الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-كاسبار- حلم بالموت

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 9
الادب والفن


الموت ذلك الجزء الحزين من الحياة، ذلك الهاجس الذي يقضّ علينا المضاجع،
ذلك الرفيق الأبدي لحياة العراق والعراقيين، والكابوس الذي يتفوق على كل الأحلام بصوته العالي وبشاعته التي تلغي كل الجمال في أحلامنا الوردية.
من داخل هذه التجربة المسرحية التي حاول مجموعة من الشباب التصدي لها عبر نص مسرحي مؤثر من تأليف الكاتب الألماني "بيتر هاندكة" ، ومعالجته بطريقة لاتخرج عن أحلامهم الجميلة برؤية اللون في مناخهم ؛ لا يتنافى في الوقت ذاته مع واقعهم المؤلم الذي يتشبع الموت من جميع أطيافه.
من هنا من هذا المزيج جاءت مسرحية "كاسبار" التي قدمها طلبة الفنون الجميلة / بغداد. بوصفها مشروعاً للتخرج قام بإخراجه المخرج الشاب يوسف عباس مع مجموعة متميزة من رفاقه في الدراسة.
وفي داخل هذا العرض تحولت أفكارهم الجميلة عن الموت الى تلك الابتسامة التي تطبع على شفاه الموتى.
انتهى العرض في كلية الفنون بالثناء والكثير من التساؤلات، حول الفكرة والتسلسل المنطقي للحدث.
لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى جاءت المبادرة من دائرة السينما والمسرح بإعادة هذا العرض على خشبة مسرحها الوطني، وهي مبادرة جاءت مفاجئة للمخرج ولمجموعته المسرحية.
قدم هذا العرض وفي نفس كل ممثل من ملاك هذا العمل المسرحي المبتكر.. أفكار وأحلام وأمنيات أراد أن يبوح بها لجمهور الحاضرين على طريقته الخاصة..
فمنهم من حول (سُم النفتالين القاتل) الى لعبة من ألعاب السيرك.. ومنهم من أراد الرقص.
فتاةٌ ضجرةٌ من حزن لا يرغب بمفارقتها، ومنهم من علّق نفسه بسلمٍ موسيقي حتى كاد يموت طلباً لحياةٍ أكثر هدوءاً وجمالاً، ومنهم من حول مكانه المسرحي الى حجيرة صغيرة مليئة بالضوء لا يرغب في فراقه أبدا ، ومنهم من سمح للسكين بمداعبته طمعا ً بموتٍ يخضع لمبدأ الصدفة التي قتلت كل شيء، ومنهم من سمح لنفسه أن يصبح انعكاسا مفجعاً لمرآةٍ مكسورة.
ذاكرة الجمال في هذا العرض إنتقلت من حلمٍ الى آخر، ولكن جميع أحلامهم كانت تبحث عن الموت فهل يستطيعون الحصول على موتٍ يتسع لجمال أرواحهم وأفكارهم؟
إن العلامات المسرحية التي جاءت في هذا العرض تبتعد عن الترابط المنطقي المعروف فهي عبارة عن شذرات لأن كل منها يشكل فكرة أو لوحة جمالية تؤرشف لموت يمر على الجميع ملقياً تحية الصباح.. ولن يحل المساء لكي يتمكن الممثلون من النوم لأن نومهم صار موتاً يتلبسُ في كابوس.
وإن اقتربنا أو ابتعدنا فإن "كاسبار" جاءت في مرحلة صعبة ولكنها إن دلتْ على شيء فإنها تدلُ على أن الموت قادم لاريب في ذلك وسوف نستقبله غير آسفين لأن الحياة لم تعد تمنحنا ألوان الجمال.
إن عناصر هذا العرض ومفرداته جاءت متناسقة فيما بينها من حيث الشكل الجمالي والمتعة البصرية ،فقد جاءت الإضاءة تعبيرا عن ضغط الواقع على الشخصيات إذ عزلت الشخصية الرئيسية والتي قام بتمثيلها الممثل الشاب محمد بدر في مربع ضوئي هو أشبه بحبس انفرادي، وتكرر الأمر في عزل الشخصية ذاتها مع انعكاس المرآة وتحويلها الى قبر .
إن الجمل القليلة التي كانت الشخصيات تنطق بها كانت واضحة بدرجة مستفزة، وقد كان لأداء الممثلين الجهد المميز في إيصال الأشكال البصرية.
يقول الممثل الذي قام بدور كاسبر: " لابد من النظر في المرآة " إن هذه الجملة تكاد تكون بسيطة وساذجة إلا أن الممثل بحركته التي عبر بها أنه ينظر الى قبره (انعكاس ضوء المرآة على الأرض) جاء مغايرا لمفهوم الجملة التقليدي.
إن ما ساعد الممثلين على التعامل مع مفرداتهم بحرية، وجود ديكور ملائم لمثل هكذا عرض.
إن فكرة المسرح داخل المسرح المستخدمة سابقاً في الكثير من العروض المسرحية العراقية والعالمية. جاءت في هذا العرض متناسقة بشكل كبير لأنها تعبير عن عزلة الشخصيات وتمثيلها للموت بأكثر من شكل وأكثر من طريقة فقد كان الممثلون في هذا العرض الذي وضعه المخرج داخل العرض الأصلي أكثر عزلة من المتفرج الوحيد"كاسبار"لذلك نراهم يدورون ويرقصون بعبثية لا حدود لها.
تحول الموت لدى شخصيات هذا العرض الى لعبة . وإن لم تتضح بشكل كبير لعدم منطقيتها لأنها لعبة السخرية من الموت، وهذا ما ظهر في المشهد الأخير من العرض.فقد مثلت الشخصيات دور الموتى والضحية كل هذه الأشكال أمام الميت الوحيد في العرض "كاسبر" ليعود الى شعوره بالوحدة ويقرر الموت وعلى شفاهه ترتسم آخر الابتسامات الحزينة.
إن نهاية هذا العرض تحيلنا وبشكل مسرع الى البير كامو وشخصياته العبثية وتحديداً شخصية كاليكولا في مسرحية كامو الشهيرة، يقول كاليكولا في نهاية المسرحية" الناس يموتون وهم ليسوا سعداء" هكذا هي شخصيات " كاسبار" التي قدمها شباب مسرحيون في عرض يصور الموت بأجمل الصور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟