الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .

حامد حمودي عباس

2010 / 4 / 10
سيرة ذاتية



في واحدة من اللحظات المسروقه ، وحين شعرت بأن لا أحد من عيالي يحتاجني في شكوى أو مشورة أو لتلبية طلب .. غادرت بمخيلتي مطلقا لها العنان ، كي أسوح في غياهب البعيد من الماضي .. لأتذكر كيف مرت زهرة الصبا ومراحل المراهقه ، دون أن يكون لها أي معنى من هذه وتلك .. لقد كنا في أعمار يمرح من هو في امثالها اليوم بالعاب الطفولة ، ونحن نحرث بافكارنا بحثا عن اسباب لتأخر السوفيت عن الامريكان في عملية الهبوط على القمر ، وكنا ونحن لم نبلغ سن الرشد بعد ، نحاور قصيدة مغناة ، فنخرق كل الحدود ، لندس أنوفنا في مقطع شعري أو لحن ، متخيلين بأننا لا نقل شأنا عن أي موسيقار أو شاعر .

في تلك الاعمار المبكرة من حياتنا ، يوم كانوا يوهموننا بان للخير سبلا متاحة ، علينا أن نمنح انفسنا وطاقاتنا نذورا لامكانية تحقيقها ، فعمدنا طائعين الى رهن المستقبل لتلكم الأماني النرجسية الطموحه ، ضنا منا بأننا على دروب ستؤدي بنا لا محاله ، الى حيث الحقول المزهرة ، والساحات المكسوة بالعشب الاخضر .. لم نكن نعلم بأن ما في رؤوسنا ، ما هو إلا قفزات فوق حواجز لن تؤدي بنا إلا الى المزيد من الافقار ، واكتساب ملامح الحرمان ..

لم نكن ، ونحن لم نزل شبابا يافعين ، نقوى على امتلاك القدرة على الحساب الموضوعي لأركان الحياة كما هي ، لا كما صورت لنا على صفحات الجرائد ومجلات نشر ما سمي آنذاك بالوعي الثوري المرتكز على دعامات حسن النيه في كل شيء ..
لقد كنا تائهين ، وبشكل يدعو للشعور بالشفقه ، بين دهاليز تلاطمت فيها الافكار من كل حدب وصوب ، فأصبح الواحد منا حقلا لتجارب ألاخرين ، ننتمي بلا معرفه ، ونصرخ بلا درايه ، ونضحي بلا روية ولا تدبير .

حتى تجارب العشق ، كانت أيام زمان مرهونة لدينا بما نحمل من أفكار ، فتوجهنا بعشقنا نحو عوالم يحكمها الخيال المتطرف ، لننسج من حولنا حكايا مهما كانت جميلة ، غير أنها لم تستند الى دعم مادي أو معنوي يسير بها الى غاياتها الطبيعية ، فاندثر منها ما اندثر وهي لم تزل في منتصف الطريق ، وتدمر منها ما تدمر بعد أن فعل الواقع فعله .

واهمون نحن حينما ندعي بأن ماضينا كان جميل .. وهذا الوهم سببه هو سوء الحاضر وضياع ملامح المستقبل ، فأي ماض جميل ذلك الذي كنا فيه رهنا للفاقة ؟ .. تلفح وجوهنا روائح الجوع لكل شيء .. الطعام ، والجنس ، والاستقرار ، ومعرفة المصير المنتظر ؟ .

ورغم ذلك كله ، لم يمنعنا فقرنا حينذاك ، من أن نمارس هواية الحراك المعرفي ولو بحدوده الدنيا ، وحين يتاح لنا أن نفعل .. غير أننا كنا نحمل مسكنة الارض كلها ، ونحن نتبرع بانفسنا وأمانينا لقوانين هي غير قوانين ما يحيط بنا من عوالم .. لقد ذهبت بي عفويتي في تبني ما أحمله من أفكار ، أن أطالب يوما أحد أصدقائي بمنح العاملين في مزرعته من الفلاحين نصف المحاصيل بدل الربع .. ولم يهدني عقلي بانه لو فعلها ، فسوف يمنى بخسارة فادحه وفق قوانين السوق المعمول بها من قبل الجميع آنذاك .

حين أتطلع اليوم الى الكثير من الوجوه على شاشات تلفزيون بلادي ، وهي تتلعثم في سطر افكارها ، وتعاني من حرجها في مواجهة أضواء لم تتعود عليها ، واحتلالها لمراكز هي ليست من مقاسها ، تأخذني نفسي الى تلكم الايام التي كنت فيها أقتحم غياهب الليل المخيفه ، لكي اتعلم فلسفة تحقق لي ولغيري مدينتنا الفاضله .
ويثير في روحي ألما يرغمني على الابتسام بدل البكاء ، حينما أرى ما انتهيت اليه والعشرات من أمثالي من مصير يتجسد في هذا الضياع المخيف .. ضياع هو أشد من كونه عوز مادي ، بل هو ذلك الاستجداء المتواصل للحصول على كرامة تمنحها المواطنة ، والتي طالما تغنينا بها في ساعات رفع علم العراق أيام التلمذه .

قسمة ضيزى تلك التي حالت بيني وبين أن امتلك في وطني رقعة صغيرة من أرض ، استطيع من خلالها ان ابني لي ولابنائي بيتا تثبت سجلاته بانهم ( عراقيون ) .. وقسمة أكثر مدعاة للسخرية تلك التي تحول بين المئات من ابناء العراق مخلصي النوايا ، وبين أن يمزقوا جوازات سفرهم الغريبة ، ليحملوا بدلا عنها وثائق سجلات دوائر الاحوال المدنية العراقيه ، ويتنسموا رحيق الشعور بالمواطنة الحقيقية ، وهم يمارسون اعمالهم ونشاطاتهم الفكرية بكل كبرياء ، ودون تحسب من أن تكون خاتمة حياة أحدهم ، على يد عابث بالحياة لا يمتلك عقلا ولا سمعه .

ترى .. أين تكمن العلة ؟ .. هل في عدم صحة ما حملناه من معاني تنضح بالعفة والشرف ، وحب الاخرين ، والسعي لبناء وطن تسوده عوالم الخير للفقراء ؟ .. أم أن تلك الافكار لم تكن مشفوعة بثوابت تجعلها أكثر انتماءا للواقع ، وأكثر قدرة على المناورة والتخلي عن روح العفوية المؤطرة بأطر التقليد الأعمى غير العقلاني ، فكان لها أن تعلن تعبها في منتصف المشوار ؟ .

ثمة من يلكزني في خاصرتي وهو يعنفني بقوله ، إنتبه لما هو أهم الان .. وتيقن مما عليك فعله فيما تبقى من عمرك القصير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الأستاذ حامد
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 4 / 12 - 06:48 )
أقرب السير الذاتية إلى نفسي تلك التي تقتصد في التعبير فتدفع القارئ إلى إعمال فكره عما وراء المعنى , وصحيح أنك لم ترفق بعضاً من الوقائع الحية لكني استطعت أن أتمثل ما تبغي قوله ووجدت نفسي في بعض العبارات بوضوح , طارحاً أفكارك بشكل أدبي فني يستهويني حقاً . القراءة السطحية للكاتب كقراءة الصحف محكوم عليها بالنسيان . أن يطلع القارئ على الناحية الانسانية في حياة كاتبه متعة يا أستاذ حامد وأنت تشركنا : انسانياً وأدبياً . شكراً

اخر الافلام

.. مظاهرة حاشدة نصرة لفلسطين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفر


.. أصوات من غزة| أثمان باهظة يدفعها النازحون هربا من قصف الاحتل




.. واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي على رفح غير جغرافية المدينة ب


.. إندونيسيا.. مظاهرة أمام السفارة الأمريكية بجاكرتا تنديدا بال




.. -مزحة- كلفته منصبه.. بريطانيا تقيل سفيرها لدى المكسيك