الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابات و الإتحادات المهنية في العراق

باقر جاسم محمد

2004 / 7 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


( نظريتان للعمل و دوران مختلفان)

تمثل النقابات و الاتحادات المهنية أحد المكونات الأساسية للمؤسسات الاجتماعية في المجتمع الديمقراطي المعاصر. و يلاحظ المتأمل في تاريخ الحركة النقابية تحديدا، و على مستوى التجربة العالمية ، أنه يمكن استخلاص نظريتين أساسيتين للعمل النقابي و هما:
1. نظرية النقابات المستقلة : وهي الأقدم تاريخا ، وفي هذه النظرية تعبر الممارسة النقابية عن حاجات و مطالب العمال أو الفئات الممثلة لها بالدرجة الأساس. و لعل من المؤسف أن نقرر هنا أن هذا النمط النظري يتجسد في عمل النقابات في الغرب ( أمريكا ، أوربا الغربية ) . و يكون للنقابات في هذه المجتمعات درجة من الاستقلالية مما يمنحها قوة كبيرة و يجعل منها لاعبا أساسيا في العملية السياسية. فهي يمكن أن تنظم المظاهرات و الإضرابات دون النظر إلى رضا أو عدم رضا السلطة القائمة . كما تستطيع أن تسقط الحكومات أو تعمل على وصول حزب سياسي بعينه إلى الحكم كما هو الحال في أوربا الغربية . و يحدث ذلك حتى و إن كانت الحكومات مشكلة من أحزاب محسوبة على الحركة النقابية كما هو الحال مع حزب العمال في بريطانيا أو الأحزاب الاشتراكية في فرنسا أسبانيا و إيطاليا و غيرها . لذلك نجد أن الساسة من مختلف الاتجاهات يتوددون للنقابات و يحرصون على تحقيق مطالبها. و قد يكون في هذا بعض التفسير لتحول اليمين الغربي و أحزابه إلى الاهتمام بالجانب الاجتماعي في برامجها السياسية. و أهم ملمح في هذه التجربة هو أنها تطرح قيادات عمالية منبثقة من صميم الحركة العمالية نفسها. كما تشكل النقابات قوة اقتصادية مهمة مما يعزز دورها الاجتماعي و السياسي.
2. نظرية النقابات الملحقة بالحزب السياسي الحاكم : و الإلحاق هنا يعني تحجيم دور النقابات بما يوافق ما يراه الحزب السياسي . و من الواضح أن هذه النظرية غير قابلة للتطبيق إلا بعد تسلم زمام السلطة من الحزب . وهي تستند في هذا الأمر على تسويغ نظري يرى أن التناقضات الاجتماعية قد تم أو بدء بحلها جذريا بتولي الحزب ( الشمولي ) للسلطة. لذلك دور و مهمات النقابات قد اختلفا عما كانا عليه في النظام الرأسمالي . وقد تمنح القيادة الحزبية ، في أول عهد تسلم السلطة ، دورا إيجابيا للنقابات لدفع العمال إلى الالتفاف حول القيادة النقابية التي تمثل الحزب . لكنها و بمرور الوقت تبدأ بقضم و تقليص دور النقابات إلى حد إفراغها من محتواها الطبقي و تحويلها إلى منتديات للتنظيم الحزبي و بذلك يتمكن من يكسب للحزب أكثر من تسلق سلم القيادة النقابية . و هذا سيؤدي أيضا إلى تقليص الدور الاجتماعي للنقابات حتى أنها قد تتحول إلى هيئات لجمع الاشتراكات و تنظيم التظاهرات التي تطلبها السلطة أو قد يصل الأمر الى درجة من الخطورة بتحول القيادات النقابية إلى أذرع أمنية للسلطة ضد العمال كما حصل في عهد صدام إذ لم نشهد أية مظاهرة تقوم لاستنكار قيام أزلام النظام البعثي السابق بالتعذيب العلني للعمال في منشئات التصنيع العسكري حيث كان يجري تجميع العمال و الموظفين في الساحات ومن ثم يؤتى بالعمال ( المذنبين ) و تتم عملية ممارسة التعذيب علنا و أمام رؤوس الأشهاد.
إن تحول النقابات عن القيام بأدوارها الطبقية يمكن أن يؤدي إلى كوارث جسيمة لعل أهمها هو خسارة النظام السياسي للطبقة العاملة . و أهم أنموذج في هذا السياق هو خسارة حزب العمال البولندي الموحد ، وهو حزب شيوعي يفترض أنه يمثل الطبقة العاملة ، لولاء الطبقة العاملة البولندية في بداية الثمانينيات من القران العشرين وتحول جماهير العمال البولنديين إلى نقابة التضامن المستقلة . و نعتقد أن بداية انهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي و أوربا الشرقية قد بدأ من هذه الخسارة الجسيمة ذات المغزى التاريخي الكبير .
و انطلاقا من هذا الفهم النظري لطبيعة و دور النقابات في المجتمع يمكن أن نطرح سؤالا مهما وهو: ما هي الصيغة النظرية و التطبيقية التي نريدها للنقابات و الاتحادات المهنية في عراق المستقبل ؟ أهي صيغة الضم و الإلحاق و اعتبار النقابات مجرد واجهات للعمل الحزبي أم أنها صيغة تعطي للنقابات دورا فاعلا و مهما و ذلك عبر منحا استقلالية في العمل و التنظيم و المبادرة الاجتماعية ؟
إن إلحاق مؤسسات المجتمع المدني ، و بخاصة النقابات و الاتحادات المهنية ، يؤدي لا محالة إلى أمرين سلبيين خطيرين هما :
الأول ضعف دور هذه المؤسسات في العملية السياسية و الاجتماعية و تحولها من الإسهام الإيجابي الفعال في الحراك الاجتماعي إلى مؤسسات مقلمة الأظافر و محجمة الأدوار بما يلائم حاجات السلطة و توجهاتها السياسية . فهي تنطق بلسان الحزب و السلطة و ليس بلسان الجماهير أو الطبقات التي يفترض أن تكون ممثلة لها .
الثاني تقوية النزوع نحو الاستبداد لدى من هم في السلطة و التسريع في صناعة كاريزما الدكتاتور المستقبلي إذ يخلق الغياب شبه المطلق لأي شكل من أشكال المعارضة حتى من المؤسسات الاجتماعية القائمة في ظل السلطة نوعا التأييد الزائف مما يدفع القائمين على السلطة إلى استمراء لعبة تكميم الأفواه المعارضة . لذلك نقول أن الصيغة المرجوة للنقابات في عراق المستقبل هي صيغة النقابات الحرة و المستقلة . و يمكن أن نضيف هنا النقاط المهمة الآتية :
1 أن النقابات يجب أن تكون ممثلة للنسيج الطبقي الاجتماعي و الفكري لأبناء الشعب العراقي .
2 أنها يجب أن تكون نقابات موحدة للعراق كله . فلا يجوز أن تكون لدينا تعددية في النقابات تماثل التعددية الحزبية .
3 يجب يضمن القانون استقلالية النقابات تنظيميا و ماليا عن السلطة .
4 يجب أن يكون النضال المطلبي هو المحور الأساس لعمل النقابات . و أن ينص على ذلك في القانون . إذ كلما تمسكت النقابات بمطالب من تمثلهم كان ذلك ضمانة لها و للمجتمع معا في حياة ديمقراطية سليمة و صحيحة و بعيدة عن الانتكاسات .
5 أن تكون الاتجاهات السياسية المختلفة ممثلة في القيادات النقابية على وفق النسب التي حصلت عليها في التصويت . فلو فرضنا أن ثلاثة أحزاب هي(أ ) و ( ب ) و (ج ) تنافست في انتخابات نقابة ما و حصلت على النسب الآتية : 50% و 30% و 20% على التوالي ، فأن مجلس النقابة يجب أن يعكس هذه النسب تماما .
أن النقابات التي تعكس المصالح الطبقية لمن تمثلهم و تقوم بدورها على النحو الذي أوردناه ستكون أيضا ورشا للعمل و التربية الديمقراطية و التعود على طريقة الحوار في العمل السياسي . و نعتقد أن ذلك مما يدعم العملية الديمقراطية الوليدة على أرض الرافدين . كما أنه يؤسس لتجربة متقدمة في العمل النقابي في الوطن العربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق