الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الطيب والسيدة العجوز

أوري أفنيري

2004 / 7 / 24
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


"في خطاب دراماتيكي في التلفزيون ناشد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مليون وربع المهاجرين الروس في دولة إسرائيل بالعودة إلى وطنهم، بسبب الوضع الأمني المتفاقم في إسرائيل."

لم يحدث ذلك بالطبع. ولكن من السهل أن نتكهن ماذا كان ليحدث في إسرائيل، لو كان بوتين قد تفوه بالفعل بمثل هذه الكلمات. ولو ناشد الرئيس الفرنسي جاك شيراك الناطقين بالفرنسية في إسرائيل، وهم مئات الآلاف من الذين قدموا من فرنسا وشمال أفريقيا، بالعودة إلى فرنسا، حيث لا يكمن هناك خطر من العمليات الانتحارية.

وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت ستثور. والكنيست كانت ستلتئم وتصدر قرارها الذي يشجب هذا العمل اللا سامي المنكر من قبل رئيس روسيا أو رئيس فرنسا. السياسيون كانوا سيتنافسون فيما بينهم لاستنكار التدخل السافر في شؤون إسرائيل. وزارة الخارجية كانت ستستدعي سفيريها في موسكو و/ أو باريس "للمشاورات".

أما ما حدث بالفعل فقد كان عكس ذلك. رئيس حكومة إسرائيل هو الذي ناشد يهود فرنسا بترك موطنهم "بأسرع وقت ممكن" والقدوم إلى إسرائيل، ردا على الموجة اللا سامية العارمة التي تجتاح فرنسا على حد تعبيره. لقد كان رد فعل الحكومة ووسائل الإعلام الفرنسية كما كان سيكون رد فعل إسرائيل في مثل هذه الحال.

كل فرنسي عاشر هو يهودي. شارون دعا إلى هجرة عشرة بالمائة من سكان فرنسا.

"سوء تفاهم مؤسف" هذا ما قاله مصدر حكومي فرنسي، وهي ترجمة دبلوماسية لعبارة: "اخرس أيها الأحمق!"

لقد حاول المحللون النبهاء من مختلف أنحاء العالم فهم ذلك: ماذا كان قصد شارون الخفي؟ هل كان ذلك بمثابة تحذير لفرنسا حتى لا تصوت إلى جانب قرار حكم هاغ في الجمعية العمومية؟ (هي لم تصوت إلى جانب القرار فحسب، بل أرغمت كل الدول الأوروبية على التصرف على هذا النحو). هل أراد أن يصنع معروفا مع الرئيس بوش، وهو في نزاع مع شيراك؟

الحقيقة أبسط بكثير. لا حاجة للتكهن بنية شارون. لأنه لم تكن لديه أية نية. لقد كان ذلك خطاب أجوف في مؤتمر أجوف. ما أراده شارون هو فعل أي بشيء يمنحه خمس دقائق بث على شاشة التلفزيون، وبالفعل فقد منحه التلفزيون تلك الدقائق الخمس. وكان الجميع راضين – التلفزيون، رئيس الحكومة، مؤيدوه، والجمهور عامة. الجميع، ما عدا الفرنسيين.

لقد كان هذا التصريح في إسرائيل تصريحا اعتياديا للغاية، تصريح أجوف. زعماء إسرائيل يناشدون الجاليات اليهودية، كلما سنحت الفرصة لهم، بترك كل شيء والقدوم إلى إسرائيل. حين تظهر أية إشارة لوجود اللا سامية، فهذا هو رد الفعل التلقائي.

إذا كان في الأمر "سوء تفاهم"، فهو سوء تفاهم متبادل. من الممكن تسميته باسم "صراع الثقافات": الثقافة الفرنسية-الأوروبية والثقافة الإسرائيلية-الصهيونية.

يعتبر اليهود، من وجهة نظر فرنسية، فرنسيون بكل ما في الكلمة من معنى. فالجمهورية لا ترتكز على ديانة أو أصل عرقي معين. حسب المعتقدات الفرنسية، فإن كل مواطن هو شريك في الجمهورية وفي الثقافة الفرنسية، بغض النظر عن كونه مسيحي أو يهودي، إليزيسي أو بريطوني، من شمال أفريقيا أو من كورسيكا. هذه هي ركيزة الجمهورية (لا يتحدث أي فرنسي عن "دولة فرنسا"، كما يتحدثون لدينا عن "دولة إسرائيل").

وها هو رئيس حكومة دولة أجنبية، تسول له الوقاحة غير المتناهية بتقويض ركائز الجمهورية، والمس بجوهرها وزرع التفريق بين مواطنيها. أنه التهديد الأكبر على فرنسا، فيما عدا هجوم عسكري عليها.

أما من وجهة نظر إسرائيلية، فإن الأمر مختلف تماما. فحسب المذهب الرسمي، إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي". "الشعب اليهودي" مكون من جميع اليهود في مختلف أرجاء العالم، بغض النظر عن كونهم مواطني الولايات المتحدة، المانيا أو أوكراينا.

كل فتى وفتاة في إسرائيل يتعلمون منذ نعومة أظفارهم بأن كل اليهود قادمون إلى إسرائيل في وقت من الأوقات، لأن كل الشعوب تكره اليهود، ولذلك ستسيطر اللا سامية بالضرورة على كل الدول. إسرائيل قائمة لتشكل لهم ملاذا عند حدوث الكارثة الحتمية.

من هنا ينبع رد الفعل الإسرائيلي الممأسس مزدوج الجوهر عند حدوث أية حادثة تتسم بالا سامية في دولة ما. رد الفعل التلقائي هو بطبيعة الحال الغضب والشجب. غير أن هناك رد فعل آخر، خفي، يصل إلى درجة الإشباع: ها لكم، لقد قلنا لكم، لقد كنا على حق. ويتلخص ردا الفعل بالدعوة: تعالوا يا أخوتنا، قبل فوات الأوان! هذا الأمر يشبه ذلك الرجل الطيب الذي يساعد عجوز على عبور الشارع - أرادت ذلك أم لم ترد.

إذن شيراك غاضب، وشارون مصمم ويكرر دعوته. وبين الاثنين يقف يهود فرنسا في الوسط ولا يدرون ما يفعلون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية