الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية ثيران العصور والأسد الهصور - نظارات وشوارب وعمائم ولحى وثياب قصيرة ولا بقية تأتي

كريم رضي

2004 / 7 / 25
حقوق الانسان


يحكى أن أسدا وثلاثة ثيران مختلفو الألوان سكنوا كهفا فلما أراد الأسد أن يأكل الأبيض قال للأحمر والأسود ألا تريا ما نحن فيه من خطر بوجود الأبيض فقد يدل علينا لونه فقالا دونك إياه ثم جاء فقال للأسود ألا ترى ما أنا وأنت فيه من خطر بوجود الأحمر قال دونك إياه ثم جاء فقال للأسود لست في حاجة لأية حجة لآكلك فقال دونك إياي ولكني لم أؤكل اليوم بل أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ويقول أستاذ الكلمة قاسم حداد: الحكايات لا تنتهي في الكتب لكنها تكتمل في حياة البشر.
كنت على وشك أن أكتب عما يجري اليوم للسلفيين في الألفينات عودا على بدء ما جرى للشيعة في الثمانينيات والذي هو بدوره عودا على بدء ما جرى للشيوعيين في السبعينيات والخ، قبل أن أقرأ ما كتبه الكاتب الإنساني الطيب سيد ضياء الموسوي.
ولم يكن يدور ببالي مثالا غير مثال الثيران الثلاثة الذي جاء به السيد وما فعل بهم أسد الحكومة في غير قطر عربي قبل أن أرى أن السيد الكريم أحال عليه وهو بحق مثال لا يجارى، ينبغي على تاريخ الكلام وتاريخ السياسة أن يقدما الشكر لفيلسوف الهند العظيم مؤلف كليلة ودمنة ولمترجمه شهيد الفكر عبدالله ابن المقفع على تضمينه هذا الكتاب البسيط العبارة العميق العبرة.
ومع استثناء واحد فقط وهو أن السيد ربما فاته أن يذكر بحكم العادة أم بحكم طبيعة شخصيته أن الأسد في البحرين لم يبدأ وليمته بالثور الشيعي بل بالثور الشيوعي إذا صح التعبير.
ونحن الذين جاوزنا الأربعين يطوف بخيالنا طيف شوارب كثة ولحى حليقة ونظارات سميكة لفتية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي يأكلون الكتب ويملكون فن الحذلقة ومهارة التفلسف، ويرتدون ربطات العنق الحمراء ، يخطبون في النوادي والفرق الرياضية والأمسيات ويهرطقون بالأشعار والروايات. يتلقوننا طلبة في المدارس والكليات ويفتحون أذهاننا على مفاهيم لم نسمع يوما بها، مثل حرية المرأة والاشتراكية وسلطة الشعب ومصافحة البنات والشعر الحر والوحدة الوطنية وحب التراب والانتخاب الحر، ويهربون المنشورات في علب السجائر وحتى في ربطات البرسيم من منزل لآخر. كانت تتخطفهم (أجياب) زوار الفجر بين قرية وأخرى، وكان آباؤنا يقولون: "شيوعيون لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا بالأئمة".
وذهب الأسد بلحمهم الهزيل حتى فنوا عن آخرهم إلا من سكت منهم واختفى تقية أو تراجعا عن ماضي أحلامه فيما نحن نكبر على كراهيتهم وفي أحسن الأحوال على تجاهلهم وكأن ما يحدث لهم عقاب إلهي طبيعي لكل من يجحد ربوبيته تعالى وقد جعل الله عقابهم على يد ظلمة آخرين فالظالم سلاح لله أحيانا كما يقول المأثور، خصوصا وأن هؤلاء الحمر REDS يتحدثون عن طبقات ومستغلين وسوء توزيع الثروة وغير ذلك مما يعد تدخلا سافرا في شؤون الحكمة الربانية التي اقتضت توزيع الأرزاق بين فقير وغني ومالك ومحروم، وكان الملالي لا ينفكون يحدثوننا عن خطر الشيوعية الضالة وعن عدالة السماء التي جعلت الحمر في قبضة الحكومات التي وجودها قدر الهي لا مفر منه أما الشيوعيين فهم ينكرون القدر ويزعمون قدرة البشر على تغيير أقدارهم وهو الكفر المبين!!.
ثم جاء زمان نهضت فيه العمائم في نهاية العقد السابع ومطلع العقد الثامن من القرن العشرين وقد كبرنا ودخلنا العشرينات من أعمارنا ولم يعد ما نراه مجرد أطياف لثوار مجهولين متناثرين من حي لآخر، بل جماعات من ذوي اللحى المتوسطة الأنيقة يتحدثون عن تشيع جديد وحسين جديد، ليس للبكاء بل للتحدي والإباء، وعن بطلان التقية التقليدية الخائفة واستبدالها بالتقية الحركية ويشعلون المواكب بالثورة ورنين الشعارات وصورة الخميني وكلماته تنتشر بسرعة البرق فتتحول إلى قصائد وأناشيد تترنم بها المواسم من عاشوراء لآخر، ويولد رواديد جدد وملالي جدد شجعان لا تأخذهم لومة لائم.
جاء أخيرا من يقول لنا أن المهدي هو الذي ينتظرنا وكانت أول مرة في حياتي أسمع فيها هذا الكلام أنا الذي اعتدت على أنني من أنتظره، وأن العزاء ليس في البكاء والتفجع بل في الثورة والمقاومة حتى تحقيق هدف الثورة وهو جمهورية اسلامية يحكمها الولي الفقيه، ثم أ ُخذت هذه الهبة على حين غرة فأغلقت المدارس الدينية وشُمعت المساجد والهيئات وانطفأ لهيب موكب الشهيد وقتل من قتل ونفي من نفي وعذب من عذب وبتُ أسمع من بين قومي الشيعة أنفسهم من ينتقد هؤلاء المتهورين الثلاثة والسبعين الذين تطرفوا كما قيل لي ليقلبوا الحكم ويغرقوا البلاد في الدم، وأنهم أعداء للثورة الإسلامية ايضا!!!! فهنيئا للأسد بلحم هذا الثور اللاحق بثور اليسار.
ثم جاءت سنة عاد فيها الوعي (على رأي توفيق الحكيم) فقام من بين الشيعة أنفسهم قوم توابون، يكفرون عن ذنب وأد الحركة الثمانينية كما كفـّر أهل الكوفة في ثورة المختار عن ذنب تخاذلهم عن الحسين. كانوا يتحدثون مثل اليسار ويجاهدون مثل اليمين، يتحدثون عن الدستور والديمقراطية والمال العام. لم يعد أحد يتحدث عن الثورة والانقلاب والجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، بل عن تصحيح الوضع وإعادة البرلمان المنحل في السبعينيات وإلغاء التمييز ودخلت المساجد والمآتم عبارات جديدة مستوردة مثل الفصل بين السلطات وتشريع الحريات العامة والاقتداء بالعالم الحر ومحاربة الفساد الإداري وحماية المال العام وغير ذلك مما اعتدنا سماعه من الثور السبعيني العتيد ولكن بجهاد يختلف عن ذلك العقد، جهاد ينطلق من المواكب والمآتم ذاتها التي انطلق منها ثور الثمانينيات. كنا بالأحرى أمام مزيج عجيب من مطالب سبعينية وأساليب ثمانينية في لحظة تسعينية ، وكان عبقرية هذا الشعب استطاعت عبر التجربة والاختبارات أن تلد هذه التركيبة لتواصل بها الحضور على مسرح المشهد السياسي.
وهجمت آلة الدولة الهمجية هذه المرة هجمة لا مثيل لها فلم تبق بيتا ولا حجرا ولا زقاقا إلا وغمره عسفها وجبروتها. كل هذا وقسم من هذا الشعب إما غافلون أو متعاطفون مع القمع أو رافضون له ولكن بأضعف الأيمان بالقلوب. وراحت الصحافة تتحدث عن انقلابات لم يقم بها حد وعن أسلحة لم يجلبها أحد وعن خطط لم يضعها أحد، وكان القرويون البسطاء يسمون الكتابة على الجدران (كتيبة) بلهجتهم البسيطة ويجمعونها على (كتايب) فتظن الحكومة أنهم يتحدثون عن كتائب مقاتلة والصحافة تعزف والحكومة تقسم بتشديد السين أو العكس.
وبرر مخلفو اليسار المدرسي سكوتهم بأنها حركة دينية رجعية متخلفة، إلا من كان شجاعا منهم وهم قلة حينئذ حتى جاء الانفراج فتنفس الناس الصعداء وقال قائلهم (وين كنا ووين صرنا، الحمد لله)
وما أن انقضى العقد التسعيني حتى جاء القرن الواحد والعشرين بدخول البقية الباقية من فئات هذا الشعب في فئة (المخربين والمندسين والمنقلبين والخ) من اسطوانة الصحافة الممجوجة ذاتها. تلك الصحافة التي يصعب علينا تصديقها حتى لو كانت صادقة، الصحافة التي تتحدث عما تسميه اليوم بالمحلول العجيب الذي صنعه القاعديون هي التي كانت بالأمس القريب تتحدث عن الانقلابات العجيبة.
وإذا بنا بمعتقلين هائشي اللحى يبرأون اليوم ثم يدانون غدا، و يصبح حجم اللحية وطول الثوب معيارا للإرهاب على جمارك البر والبحر والجو، تماما مثلما كانت نظارة وشارب الشيوعي وعمامة الشيعي فيا لدورة الزمن وعجائبه التي لا تنقضي.
وإذا بضحايا الأمس منا يقولون نعم للفتك بضحايا اليوم، وإذا بنا نحن الذين شربنا من كأس التجني والظلم الإعلامي بتزييف الحقائق واختلاق الوثائق نقول اليوم نعم لهذا التزوير والاختلاق.
وهكذا يتبع ثور ثورا فيما الأسد ينظف أنيابه من بقايا لحم الأول ويتهيأ لقضم لحم الثاني.
نحن الذين ربما لم نع بعد وآن لنا أن نعي هذه الحقيقة البسيطة مثل بساطة الماء الجاري.
(الإنسان أهم من عقيدته، وأسمى من انتماءه)
(الإنسان أعلى مما يؤمن به، إيا كان هذا الإيمان بعقيدة سماوية أم أرضية)
الإنسان ذاته قبل أية فكرة أو عقيدة، هذا الذي دعا زين العابدين للقول: (لو ائتمنني قاتل أبي على السيف الذي قتله به لرددته إليه)
الإنسان الذي دعا زين العابدين لإجارة أمويي المدينة عشية هجوم واقعة الحرة حينما لم يبق بيت آمن إلا بيته.
الإنسان اولا وكل انتماء ثانوي.
الإنسان الذي هو في حد ذاته قيمة عليا، له الحق في عدم التمييز ضده وفي المحاكمة العادلة وفي الاعلام المنصف وفي عدم التشهير به قبل القضاء وفي عدم تحريض المجتمع عليه باستغلال دينه أو مذهبه أو الحاده.
كان بعض الشيعة يقولون ليذهب الشيوعيون
وكان بعض السلف يقولون ليذهب الشيعة
وعاد بعض الشيعة يقولون ليذهب السلف
فكأنهم جميعا يقولون ليذهب الانسان.

الآن لتذهب كل الانتماءات
و ليبق الإنسان الأسمى منها جميعا، الإنسان الأسمى من عقيدته والأقدس من انتماءه،
لنمض نحو حركة وعي حقوقية لكن مجتمعية لا حركة نخبوية وما أكثر النخبويات.
حركة وعي اجتماعي لا تقول طالما كان خصمي هو المدان فليكن وليذهب إلى الجحيم.
حركة لا يقول فيها المرء ما قاله البعض: (لنكن محايدين فيما يجري للسلف طالما هم لم يقفوا معنا أمس!!!)
حركة ضد التشفي والشماتة
ولنتذكر أن أيما ثور أكل الأسد لحمه لن يكون بمنجاة من أكله ثانية وثالثة كلما بنى على عظامه لحم جديد، فأسود الحكومات العربية تدربت أنيابها على مضغ جميع أشكال وأحجام اللحوم ثم العظام إذا لزم الأمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل العربية: القوات الإسرائيلية تطلق النيران على النازحين


.. نتنياهو يصف قرار اعتقاله بالفضيحة وتشريع أمريكي يهدد المحكمة




.. الأونروا تغلق مجمع مكاتبها في القدس بعد إضرام إسرائيليين الن


.. نزوح جديد في رفح وأطفال يتظاهرون للمطالبة بحقهم في التعليم




.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل