الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليساري الإسلامي حين يعانيان آلام ابن الست وآلام ابن الجارية

منهل السراج

2010 / 4 / 9
أوراق كتبت في وعن السجن


كان من السهل على الكثيرين ممن اعتنقوا الشيوعية أن يتنازلوا عن العقيدة حين انهيارها، وقد كانت تسمى أيديولوجية، مع أنها كانت عقيدة للكثيرين منهم، ومن المعروف أنه لم يكن هناك خطاب مع الآخر إلا من خلالها، من لا يناقش من خلال هذه الأيديولوجية ويردد المقولات نفسها، ويخرج بمظهر مشابه، غير مقبول رفيقاً بينهم. كما أن طريقة انتشار الشيوعية والتبشير بها لم تكن تختلف عن أي عقيدة في التاريخ، صفات كثيرة كانت مشتركة بين معتنقيها، أتقصد التعميم هنا، في وظائف الليل وفي وظائف النهار، في إباحة هذا وتحريم ذاك، والنظر والتنظير للأحداث وللتاريخ بشكل متشابه.. وهنا يرى المرء أنها كانت بفعلها تشبه فعل الأديان في التاريخ. وبعد انهيار الشيوعية، أنزلوا عن كاهلهم هذه الأيديولوجية، وخرجوا بخلاصة التجربة، وبالطبع هذا إيجابي.
ما لايمكن تجاهله هو أن هذه الأيديولوجية ككل عقيدة حفرت عميقاً، أظن، حتى أن عادات اليساريين ظلت نفسها بعد محاولة التفكيك، حُدِّثت قليلاً. ورغم أن الخطاب تخفف من حدة العقيدة إلا أنه ظل مطبوعاً بسمات تتصل بالأصل، وهنا أوصِّف ولا أقيّم. وذلك الخطاب "الجديد" ظل يجمع الرفاق، أصحابه، وانتشر بين الكثيرين ممن يهتم بالشأن العام. هذا الخطاب اليساري المحدث طبع الوجه الثقافي السوري الحالي، وشكل منطقه وخياراته.
عقاب السجن شديد الوطأة على الإسلاميّ، وبغير عقاب السجن أيضاً، لم يكن أمر الخلاص من العقيدة ممكناً، أن يرمي بدينه وراء ظهره، أمر غير وارد.. من يدين بالإسلام، يعتبر دينه شرفه وقيمته وسبب وجوده، كما هو أحسن صورة لرحيله، وبالتالي كان للسجناء الإسلاميين خلاص بالعقيدة عن ظروف السجن. إسلامهم جعلهم بانصراف تام إليه داخلياً، إيمان خالص إلى الرب في السموات وتحمّل وصبر على الواقع المعذِّب وكُفر بمرتكبيه، شيطانِهم، نقطة.
وأنه، يعتقدون، ما من ضرورة لمقاومة هذه الظروف المروعة، لأن الله في سمائه عارف وسوف يجزيهم على صبرهم وتضحيتهم.. أما ترتيب مكانهم في السجن وعلاقاتهم ببعضهم، وواجهتهم، فقد كان أيضاً نابعاً من هذا الخلاص الذي سيأتي بعد الموت، هذه الدنيا فانية وهذا السجن فان، فالدين وحده من نظم هذه العلاقات وشكّلها، لذلك خرج من خرج منهم مضطرباً ومتفاجئاً بهذا الواقع الذي لم ينصف عباداته الطويلة وتضحياته وعذاباته في السجن. ويحدث وبسبب غياب هذه الظروف المثقِّفة على السجين الإسلامي، أن كثيرين من الإسلاميين، يضيعون حقوقهم لأنهم لا يجيدون الخطاب مع الآخر، إلا من خلال عقيدتهم الإسلام، وهذا ما يوجِد طريقاً وعراً لتمرير الرأي والقناعة وشرح ظروف السجن وفظاعة السجن، إن مايصل للآخر غير المؤمن بعقيدتهم، نزعة عدائية تكفيرية رافضة، مما ينفر الكثيرين ممن لايملكون وعياً كافياً لتحليل هذا الخطاب وفهم دوافعه.
أما خطاب المثقف الذي لا يدين بدين، فقد امتلك كل الحرية بتشكيل الفكرة وتأسيسها ووضع الحلول النظرية حسب القناعة بلا محظورات ولا محرمات، وبالتالي جيرت الفكرة وأصبحت أذكى وأمكن أن تخدم الرأي والغاية في آن.. كان الكتاب حاضراً بقوة في أيدي اليساريين وكان من أولياتهم في السجن، لذا تسنى للعديد منهم أن يصبح قارئاً ودارساً وبعضهم متمعناً، ماسهل شكل التواصل مع الآخر، وساهم بتجميل وإظهار وتبجيل تجربتهم، تدربوا على فن الاصغاء، وتدربوا على أصول التعبير عن التجربة. وبالطبع هذا مشروع ومحترم.. لذا يجدر أن نذكر بأن خطابهم فاز، وهيمن على الوجه الثقافي السوري، أدب، فن، سينم، تلفزيون.. ولكن ما نعلمه جميعاً أن ذهنية غالبية المجتمع السوري، لا تحمل هذه القناعات التي تسبغ وجه البلد الثقافي، وهذه القناعات لا تلامس تطلعات الناس، وهذا ما يزيد الشرخ بين اهتمامات الناس اليومية ووجه الشأن الثقافي، وهنا نستثني الترفيهي "مسلسلات التلفزيون، مثالاً".
وإذا وضعنا آلام السجين اليساري بمقارنة مع الإسلامي فإننا نجد أن الأول، ومن دون تخطيط، صادَرَ عن الثاني فرجة الجمهور له، لأنه استأسر بالشاشة، وساعده في هذا وجه العالم الذي يميل إلى التحرر. تجربة اليساريين السياسية وتجربتهم الإنسانية في السجون، كان لها انتشار ووقع كبير على الشباب المهتم بالشأن العام، بالتوازي مع الاهتمام العالمي غير المحدود وبرامج حقوق الانسان، ومنظمات حقوق الإنسان. الأمر الذي لم تنله تجربة السجين الإسلامي، والتي كانت الأشد والأعنف بما لايقاس، و ليست مسجلة كما ينبغي، اللهم إلا في مصاحف السماء. كما لم تنل شيئاً من التقدير، رغم آلامها، وكأن العالم يفرز الأوجاع حسب دين صاحبها أو معتقده.. مع العلم أننا جميعاً نعرف أن كثيرين جداً ممن كانوا في السجون السورية سواء ممن كانوا محسوبين على الأخوان المسلمين أو على بعث العراق لم يكن لهم أي ضلع بهذين الفكرين، ولكن لم نسمع يوماً أن منظمة حقوقية عالمية، أعدت تكريماً لمعاناة أحدهم أو تبرئة أوإعادة اعتبار أو حتى "تطييب خاطر".
فإذا تأملنا بهذه الصورة شديدة التهذيب للمثقف السجين اليساري، بالمقابل مع صورة السجين الاسلامي والتي على الأغلب صورة متوحشة، فإننا نجد أن الأوسمة علقت هنا على صدر المثقف اليساري، أما من كان يسمى معتقلاً إسلامياً فإنه لم ينل شيئاً من تلك الأوسمة، اللهم إلا القليل من رأفة الأهل والأقارب. فإذا كان السجين اليساري يدعى سجين رأي، فإن من بين من حُشروا في صفوف الإسلاميين، من لم يكن له أي رأي ولا مشورة، ولم يكن إلا مواطناً يبحث عن لقمة عيشه وأولاده.. ولكن التاريخ قام بفرز هذه الأوجاع إلى أوجاع يسار وأوجاع إسلام، ولم ينظر إلى أنها آلام بشرية، حيث لا يعدل أن نفتش في عقيدة الضحية حين تقع.
حين يفكر المرء بمنظمات حقوق الإنسان في العالم يتبادر إلى الذهن أن عمل برنامجها الأساسي سيكون محاولة منع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. ويتبادر إلى الذهن أن الظالم ممكن أن يكون أي إنسان، ولا يخضع أمر ظلمه لانتمائه أو عرقه أو معتقده، أو بلده.. والمظلوم أيضاً يمكن أن يكون أي إنسان، مهما كان انتماؤه أو معتقده.. مثله مثل الأول. ويتبادر إلى الذهن أن تكون نشاطات هذه المنظمات منزهة عن تمجيد معتقد، الظالم/المظلوم. لكن الواقع أظنه غير ذلك، إذ يوجد في هذا العالم، آلام ابن الست وآلام ابن الجارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين