الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية : -نساء في الحرب-

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 10
الادب والفن



نترقب... وننتظر...ونستفسر؟
ماذا يمكن أن يفعل جواد الاسدي في نصه .
وجاءت الإجابة سريعة في محاولة لإطلاع الجمهور العراقي على منجز هذا الفنان... عرضت هذه المسرحية على أساس أنها( تمرين مسرحي) للمهتمين والمتابعين للمسرح العراقي.
جاءت لحظة العرض. كانت العيون التي نظرت الى داخلها تلمع بقوة وثقة ..كانت تلك عيون جواد الاسدي مخرج العرض...وشاهدت أيضا تلك الفرحة التي طالما قرأتها في كتبه عن البروفة ولحظات ما قبل العرض وأحسست بصدق كبير في تلك النظرات.
ثلاث نساء قذفت بهن المنافي بطرق مختلفة ، وبحيوات متعددة الى ملجأ في ألمانيا في فسحة للهروب من نزيف الدم في بلادهن الى خلاص مرتقب أو وهمي، جمعهن الملجأ على الرغم من كل الاختلافات بين واحدة عن الأخرى.
فالأولى هي ممثلة عراقية محترفة رمت بها الخشبة بعد انهيارات متعددة لوضع سياسي يهدد بالانفجار، إنها (أمينة) ، تلك الراهبة المسرحية في أداء مبدع للفنانة شذا سالم .. التي تحولت من كائن أنثوي شفاف الى مرجل بخاري يهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى ، في تحولات أدائية واستعارات لطبقات صوتية متعددة .
ممثلة حالمة بفنٍ نبيل ومسرح حر يمجد الإبداع ويحترم المبدعين.انهارت أمام عينيها أجمل اللحظات فما كان منها إلا أن تهجر الوطن(المسرح).
والثانية طبيبة نفسية.. لم تعد تجد علاجا كل في النظريات التي تعرفها وتعالج الآخرين بها... ولكنها عجزت تماما عن علاج نفسها ..فلجأت الى السخرية من كل شيء...
إنها مديحة التي أدت دورها ببراعة كبيرة الفنانة آسيا كمال في أروع أدوارها المسرحية،.
وفي لحظة من لحظات الانهيار التي دفعت بـ( مديحة) الى البوح بشكل لا شعوري عن كل ما بداخلها من حقد على بلادها (جلادي بلادها) نراها تنفعل بقسوة وهي تتلفظ بكلمات لها وقع الخنجر :
- سأتزوج من رجل جرماني وأنجب أولادا جرمانيين! ثم أغسلهم من آثار اللغة العربية والعرب وأكسر أمامهم
سيوفهم تاريخهم وأهزأ من فرسانهم! إنني أكرهكم أكره صلاتكم وصلواتهم عقائدك وعقائدهم! لا أحب بلادي ولا أغنيات بلادي ولا شجر بلادي ولا شوارع بلادي ولا أي شيء في بلادي! سأرمي بكل شيء الى الجحيم الى المحرقة! سأحرق ذاكرتي كلها !.
من أين جاء كل هذا الألم وكم هي قاسية تلك الصدمات التي تلقتها لدرجة أنها تنكر كل شيء....ولكنها في لحظة أخرى نراها تعود مسرعة الى أحضان الوطن (الأم) لتغني له
...بلادي .. بلادي.. بلادي ...
إنها شخصية جحيمية منهارة تماماً.
والثالثة شابة ضربها رجال الأمن في بلادها على صدرها وبدأ الوهم بالانتشار حتى أحست بورم كبير يمزق صدرها ...أنها مريم ألم يمشي على قدمين...قدمتها الفنانة الجميلة بأدائها سها سالم.
(مريم) لم تعد تؤمن بجدوى الحديث عن قسوة الجلادين في بلادها لأنهم صاروا عقدة تجمعت في صدرها، فاختارت العزلة ، أفضل صديق لطرد وحشة الألم.
إن أدوات المخرج في هذا العرض كانت واضحة جداً..فعلى الرغم من أن الاسدي استخدم ممثلين


محترفين إلا أن بصماته على الممثل كانت واضحة، من خلال معالجته لطبيعة أداء كل شخصية بما ينسجم مع طبيعتها حتى باتت واضحة على أجساد الممثلات الثلاث.
كما أن البيئة التي خلقها في مسرح فقير هو اقرب الى قاعة دراسية متروكة جاء منسجماً مع فكرته.
أما إيقاع العمل فقد كان المايسترو الحقيقي في إظفاء المتعة والانتباه لدى المتفرج، والذي أكد الاسدي في أكثر من مناسبة داخل هذا العمل على قدرته الفائقة على عزف متناسق داخل حيز العرض.وكان للفنانة آسيا كمال دور بارز في التحكم بالإيقاع كما لو أنها لعبت دور صمام الأمان داخل العرض فقد كانت المتحكم الأول فيه ضمن سياقات جمالية متناغمة.
وجاء استخدام اللهجة العراقية في بعض المشاهد متناسقاً مع الجملة الفصيحة في إضافة جو خاص للعرض..كما أن استخدام اللون الأبيض بما يحمله من دلالات متعددة وخصوصاً في المشهد الأخير الذي تحول فيه القماش الأبيض الى أكفان للشخصيات لتنهي معاناتها بالخلاص من جلاديٍٍ البلاد من جهة ونازية التحقيق من جهة ثانية.
ولعبت الإضاءة دوراً جمالياً على الرغم من فقرها وعدم استخدام أجهزة الإضاءة التقليدية المعروفة في المسرح وإنما الأكتفاء بمصابيح ذات لون واحد داخل لامبديرات معلقة في فضاء العرض.
ولو أردنا الحديث عن الموسيقى التي خلقت ذلك المزج الغريب من نوعه بين طقس البيئة العراقية والثقافة الأوربية (الألمانية) ولكنها كانت ساكنة في أماكن لا ينبغي أن يسودها الصمت لتكون أكثر انسجاماً مع بقية المشاهد.
إن القراءة المتأنية لـ نص جواد الاسدي " نساء في الحرب" حملت معها الكثير من الأسئلة، إذ كان النص عبارة عن كتلة ساكنة من الحديد أشبه بواحدة من الخزانات المعدنية ولا يملك مفتاحها سوى شخص واحد وهو المخرج المؤلف، وهذه القدرة العالية في أمساك خيوط العمل الفني بإحكام هي التي قادت الاسدي وبحرفية عالية الى إنجاز عمله الفني في ظل ظروف حياتية قاهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا