ أن الاخت الكبري قد أخذت علي عاتقها صنع ملابس الزفاف.. لأن احساس المرأة العانس بدأ يكبر في داخلها وكأنما تريد أن تثبت لنفسها ولأختيها أنها مازالت أمرأة تصلح للزواج.. أما الاخت الوسطي فقد عبرت عن انتظارها لذلك الغائب عبر استمرارها بتنظيف المنزل علي أمل أن يعود غائبها ويجد مكانه نظيفاً كما تركه قبل رحيله.
أما الاخت الصغري فكانت تركن الي حل الالغاز لتجد في نهاية الامر أن حل كل الكلمات المتقاطعة يقودها الي كلمة وحيدة هي " إنتظار".
أن اسلوب المخرج في توظيف فكرة الانتظار المتعددة الأوجه والتي تمكن من تحقيقها بشكل معبّر يقودنا الي تساؤل: كيف يمكن لكل هذه الانتظارات أن تنتهي؟ وجاء الجواب عبر شخصية الخادم التي لعبت دوراً مهماً في خلق معادلة جديدة لإنتظار آخر.. فالخادم البائس كان بدوره ينتظر أن تلقي إحدي النساء بنظرها عليه.. وهو علي استعداد لعمل أي شيء لكي ينهي انتظاره عبر تلك النظرة.
ان دخول الخادم الي المنزل غيّر من بنيته حتي ان الالوان بدأت تتغير لنلاحظ ان اللون الاسود بدأ بالأختفاء.. ويبدأ الدم الجديد بالجريان في عروق النساء في إشارة واضحة الي تلك الرغبات التي طالما إنتظرت طويلاً للحصول علي رجل.
من هنا يبدأ صراع جديد بين الاخوات.. من يستحق هذا الرجل وكلهن بحاجة إليه ؟
وفي ظل هذه التجاذبات بين الاخوات يصل خبر موت المريض الذي كان يرقد في الغرفة العليا.
انه حزن جديد للنساء ولكنهن سرعان مايتجاوزن الامر.. ليكون موت المريض هو موت للسلطة التي طالما ارعبتهن وتكون نهايته إنما هي نهاية للأحزان.
ان المعالجة الاخراجية لمشاهد هذا العرض جاءت معبرة.. فقد كان للصورة البصرية تأثيرها الواضح علي فضاء العرض.. وفي لوحات متعددة تنقل بنا المخرج من خلال جماليات المشهد، وقد عبر لنا عن اسلوب ملحمي من خلال استخدامه للراوي من جهة وكذلك استخدامه للأناشيد والاغاني التراثية من جهة اخري..
ذلك ان الاستخدام الجميل الذي جاء في مشهد الظل كان من الممكن ان يكون اكثر تأثيراً وتعبيراً لو ان المخرج لم يقحم الجمهور ويجعله قريبا من الممثلين.. اذ لم يكن وجود الجمهور علي الخشبة مع الممثل تأثير علي العرض وإنما كان عائقا ً للمتلقي وذلك لسبب أساسي هو ان تلك المشاهد البصرية كانت تحتاج الي ان يكون المشاهد بعيدا عنها لتكون الصورة الفنية متكاملة من زاوية النظر.. فقد جعلنا هذا القرب من الممثلين ومن السينوغرافيا نحس بالعجز في الرؤيا بسبب الستائر المستخدمة والاضاءة كانت قريبة من المتفرج.. ومن جهة ثانية فإن الجلوس غير المريح علي خشبة المسرح علي كراسي متعبة أعاق بشكل كبيرعملية التلقي.. لذلك فقد اضطر الكثير من المشاهدين الي العودة للصالة لمتابعة العرض من هناك من أجل أكتمال جمالية الصورة..
أما بالنسبة لأداء الممثلين فكما هو معروف للجميع ان الاداء المسرحي يكون متبايناً من ممثل الي آخر.. وفي هذا العرض فقد تنقل الاداء بالنسبة للممثلة بتول عزيز من الاداء التلفزيوني عبر الحركات والايماءات التلفزيونية في بعض الاحيان منتقلا الي الاداء المسرحي في احيان أخر. وكان لأداء الممثلة زهرة بدن تأثير واضح من خلال شخصيتها واحساسها العميق بوصفها الاخت الوسطي وهي تشاهد المرأة العانس في عيني أختها الكبري فكان لتوترها وانفعالاتها التي تكون مبالغ فيها في بعض الاحيان مايبرر سلوكها.
ان العودة الحميدة التي بدأنا نشاهدها في الآونة الاخيرة للممثلات العراقيات اللواتي كنا نفتقد حضورهن علي خشبة المسرح.. يدفعنا الي التفاؤل من خلال الاداء المتميز للممثلة نبراس خضر والتي جاءت عودتها في هذا العرض مكملةً وفاعلةً في أداء دورها. اما الممثل حيدر منعثر فقد عبر من خلال ادواته الحركية والصوتية عن تلك الشخصية البسيطة والتي سرعان مايبدأ الطمع يسري في دواخلها.. فقد كان يطمح ان تنظر اليه امرأة واحدة.. وفي تطور للحدث ومن خلال معاجة اخراجية ذكية عبر عنها المخرج بالكراسي الثلاث التي تجلس عليها النساء في مناورة سياسية اجتماعية في الوقت ذاته.. ذلك أن حيدر منعثر تمكن من إيصال الفكرة برغبة واضحة للحصول علي رضي النساء الثلاثة معاً وعن طريق الحصول علي جميع الكراسي في المنزل . وقد جاءت إضاءة بشار طعمة لتمنح جو العرض بعداً آخر يضاف الي البعد في الرؤية الاخراجية والاداء التمثيلي المتنوع.
في نهاية العرض جاء تعبير النساء في البحث عن المطر - وهو اول الغيث- الذي طال انتظاره في اشاره الي تلك المرأة العطشي التي تحتاج الي الرعاية..
وهنا نسأل هل يطول انتظارنا في البحث عن ثقافة طويلة الامد ومسرح مستمر لاينتج عن تجارب فردية وإنما هناك منهاج لإنعاش المسرح عبر تطوير الفرق المسرحية خارج المؤسسة الرسمية تلك الفرق التي نسمع ان الزمن فعل فعله فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا