الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يكون الفرح الانتخابي جوهر الحياة الديمقراطية ..؟

جاسم المطير

2010 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


عن انتخابات الأدباء وانتخابات البرلمان

هل يكون الفرح الانتخابي جوهر الحياة الديمقراطية ..؟
في 7 – 3 – 2010 جرت انتخابات البرلمان العراقي حيث اشتملت العملية الانتخابية على بعض مدعين بأمور الفقه السياسي . منهم وفي صفوفهم ــ مع الأسف ــ تجار راكضين وراء مصالحهم الشخصية ومنهم دجالين ومحتالين ومهرجين ومزورين قاموا بتأدية الدور المطلوب في المشهد الأول من برلمان يفترض أن يطول عمره 4 سنوات يلعب فيه الفرقاء جميعا أدوارهم السياسية تحت ظل سيوف قبائلهم الحزبية وأفخاذها الطائفية .
بعد شهر واحد من تلك الانتخابات جرت أخرى يوم 3 – 4 – 2010 وهي انتخابات ثقافية ، حيث تبارى فيها من يجيد الغناء شعرا ، أو نثرا قصصيا ، أو بحثا أو أي شيء آخر يحمل مسرات الأدب تعبيرا عن حرمان شعبنا من الحياة الإنسانية الطبيعية خلال العقود الماضية من عمر الدولة العراقية . لم يخلو مؤتمر الأدباء المسمى ( مؤتمر الحرية ) من وجود من أراد أن يكون ممثلا أو نادلا لبعض تجارب )أحزاب السياسة الطائفية) لكنهم جوبهوا بقدر كبير من الوعي الثقافي للمؤتمرين .
في شهرين ربيعيين متعاقبين تفوقت الديمقراطية العراقية الوليدة مرتين في صيغتين مختلفتين وبنتيجتين مختلفتين :
(1) الانتخابات الأولى في آذار منحت السياسي العراقي موقعا ما .
(2) الانتخابات الثانية في نيسان منحت الثقافي العراقي موقعا ما .
لا أريد السؤال أي الموقعين أرقى أو أهم لكني أقول أن لكل من الموقعين مكانة اجتماعية مهمة في التطور اللاحق في أنشطة الناس العراقيين وفي إعادة بناء الشخصية العراقية وتخليصها من معاناة العقل والجسد والخوف ومن ظلام التفجيرات والمفخخات وفي إعادة أعمار الوطن المهشم وفي صياغة بناء الدولة صياغة جديدة قائمة على المؤسسات والقوانين للعناية بالحياة الإنسانية كلها في بلاد الرافدين . بإمكاني القول أيضا ان ميدالية الوعي والإخلاص الوطني قد نالها 25 مرشحا من الكتاب والأدباء . بينما صار على 325 عضوا برلمانيا جديدا أن يثبتوا سلوكا حسنا وإخلاصا في الدفاع عن حقوق الشعب .
بعد هاتين المرحلتين الانتخابيتين هل يمكن توقع بناء تيار عراقي واحد بين الثقافي والسياسي لتحفيز الطاقتين ، الثقافية والسياسية ، أم أننا سنشهد أيضا تواصُل انفصال السياسي عن الثقافي ، مثلما ماج عليه حال العلاقة خلال السنوات السبع الماضية ، حيث ظلت وزارة الثقافة باردة برودة الثلج في علاقتها مع منظمات المجتمع المدني الثقافية ’ كالاتحاد العام للأدباء والكتاب وكنقابة الفنانين العراقيين ومع الفنانين والكتاب العراقيين المبدعين عموما . كذلك لم ينبس احد في مجلس الوزراء ، برئاسة نوري المالكي ، ببنت شفة حرصا على تطوير الثقافة والفنون العراقية أو دعما لدور المثقفين العراقيين لتحمل عبء المساهمة في بناء الديمقراطية في العراق . كما أن مجلس الرئاسة حيث يجلس على كراسيه ثلاثة متساوين في حجم الصمت وعدم الإحساس بضرورة عدم الانفصال السياسي عن العملية الثقافية
تفجر من قلب قلبي سؤال يتعلق بالمصالحة بين الثقافي والسياسي حين أثــّر صوت وتر عراقي صادح بمقالة كتبها الفنان السينمائي هادي ماهود في موقع ألكتروني يوم 9 – 4 – 2010 وقد اصطخبت في كيانه سطور من الكلمات يسأل فيها وسط ضجيج السياسة الصاخبة في عراق اليوم ، عراق ما بعد انتخابات البرلمان : هل يبادر سياسيونا إلى مصالحة وطنية معنا أم أننا سنواجههم بمقاومة ثقافية مسلحة بالألوان والقصائد والكاميرات إذا ما واصلوا تهميشهم للمثقف في صناعة العراق ..؟
الوضع العام كله مثقل بروعة بعض ظلاله الايجابية المستقبلية ، لكنه لا يخلو من أمواج سلبية كثيرة تعطل المصالحة الحزينة بين السياسي الوطني والثقافي الوطني ، مما يؤكد أن نضال الثقافي سيظل في عفر المقاومة الإبداعية كما أشار هادي ماهود ( باللون التشكيلي وبالقصائد الشعرية وبالكاميرا السينمائية ) حتى لا يستجدي ربيع الثقافة على أبواب السياسة والسياسيين ممن لا تنتشي عقولهم بينابيع ثقافة المستقبل وثقافة الحرية بل أن أمثال هؤلاء السياسيين يظلون مولعين بغروب الشمس كعادتهم وليس بشروقها .
تـُرى .. هل نرى في السنوات الأربع القادمة صدمات جديدة يعانيها المثقفون العراقيون بظهور برودة متراكمة من وزارة الثقافة المضبوطة تحت إيقاع الطائفية والمحاصصة وغير ذلك من الزبد الطافي ، غير الديمقراطي ، غير العقلاني ، الذي يريد بقاء ( قبة البرلمان الثقافي ) هادئة هدوء العاجزين ليست مثل (قبة البرلمان السياسي) المضيئة بالمال والامتيازات والمنافع ، إلى جانب الصخب الخطابي ، غير النافع أساسا ، بل هدفه هو أن يستعيد البرلمانيون الجدد نفس وظيفة البرلمانيين السابقين . يهملون الثقافة والمثقفين ويسمحون لوزارة الثقافة بفرض هيمنتها العملية عليهما وعلى كل النشاطات الفنية والأدبية والموسيقية ، انطلاقا من مبدأ هيمنة السياسة على الثقافة ، بقصد امتصاص إبداع المثقفين وتسخيره لمصلحة السياسيين ذوي الأفق الضيق ، لمصلحة الدولة الضعيفة أو المستضعفة وحزبها أو أحزابها المسيطرة ، كما هو الحال في العلاقة بين السياسي والثقافي في الدول الشمولية ، التي تضعف من عزيمة الشعب ونضاله المكرس لتجديد الوطن ، خاصة أن أربعة عقود من الزمان العراقي قدمت لنا الكثير من سيطرة أيديولوجية الدولة الشمولية على الثقافة الحقيقية فأماتتها أو حرفتها أو أنها جعلت الثقافة مجرد مسودات في ملفات الناشط السياسي ( الوزير أو المستشار أو عضو البرلمان ) التي لا تؤدي إلا إلى عجز الثقافة و الثقافي وإغفال كل عوامل تنشيط ذاكرته الإبداعية أو أنها بنهاية المطاف تدفع أجيالا جديدة نحو نموذج جديد بإحساس جديد للهجرة من الوطن والقطيعة معه . فالمثقف العراقي لا يملك وسيلته في مغادرة وطنه إلا إذا أدرك تمام الإدراك ، أن السياسيين وقادة الدولة لم يستوعبوا زمانه الإبداعي بقوة وإحكام .
ترى هل نأسف خلال مرحلة السنوات الأربع القادمة عن لامبالاة السياسي بالثقافي أم سنشهد شجاعة وموهبة سياسي جديد النوع ، جديد الفكر ، جديد الممارسة ، سيتربع على كرسي وزير الثقافة ليكون قدره واستحقاقه كامنين في أن يكونا قوة دافعة للثقافي وان يكون شاغلا لوظيفة تبهج الناس أجمعين بجعل الثقافة أداة للجمال والبهجة في بلاد الرافدين .
سوف لا يكف الثقافي العراقي عن الإيمان بالمستقبل ، فالتاريخ والمستقبل بالذات ، هما المطلق الذي تنتصر فيه الحياة دائما حيث يكون موقع الثقافي في صلبها .
لست متشائما من المستقبل ، لكنني أود أن أؤكد أن لحن المصالحة بين الثقافي والسياسي سيظل معزوفا من قبل المثقفين العراقيين ، خاصة بعد انتصار تيار الوعي الديمقراطي في (مؤتمر الحرية ) وفي انتخابات اتحاد الأدباء والكتاب . لكن هذا اللحن سيقابله السياسيون العراقيون بالنفاق ، خاصة بعد انتصار التيار النفعي في انتخابات البرلمان . من هذا وذاك ستكون هناك خلال المرحلة القادمة أزمة مستمرة بين الثقافي العراقي المتميز بالتجديد والنضج والحيوية وبين رجل الدولة المتميز بالكسل والمنفعة الذاتية و بالتردد وعدم احترام الموقف النقدي .
المهم أن أخلاقية ومسئولية الثقافي تظل التزاما صريحا إلى الأبد بقضايا الحرية ، والديمقراطية ، والوطن ، والشعب ، فعسى أن يكون السياسي العراقي صريحا في كشف أخطاء السياسة وزيفها حالما تقتضي الحالة ، الكشف والإدانة ، لحرمان خصوم الديمقراطية العراقية الوليدة من أي أساس يرتكزون عليه لفصل السياسي عن الثقافي . هذا الفصل ، كما يعلم الجميع ، هو الاستهلال الأول ضد النقاء الإنساني ، كله ، بجعل الثقافي في غيبوبة عن أسباب العطب الساري في الدولة من دون منح المثقفين الديمقراطيين دورا في قيادة الأمور القادرة على تنوير المجتمع وتصحيح آليات كل عطب يعيق التقدم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 9 – 4 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى امام ايها الادباء
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 4 / 11 - 12:42 )
الأستاذ جاسم المطير
نعم أنه عرس انتخابي أظهر بجلاء حقيقة العراق وتوجهات خيرة مثقفيه وأدبائه باختيارهم اليسار حاديا لركب الثقافة في العراق ولكن الظلاميون يسيئهم هذا الأمر فقدموا اعتراضاتهم وطعنهم بشرعية الانتخابات وأنا اقسم إني لم أجد ديمقراطية في الكثير مما شاركت في انتخابات عراقية كديمقراطية ونزاهة الهيئة المشرفة على انتخابات الأدباء وكم تمنيت لو إن انتخاباتنا البرلمانية كانت بهذا المستوى من الشفافية والوضوح
الخزي والعار لمن اعملوا معاولهم لواد الثقافة في العراق
والنصر المؤزر لأدباء العراق وفرسانه في انطلاقتهم الميمونة والى أمام من اجل انتصارات جديدة على جميع المستويات

اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات