الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرفة الإنعاش .. بين الموت والضحك !

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 10
الادب والفن


هل ثمةَ ما يُضحكْ ؟
هذا بالضبط ما كنت أفكر به وأنا أُشاهد هذا العرض!
منذ اللحظة الأولى التي وضع فيها مخرج مسرحية "غرفة إنعاش" وهي المسرحية التي عرضت في بغداد مؤخراً تأليف جماعي وإخراج كحيل خالد.
على خشبة المسرح أجزاء من سيارة ودراجة نارية، في باحة المسرح الوطني.. ذلك المكان الذي مازال يحتفظ ببعض جماله.
كانت القطع موحشة، وكيف لا تكون موحشة وهي عبارة عن سيارة كانت مفخخة وإنفجرت لتقتل عشرات الأبرياء ثم لتتحول الى ركام من الحديد الصدئ، كلنا نعلم أن هذه المشاهد باتت مألوفة لدى الشارع العراقي، ولكن ما يلفت الانتباه هو الفكرة التي أراد المخرج أن يعبر من خلالها عن رأيه بما يجري وما يمكن أن يجري لو إستمر الوضع بهذا السوء.
إستفاد المخرج من الصور الكثيرة التي تنشرها الصحف داخل العراق لعدد كبير من السياسيين في البرلمان العراقي وقادة الكتل والأحزاب، وإستفاد من التصريحات النارية لبعض القادة ولتحويل حوارهم السياسي الى مهاترات كلامية على صفحات الجرائد صباح كل يوم، فقام بوضع تلك الصور والمانشيتات العريضة للسياسيين على تلك الأكوام من الحديد الذي كان فيما مضى سيارة مفخخة، في إشارة منه الى ان هذه السيارة وغيرها من أعمال القتل والتفجيرات العشوائية سوف تطال الجميع بلا إستثناء كما يقول المثل المصري (لافرق بين وزير او غفير) حتى ان المنتخب الوطني لكرة القدم الذي قدم لنا الهزيمة على طبق من ذهب في البطولة الأخيرة لم يسلمْ من مانشيتات كحيل خالد فقد نقل عن إحدى الصحف قولها : المنتخب الوطني يغادر ............ ولا نعرف أين هي وجهة المغادرة فما نسمع به عن المنتخب لا يسر عدو او حبيب.
إن هذا الوصف للحال الذي يمر به الشارع العراقي الان يقودنا الى التفكير ومنذ اللحظات التي سبقت العرض الى التساؤل عن شكل العرض داخل المسرح إذا كانت الأفكار التي طرحتْ قبل العرض تشير الى هجوم على الجريمة والإرهاب بكل أنواعه، وفي إشارة واضحة الى أن هذه الجرائم سوف تطال الجميع من سياسيين الى فنانين الى لاعبي كرة قدم ورجال دين، فماذا سيقول هذا العرض ؟ هل ستكون مشاهد الدم التي التي صارت جزء من ألوان الشارع العراقي كل يوم معادة هذه المرة من على خشبة المسرح الوطني، أم أن أفكاراً اخرى أراد المخرج أن نتنبه لها في "غرفة الإنعاش".
هذه المسرحية تشكيلة منوعة لنبض الشارع في الوقت الحاضر، هذا الشارع الذي امتلأ بالقسوة وكثرت فيه الألآم والجراح ، وإبتعدت عنه كل صفات الطيبة والتسامح التي يحكي لنا التاريخ أنها من صفات هذا الشعب.
شخصيات هذه المسرحية متنوعة إلا أن الحيز الأكبر كان للشخصيات الثقافية والتي أراد المخرج التركيز عليها وذلك للدور السلبي الذي تلعبه في المجتمع، والذي أدى الى تكاثر ثقافة الجهل وإنتشارها بديلاً عن ثقافة الوعي والحضارة والرقي كما في المجتمعات المتحضرة، وقد إنحسر دور المثقف في المجتمع الى ما يقرأه من كتب دون أي محاولة منه الى الالتصاق بالشارع ومحاولة معالجة هذه الظواهر السلبية، فكان النقد الموجه من قبل الشخصيات التي ترتدي ثوب الثقافة على المثقف العراقي يحمل الشيء الكثير من القسوة ، ولكنه يعبر في ذات الوقت عن الحالة التي يمر بها هذا المثقف.
تظهر لنا شخصية الشاعر الذي أدى به غروره الى الاعتقاد بأنه أمير الشعر الحديث، حيث نراه وهو يحاول دائماً ان يكون بؤرة الحدث فيتدخل في كل التفاصيل ولكنه لا يتمكن من معالجة أبسط الأمور.
وهناك شخصيتان متقاربتان من حيث المجال الفني الذي ينتميان إليه.
الأول: ممثل يعتقد بأنه أهم ممثلي عصره.
والثاني: المخرج وهو أكثر واقعية من الممثل فنراه قد ترك الإخراج المسرحي وتحول إلى ماسح للأحذية وبيع السكائر وغير ذلك لكسب لقمة عيشه.
أن هذه الأفعال هي إشارات واضحة على ضعف دور المثقف وابتعاده عن نبض الشارع وعدم قدرته على مواجهة تحديات الواقع، وهناك شخصيات أخرى في هذا العرض تعاني من الفقر والجهل منها شخصية الشاب الذي أصيب بالجنون بسبب خيانة حبيبته، وشخصية الباحث عن هويته المفقودة والتي يتعرض بسببها الى الكثير من الإهانات فصارت هويته المفقودة هي كل همومه في هذا العالم وليذهب الجميع الى الجحيم، وهناك رجل العصابة ( الشقاوة) الذي يحاول جاهداً إعادة المجتمع الى عصر الفتوات وفرض سلطته بالقوة على البسطاء في إشارة واضحة الى ما يجري الآن في الشارع حيث إرتفع صوت الجهل وصار أعلى من صوت القانون، وهناك الشخصية البسيطة ( الفتاة الجميلة) طالبة المدرسة التي تعرف كيف تغني باللغة الإنكليزية ولكنها فقدت إحدى ساقيها في أحد الانفجارات فصارت تتمنى لو إنها ذهبت مع ساقها المبتورة بدلاً من بقائها دون ساق.، وشخصيات متنوعة أخرى ترتبط بشكل واضح بحياة البسطاء من هذه المدينة .
إن الأسلوب الفني الذي إتبعه مخرج هذه المسرحية هو أسلوب " الكوميديا السوداء" الذي يُضحك المتفرج والدموع تملأ عينيه حزناً على ما يشاهد من وضع حقيقي يعيش فيه.ان هذه المسرحية بما تحتوي من طاقات شابة من ممثلين ومخرج يقف وراءهم استطاعوا أن يضعوا أيديهم على جراح عميقة في هذا المجتمع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يكفي أن نشير إلى الجرح ؟ ألا ينبغي أن نحاول وضع المعالجات التي ربما تساعد في جعل أصحاب القرار يتنبهون إلى وجود جيل مثقف من الشباب الباحث عن مكامن الخطأ من خلال محاولاته الدائمة في إيقاف هذا النزيف والنزاعات التي تسحق الأبرياء دون سبب يستحق كل هذا الموت؟
ان هذه التجربة تحمل الكثير من الأفكار المهمة التي استطاعت ان تشير بإصبع النقد القاسية على كل القائمين على هذه الدولة الجديدة تحتاج الى رعاية ودعم مستمرين لتحقيق التواصل مع الفن والحياة بعيداً عن الموت والدمار لأن الشباب في النهاية يشكلون جسراً بين الماضي والمستقبل لأنهم الحاضر المهم الذي يحتاج الى كل الجهود لجعله ثمرة ناضجة ، ولا بد لنا أن نذكر الدعم الذي قدمته دائرة السينما والمسرح بفرقها المسرحية العريقة منها والفتية لهؤلاء الشباب والسماح لتجربتهم بأن ترى النور لتكون هذه المؤسسة هي المنفذ الوحيد لأفكار المسرحيين الشباب الجادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا