الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقام التحول.. هَوَامِشُ حَفريّةُ عَلَى المتنِ الأدُونِيسيّ

مازن لطيف علي

2010 / 4 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


إن الأدونيسية ، بوصفها حضورا فكريا وإبداعيا ، ظلت سؤلا يخترق الجاهز الثقافي العربي السائد ، وظلت خلخلة وتفكيكا لأكثر المسلمات رسوخا في الوعي التقليدي ، وثورة في الابداع العربي أصبحت الكتابة معها رقصة نارية على أرض بكر امتلأت بقبور الآله الآفلة ، لقد واجه ادونيس ، منذ بدايات نشاطه الإبداعي لاستثنائي ، ثقافة عربية أضاعت بوصلة الاتجاه في عتمة الحاضر ، وظلت تترنح على عتبات الازمنة الحديثة ، عالقة بأهداب الماضي الذي رأت فيه ما يعصمها من الضياع في عالم جديد ، يقوم على الابداع والتغيير والثورة . في محاولة لدراسة ادونيس والادونسية يحاول الكتاب والشاعر الجزائري (احمد دلباني) في كتابه "مقام التحول _ هَوَامِشُ حَفريّةُ عَلَى المتنِ الأدُونِيسيّ" ( الصادر عن دار التكوين _ سوريا ) لكشف عن مسبقات الوعي الادونيسي، العقلية والثقافية ، مع الاشارة إلى فتوحاته المعرفية والجمالية التي كانت انقلابا اتى كطوفان بهي ، أغرق اوثانا عديدة كانت تعتبر مقدسات وثوبات ، قسم الكتاب الى قسمين ، الاول كان بعنوان " المعنى هو أمام الإنسان " تناول فيه الرؤية الفكرية والنقدية لأدونيس ، وكشف مضمرات الثقافة التي قامت على التعالي والمسبقات ، وقامت على جاهزية المعنى بوصفها سمة لاعتقال العقل داخل المعطى النصي ، دينيا كان ام علماينا / ايديولوجيا . من هنا دعوات ادونيس الى حداثة جذرية الطابع ، تقطع مع الماضوية ومنحى الثبات ، وتدعوا الى عتق المعنى من كل المرجعيات السائدة .. وفي القسم الثاني الذي حمل عنوان " المعنى هو نتاج الكتابة " حيث يلخص المؤلف فلسفة ادونيس الجمالية ورؤيته العامة لمشكلات الكتابة الابداعية كما يراها . إنه ما انفك يدعو ، في كل تأملاته النقدية ، إلى كتابة جديدية تحدث قطيعتها الفكرية والجمالية مع ما هو سائد .

يذكر دلباني ان ادونيس ثار ضد تراث كامل من الفكر الانساني ، كرس تعالي المعنى بوصفه جوهرا يقبع خارج العالم أو بوصفه وحيا يتنزل ليضيء للانسان عتمة العالم والوجود . العقل الاول ، أو اللوغوس ، أو الكلمة الاولى كلها مبادىء مفارقة كرست اغتراب الانسان في الثقافة ذات الطابع اللاهوتي _ الميتافيزيقي ، وفي مكان اخر يذكر دلباني ان الرؤية الشعرية عند ادونيس تقوم على وعي ثقافي وحضاري شامل يتجاوز اطار النقد الشكلاني المبتذل الذي حكم الخطاب النقدي العربي منذ بدايات الحداثة الشعرية ، وحصر قضية الشعر في مسائل الوزن والتفعيلة ، لأن الادونيسية ، وضمن نظرتها الشاملة ، لم تحاول التأسيس لشعر " يزين" العالم بقدر ما ارادت ان يكون الشعر إبداعا لعالم خاص في أفق التخييل..

في خاتمة كتابه يرى المؤلف ان ادونيس كشف عن بنية " الثبات" في الثقافة والفكر العربيين ، وتناول ذلك نقديا ، من زاوية ثقافية وحضارية ، موضحا كساح هذه البنية الثقافية والعقلية السائدة ، وعجزها عن رفع التحديات في عالم اليوم القائم على الكشف والابداع والانسنة وإرادة القوة ، لانها ثقافة تقوم على المغامرة ، ولا تواجه العالم بوصفه مجهولا نسافر اليه ونحاول الكشف عنه بالعقل الحر والابداع الحضاري ، بل تقوم على الاعتقاد بمعيارية الماضي وعصمته وهذا تحديدا ما اسماه أدونيس " الماضوية " التي راى فيها بنية ذهنية سائدة طبعت الثقافة العربية بطابع الجمود ومثلت بذلك إيديولوجية السلطة المحافظة .. ويذكر دلباني ان الادونيسية ، في جوهرها العميق ، نقد . إنها نقد إنسانوي يتبنى ، في عمقه ، الايديولوجية الانسانوية التي تجعل الذات مركزا للعالم وتربط الحداثة بانبثاق الذات ، ويرى المؤلف ان ادونيس اكتسب قيمة استثنائية لكونه مثقفا ومبدعا ادرك جديا ، وبصورة مبكرة ، انه يشكل بداية جديدة ، لعل هذا ما يفسر كونه صاحب " بيانات" أراد من خلالها أن يكون لحظة تأسيس في الثقافة العربية ، تؤرخ للزمن الجديد وتبتكر صيغا جديدة للوجود العربي المعاصر ، فكرا وعملا وحساسية ورؤيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو