الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان رأي أدونيس في درويش منصفا؟

نادية عيلبوني

2010 / 4 / 8
الادب والفن


ربما كان من الصعب المرور على ما جاء على لسان الشاعر أدونيس بحق الشاعر محمود درويش، مرور الكرام .كما أن القول أن أدونيس كان يقول رأيا نزيها ومجردا عن الأغراض ، هو في الحقيقة قول ينطوي على مجازفة لما يحمله من إجحاف وظلم كبيرين لا يستحقهما الشاعر الذي ترك قبيل رحيله إرثا شعريا ضخما، يكفي ويزيد للرد على الكثير مما جاء على لسان أدونيس دون الحاجة لتدبيج المقالات للدفاع عنه.
وربما كان من الخطأ الاعتقاد أن المثقفين أو المفكرين الكبار في منأى عن أن تتنازعهم مشاعر الضيق والحسد ،أو حتى التحامل، إلى الدرجة التي يتخلون فيها عن تلك النوازع ليتشابهوا بذلك مع الملائكة.
ومحاولة نفينا لهذا الاعتقاد لا يعني التقليل من أهمية ومكانة ودور أدونيس في الثقافة العربية المعاصرة، أو الاستخفاف بما قدمه من ورؤى وأعمال فكرية وشعرية أسهمت إلى حد ما في خروج الأدب والفكر العربي من دائرة التقليد والجمود ، إلا أن هذا كله لا يعني إطلاقا أنه أصبح مع احترامنا الشديد لكل ما قدمه، خارج سلطة النقد.
وما ينطبق على الشاعر والمفكر أدونيس ينطبق بالضرورة على الشاعر محمود درويش، ونحن هنا لا نريد أن نقع في المحظور ذاته لنقول أن درويش بات خارج سلطة النقد، كما أننا لا ندعو إلى إبعاد شاعرنا عن مشرحة النقد ، ولكن شرط أن يكون النقد منصفا ومدعما بالأدلة والبراهين التي تحاكي عقولنا ومعرفتنا بنتاجات الشاعر ، وشرط أن لا تنطلق هذه الانتقادات من مواقف انتقائية منزوعة السياق .
وإذا جاز لنا أن نقبل بحذر،ما جاء على لسان "أدونيس" بالنسبة لموضوع الإجماع على على شعر محمود درويش ونتاجاته، واعتبارها مثلبة ، إلا أن هذا القبول الحذر يجب أن لا ينسينا على الإطلاق أن محمود لم ينل إجماعا بقدر ما نال شهرة فاقت شهرة أدونيس نفسه كشاعر حداثة متميز. ونقول شهرة وليس إجماعا ، لأن ليس بين يدينا أي استطلاع للرأي على قضية الإجماع تلك ، لكي نحكم إذا ماكان هذا الرأي في محله أم لا .
وبحسب علمنا فإن هناك على الأقل أصحاب التيار السلفي المنتشرين كالفطر في بلادنا ، يخالفون مقولة الإجماع تلك بالنسبة لدرويش.أمثال هؤلاء على الأقل، يعتبرون شاعرنا مارقا وكافرا ،بسبب قصائده التي حاكمت المقدس ونزلت به إلى ساحات الحياة الحقيقية لتمس كافة الرؤى السماوية المحنطة والجاهزة ولتعيد الاعتبار إلى تساؤلات الوجود التي تكاد تكون مفقودة في الثقافة العربية بتجلياتها الأدبية والشعرية . وإذا كانت شهرة درويش بوصفه شاعرا متميزا امتدت لتشمل أجيالا عمرية مختلفة جلها من المثقفين ، فإن هذا لا يلغي أبدا ، وجود تيارات سلفية أرادت محاكمة الشاعر عبر محاكمة صاحب الصوت الذي أدى أحد قصائده"أنا يوسف يا أبي" الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في حينه ، كما أثارت مشكلات جمة بين التيارات السلفية والتيارات الأخرى.
وربما كان من المهم أن نؤكد على حقيقة ، أن ما ينطبق على السياسة في بلادنا بالنسبة للإجماع لا ينطبق على الفن والأدب بأي حال من الأحوال. وإذا كانت الشعوب العربية ملزمة بسبب القمع والخوف من البطش والتنكيل، من إعلان تأييدها للحاكم ، فإن الشعر والأدب وكافة الفنون الأخرى هي من المجالات التي لا يمكن للناس قبولها أو التفاعل معها، بالقوة أو الإكراه .وهي تكاد تكون الفضاءات الوحيدة التي تبقى للناس ذلك الشعور المتميز بفرديتهم وحريتهم وهويتهم .فليس هناك في الشعر سلطة غير سلطة النص الشعري والموهبة والذائقة التي يستطيع الناس قبولها أو لفظها بكل حرية.والشهرة في كل الأحوال ليست عيبا أو نقيصة ، وإلا استطعنا أن نسحب هذا الرأي على شعراء كبار لا يزالون بالرغم غيابهم الجسدي بين الناس ، يحتفظون بمكانتهم وبما يشبه الإجماع على موهبتهم أمثال "كافكا" و"شيللر" و"المتنبي" و"السياب" و"نيرودا" وكثير من الشعراء الذين لا يتسع المجال لذكرهم جميعا.
كما أن القول أن درويش لم يأت بجديد وانه وريث لنزار قباني والسياب وسعدي يوسف ،كما ذكر أدونيس،هو ظلم كبير لشاعرنا، وهو قول لا يمكن أن نأخذه على محمل النقد المجرد والنزيه لما ينطوي عليه من قصدية المراد منها النيل من هوية مميزة لشاعر ومبدع ترجمت أشعاره إلى أكثر من عشرين لغة حول العالم.كما أن قول أدونيس ن درويش استطاع بذكائه اقتحام العالم عبر تلك الترجمات ، هو ليس فقط استخفافا بشاعرنا ، بل هو بالمقدار نفسه استخفاف بهذا العالم وذائقته وثقافته وتذوقه للإبداع الحقيقي.فإذا كان درويش لا يمتلك ذلك التميز في تجربته الإبداعية ، واستعاض عنها بالذكاء لكي يصدر نفسه إلى العالم ، فإن العالم المتقدم في تجاربه الإبداعية ليس غبيا إلى الحد الذي يحاول أدونيس تصويره لنا.

أما قول أدونيس أن محمود درويش هو شاعر مصالحة ، فهو أيضا لا يوجد ما يؤيده من شواهد ،لا في سلوك الشاعر، ولا في نصه الشعري. فالشاعر الذي اعتقلته السلطات الإسرائيلية أكثر من مرة، والشاعر الذي اعتقل في السجون الفلسطينية ثلاث مرات، والذي رفض اتفاقيات أوسلو وعارض علنا الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي يعتبره الشعب الفلسطيني رمزا له ولنضاله والذي استحق درويش على معارضته له التضييق الذي وصل إلى حد قطع أسباب معيشته وجعله يجوع فعلا وهو منفى في باريس ، لا يدلل أبدا على أنه شاعر مصالحة . ولا يجوز بأي حال من الأحوال التقليل من شأن تلك التجربة الإبداعية والشعرية لدرويش والاستخفاف بموهبته ،فقط لأنه قبل الدعوة لحضور المربد الشعري الذي كان يقام في بغداد تحت سلطة الدكتاتور صدام حسين.
ربما كان من حق أدونيس ،كما من حق الجميع ،انتقاد محمود درويش على حضور مربد كهذا، يقيمه ديكتاتور بهدف التغطية على جرائمه بحق الشعب العراقي، مثل هذا النقد حق مشروع لنا جميعا ، إلا أن هذا التصرف الذي يمكننا انتقاده جميعا وبجرأة ، لا يعني أن درويش تحول إلى مدافع عن هؤلاء الحكام، أو أنه أصبح متصالحا مع أنظمة التسلط في المنطقة ، تماما مثلما لا يمكننا إسقاط موهبة وتجربة محمد مهدي الجواهري الإبداعية لمجرد أنه كان يعيش في حمى الدكتاتور السوري حافظ الأسد الذي امتدحه في أكثر من قصيدة، وخلده في قصيدته الشهيرة "سلام أيها الأسد". ومع كل هذا وذاك لنا أن نعود إلى أدب وأعمال درويش ذاتها ، والتي تؤكد جميعها أن درويش لم يكن يوما شاعر مصالحة ، ويكاد لا يخلو ديوان شعري له من توجيه الاتهامات لهذه الديكتاتوريات وإلى عبثها بحقوق مواطنيها وبالفلسطينيين وقضيتهم ، ليس هذا وحسب، بل أن درويش تجرأ أكثر على نقد الديانات والأنظمة في آن واحد ، ونستطيع أن نعدد الكثير من القصائد عدا قصيدة "أنا يوسف يا أبي"التي يتعرض من خلالها درويش للانظمة العربية، بإمكاننا العودة على سبيل المثال لا الحصر إلى قصيدة" أحمد الزعتر" وإلى قصيدة " خطب الديكتاتور الموزونة" التي تعتبر بمثابة ديوان كامل يعري من خلالها درويش تلك الأنظمة، ويمكننا أن نعرج في هذا على ديوان مديح الظل العالي "التي يتعرض فيها وبقوة إلى سياسات هذه الأنظمة بحق شعوبها وبحق الفلسطينيين حيث يقول:

كسروك، كم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا
وتقاسموك وأنكروك وخبأوك وأنشأوا ليديك جيشا
حطوك في حجر.. وقالوا لا تسلم
...................
فأنكروك لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار
سقط المتاع:
عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب... وضاعوا
والله غمّس باسمك البحري أسبوع الولادة واستراح إلى الأبد
قصب هياكلنا
وعروشنا قصب
في كل مئذنة حاو، ومغتصب
يدعو لأندلس إن حصرت حلب
وربما كان من المفارقات التي تستدعي منا التوقف في حديث ادونيس إلى عبده وازن في المقابلة ذاتها في صحيفة الحياة، أن يبدو أدونيس نفسه إعجابه بالدكتاتور حافظ الأسد ، الأمر الذي لم يفعله يوما محمود درويش مع أي دكتاتور. أدونيس لا يخفي إعجابه بالطريقة البوليسية التي تخلص من خلالها الديكتاتور المقبور حافظ الأسد من معارضيه الذين أطلق عليهم وصف الطفولة اليسارية . فهو معجب بتصفية الأسد لخصومه السياسيين لأن هؤلاء الخصوم لم يروقوا له ، كما لم يروقوا للديكتاتور ، متناسيا عن قصد ربما أن الأسد الأب لم تمتد يده فقط إلى معارضيه في حزب البعث ، بل امتدت يده للقضاء على الحياة السياسية برمتها في سوريا وتحويلها إلى مزرعة لذلك الطاغية ، ولأفراد عائلته يعيثون فيها قمعا ونهبا وفسادا وتخريبا، ومتناسيا لأسباب نجهلها كم المجازر التي ارتكبها الأسد بحق الشعب السوري واللبناني والفلسطيني.فهو يقول أنه لم يعرفه شخصيا، ومع ذلك فإن رأيه به هو التالي : " هكذا أعجبت بسياسته الخارجية، غالبا. كانت تدل على رؤية عميقة، تاريخية واستراتيجية. أعجبت كذلك بقضائه على الطفولة اليسارية، البطاشة والجاهلة ، في حزب البعث، فقد دمر قادتها سوريا على كل المستويات".
ونحن هنا لا نريد أن ندخل في جدل سياسي مع الشاعر ، إلا أنه من حقنا أن نتساءل، ألا يعتبر مثل هذا الغزل بالدكتاتور السوري الميت ،وبسياسته الخارجية والداخلية، دون أي ذكر لجرائمه بحق شعبه والشعوب الأخرى، فكر مصالحة ؟ وما الذي يدعو أدونيس إلى هذا الرقة وهذا التغزل بدكتاتور بائد؟ ولماذا يعطي الحق لنفسه في امتداح مجرم حكم بلده بالحديد والنار ، في الوقت الذي يتهم فيه درويش ويدعي أنه شاعر مصالحة؟
وختاما لنا أن نقول أن سر نجاح تجربة محمود الإبداعية، كما شهرته واختراقه حدود المحلي والعربي ، إلى العالمي لا تعود في الجزء الأكبر منها، كما حاول أدونيس الإيحاء به ،إلى ذكاء محمود، أو إلى تناول الشاعر للمأساة الفلسطينية كموضوع ، بل بصورة أدق إلى نجاحه اللافت في الارتقاء بهذا الموضوع والتقدم به نحو عوالم إبداعية تحاكي الوجود كله وتستنطقه ، فهي تستنطق وتساءل الأرض ،تماما كما تستنطق السماء، وهي تساءل الأرضي بمقدار ما تساءل المقدس. وهنالك بلا شك الكثير والكثير من الأعمال الشعرية التي تتجاوز فلسطين بما هي موضوع لتحلق في آفاق كونية ووجودية تكاد تكون جديدة تماما على الشعر العربي .فهو دخل إلى فلسفة الموت والحياة كتجربة عاشاها واستطاع صقلها لتتحول إلى إبداع شعري حقيقي ، مثلما دخل إلى فلسفة الحب والنظرة إلى المرأة، وإلى كافة التجارب الأخرى التي لا تقل أهمية .
ومن المؤكد أن هذا المقال ليس المجال المناسب لتعداد تلك التجارب وكتابة كل القصائد التي ميزت تجربة محمود الإبداعية . إلا أنه من المؤكد أيضا، أن الكثير من الذين يتذوقون الشعر الحديث في بلادنا يستطيعون ، على الأقل، حفظ بعض قصائد درويش عن ظهر قلب، في حين يتعذر عليهم تذكر أبياتا أو قصائد ل"أدونيس" ،التي لا تقل قيمتها الإبداعية عن ما في تجربة درويش،إلا أن هذا السبب لا يجب أن يكون ، بأي حال ،دافعا للاستخفاف بمحمود وتميزه ،الذي أدى حضوره الطاغي وتفرده وتألقه ،وغنى تجربته ،إلى حجب الكثير من تجارب الشباب الواعدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شاعر المقاومه محمود درويش
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 4 / 8 - 21:26 )
القديره ناديه مقالك حمل الكثير من التقييم الموضوعي لتجربه الشاعرين الكبيرين وانصاف شاعر العروبه والنضال محمود درويش في عقد في السبعينيات كان لقاء محمود درويش عل قاعه الجامعه المستنصريه كان لقاء صدحت به حنجره درويش والهبتنا حماسه لفلسطين حتى ان الشاعر المرحوم شفيق الكمالي اجهش بالبكاءوخرج والجماهير تحتضنه
انا اتساءل هل يحفظ االمواطن العربي قصيده لادونيس!!!
انا لااريد ان اتطاول على قامه شعريه لكن
لدرويش حياة ونضال وليس عيبا حضوره المربد
مقالك كتب بلغه نقديه بعيده عن التشنج فامتلك روياه الواضحه والخاليه من كل قصد
احييك


2 - محمود يا نادية
د جلال مخارزة ( 2010 / 4 / 10 - 10:11 )
هذا الرد الموضوعي الذي يغفل عنه احيانا الكبار مثل ادونيس, ليس من مصلحة ادونيس ان يبحث عن اشياء سلوكية لشخص الشاعر وان تقييم العمل الادبي لانسان قد لا نعرفه شخصيا ولا نشاركه مواقفه السياسية المتغيرة لا يعني ابدا الانتقاص من من قيمة النص فنيا وانسانيا ولعلنا وفي فترة ما كان الانتقاد ان الناس البسطاء لا يستطيعون فهم شعر محمود درويش طبعا ادونيس اكثر صعوبة والربط مع اسماء اخرى مثل الشاعر الكبير نزار ليس مثلبة رغم ان الفرق واضح بين تجربتين ناجحتين بكل المعايير,لكن لا بد لنا اننركز على النسبية في تقييم العمل, اما اختلاف مراحل النضوج في النص الخاص بكل اديب هو امر اخر
شكرا لجهودك
محمود يبقى علامة في تاريخ الشعر العربي


3 - أدونيس والحقيقة
مرتضى القارئ ( 2011 / 10 / 16 - 16:30 )
يبدو ان ادونيس كان محقا بقوله ؛ لأن ادونيس اراد ان يقول ان درويش وظف القضية الفلسطينية في شعره من أجل الشهرة ونشر شعره على الرغم من عدم انكاره لموهبة درويش ، ولكن الشهرة التي طغت على درويش كانت نتاج تاثر الاخرين بالقضية الفلسطينية لا نتاج التأثر بشعره ؛ أما مدح ادونيس للاسد فبكلام صحفي لا بقصيدة ، لان الشاعر في نظره لايجب أن ينساق وراء الشهرة وينسى المبادئ .. ولو انظرنا الى مظفر النواب لوجدناه وطنيا بأمتياز ووجدناه يدافع عن العروبة وفلسطين .. والسبب في عدم شهرته هو عدم تزلفه للرؤساء العرب ...

اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف