الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين ج 2

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2010 / 4 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين ج 2

لقد أحدثت أزمة الفيزياء الجديدة صراعا بين الفيزيائيين المعاصرين بين من يناصر الميكانيكية و المعارض لها ، و قسم آبل ري الإتجاهات المذهبية بين الفيزيائيين إلى ثلاث مدارس أساسية :
1 ـ المدرسة الطاقية أو المفاهيمية.
2 ـ المدرسة الميكانيكية أو الميكانيكية الجديدة.
3 ـ المدرسة الإنتقادية.
و يعترض لينين على هذا التقسيم حيث الإتجاه الثالث يعتبر وسطيا و يأتي بين الأول و الثاني باعتبارهما خطين أساسيين معارضين في العرفانية بحكم نظرة الوضعيين إلى أزمة الفيزياء ، مما يتعارض حقا مع كنه الأزمة التي نتجت عن تحطيم القوانين القديمة و المباديء الأساسية القديمة ، و بالتالي "نبد الواقع الموضوعي القائم خارج الوعي" ، و ذلك باستعاضة الفيزيائيين المعاصرين عن المادية بالمثالية و اللاعرفانية.
و كان لأزمة الفيزياء الجديدة أثر كبير في الخلط الذي وقع فيه الفيزيائيون المعاصرون بالقول ب "المادة تزول" ، إنطلاقا من استنتاجاتهم حول خلاصات الفيزياء الجديدة حول الصلة بين الذرة و الكهرباء عبر حركة الإليكترونات ، مما أوقعهم في خطإ فادح و هو " الذرة تفقد ماديتها" كما قال ل. هولفيغ في كتابه "تطور العلوم"، و الفيزيائي الإيطالي أوغست ريغي الذي قال عن النظرية الإليكترونية "هي نظرية الكهرباء أقل مما هي نظرية المادة ، فإن النظام الجديد يحل الكهرباء محل المادة و حسب".
هذا الخلط بين المادة و الكهرباء ناتج حسب لينين عن عدم فهم "الصلة الفعلية بين المثالية الفلسفية و "المادة تزول" . حيث أن "المادة تزول" التي يتحدث عنه الفزيائيون المعاصرون " لا يمت بأي صلة إلى التمييز العرفاني بين المادية و المثالية". المادية و نقد المذهب التجريبي ـ ص 301.
إن التناقض بين المادية و المثالية تناقض جوهري و يتجلى في التعارض بين الإتجاهين المعارضين اللذان يحكمان أسس المعرفة بصفة عامة ، كما حدد إنجلس ذلك في كتاب "لودفيغ فورباخ" : "المادية و المثالية هما الإتجاهان الفلسفيان الأساسيان ... إن المسألة الأساسية الكبرى في كل فلسفة و لا سيما في الفلسفة الحديثة ... هي مسألة علاقة الفكر بالوجود ، علاقة الروح بالطبيعة".
و لكون معارفنا في علاقة جدلية باتجاهاتنا الفلسفية فإن مصدر معرفتنا يتحدد حسب هذا الإتجاه أو ذاك ، حسب النظرة المادية أو المثالية للأشياء ، و القول ب "المادة تزول" يعني حصر عالم الطبيعة في الكهرباء و الأثير ، و استخلص لينين من ذلك أن القول ب"المادة تزول" يقود إلى القول أن الكهرباء تقوم مقام المادة أي حصر المادة في الكهرباء ، و بالتالي تزول "خواص المادة" التي تم اعتبارها فيما قبل مطلقة "الحركة غير ممكنة بدون مادة" كما قال إنجلس ، بينما المادة حسب المادية الفلسفية موجودة خارج وعينا و هي الواقع الموضوعي ، العالم الفيزيائي الموجود دون إرادتنا.
إن الثورة في مجال العلوم الطبيعية و خاصة الفيزياء أحدثت أزمة معرفية لدى الفيزيائيين المعاصرين لكونهم يتجاهلون أسس المادية الفلسفية ، فالإعتراف الذي حصل لديهم حول "جوهر الأشياء الذي لا يتغير" ليس إلا مادية ميتافيزيقية أي منافية للدياليكتيك حسب لينين :
" يجب أن نسأل : أتوجد الأليكترونات و الأثير و ما إلى ذلك خارج الوعي البشري بوصفها واقعية موضوعية ، أم لا ؟ عن هذا السؤال سيتعين على علماء الطبيعيات أن يجيبوا و هم يجيبون دوما بدون تردد : أجل ، كما يعترفون بلا تردد بوجود الطبيعة قبل الإنسان و قبل المادة العضوية". نفس المرجع ص 304.
و هذا الإقرار من طرف الفيزيائيين يحل المسألة لصالح المادية لكون المادة لا تعني في المادية الفلسفية غير "الواقع الموضوعي" الذي يوجد "خارج وعينا" ، و الذي يعتبر من الناحية العرفانية في المادية غير:
"الواقعية الموضوعية الموجودة بصورة مستقلة عن الوعي الإنساني و التي يعكسها هذا الوعي". لينين نفس المرجع ص 304.
و في مجال العلم تقر المادية الدياليكتيكية بنسبية كل موضوعة علمية عن "بنيان المادة و خواصها" و على "إنعدام الحدود المطلقة في الطبيعة" ، و هي كذلك تقر بعدم استقرار المادة في حالة واحدة و هي في تحول دائم في حركة دائمة من حالة إلى حالة منافية معها ، و يستنتج لينين من ذلك ما يلي :
"مهما كان تحول الأثير العديم الوزن إلى مادة ذات وزن ، و العكس بالعكس ، عجيبا من وجهة نظر "العقل السليم" ، و مهما كان انعدام أية كتلة عند الإليكترون عدا الكتلة الكهرمغناطيسية "غريبا" ، و مهما كان اقتصار القوانين الميكانيكية للحركة على ميدان ظاهرات الطبيعة وحدها ، و خضوع هذه القوانين لقوانين أعمق هي قوانين الظاهرات الكهرمغناطيسية ، و إلخ ..، غير عادي ، ـ فإن كل هذا هو مجرد تأكيد آخر على صحة المادية الدياليكتيكية . فإن الفيزياء الجديدة قد انحرفت إلى المثالية ، و ذلك بصورة رئيسية للسبب التالي على وجه الدقة ، و هو أن الفيزيائيين لم يكونوا يعرفون الدياليكتيك". نفس المرجع ص 305.
و قد قادهم جهلهم هذا بالدياليكتيك الماركسي إلى إنكار "واقعية العالم الفيزيائي" و بالتالي إنكار "الخواص الثابتة للمادة" ، و بالتالي انزلقوا إلى إنكار وجود المادة بقولهم "المادة تزول" و هم بإصرارهم على نسبية معارفنا فقد انزلقوا إلى إنكار:
"الموضوع المستقل عن المعرفة ، و الذي تعكسه هذه المعرفة بصورة صادقة تقريبا ، بصورة صحيحة نسبيا ، و هكذا دواليك ، و هلم جرأ إلى ما لا نهاية" ، لينين نفس المرجع.
لقد عاش الفزيائيون المعاصرون في التناقض بين قوانين الفيزياء الميكانيكية و استنتاجات الفيزياء الجديدة ، مما خلق لديهم أزمة معرفية حول كنه ما هو ثابت في الطبيعة و ما هو متحول لكونهم يجهلون الدياليكتيك الماركسي ، الذي يقر بثبوت شيء واحد فقط هو :"عكس الوعي البشري (حين يكون الوعي البشري موجودا) للعالم الخارجي الموجود و المتطور بصورة مستقلة عن الوعي البشري". لينين نفس المرجع
و لا يوجد في نظر ماركس و إنجلس أي "ثابتية" أخرى ، أو أي "كنه" آخر ، أو أي "جوهر مطلق" آخر ، بالمعنى الذي يتصوره الفيزيائيون المعاصرون ،
و حسب لينين :
" فإن "كنه" الأشياء أو "الجوهر" هما أيضا نسبيان ، و هما يعربان فقط عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع ، و لئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة ، و اليوم إلى أبعد من الإليكترون و الأثير ، فإن المادية الدياليكتيكية تلح على الطابع المؤقت ، النسبي التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم لدى الإنسان ".نفس المرجع ص 306.
إن الصراع القائم بين المتشبثين بخلاصات الفيزياء الكلاسيكية و غيرهم من المقتنعين بخلاصات الفيزياء الجديدة ، إنما هو صراع بين الميول إلى المادية بشكل عفوي و النزعة المثالية الذاتية الحديثة ، و كنه هذا الصراع ناتج عن جهل هؤلاء للمادية الفلسفية التي يقر بوجود المادة خارج وعينا عكس المادية الميتافيزيقية التي تقر بوجود المادة بشكل عفوي ، و الإقرار من طرف آبل ري بوجود الصنف الثالث من الفيزيائيين بين المدرسة المفاهيمية و المدرسة الميكانيكية الجديد ، إنما ينم عن جهله للصراع بين المادية و المثالية كشكلين من الميولات الفلسفية المتعارضة و لا ثالث لهما.

تارودانت في : 09 أبريل 2010
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار