الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


9 نيسان وسقوط ما لم يسقط

عبدالمنعم الاعسم

2010 / 4 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



نعم، سقط رجل مستبد من علياء السلطة الى المزبلة، ففي التاسع من ابريل 2003 كان موعده مع نهاية الشوط، أو كما قال مندوبه لدى الامم المتحدة محمد الدوري آنذاك: "انتهت اللعبة" وهو تعبير يجمع بين الذهول الذي عم العالم حيال هذه الحرب التي حطت ركابها في ساحة تحرير بغداد ، وبين التسليم لزمن قاهر لا يعود الى الوراء، مثل اي حالة موت.
كان سقوط الرجل مدويا، في الزمان والمكان، وكان سيكون اكثر دويا واثرا لولا تلك المراهقات السياسية للكثير السياسيين القابضين على سلطة ما بعد السقوط، ولولا نعرات التشفي والانتقام الطائفية وسلسلة المحاكمات، هابطة المضمون والاداء والمستوى، ولولا "خربطات" برايمر ونزقه، وتخبطات جيش الدولة الغازية، وكل ذلك ترك لـ"ساقط" هامشا يلعب فيه برهاوة، هو، ليعيد تركيب الهزيمة الشنعاء التي مني بها باقل كلفة من الصفاقة، وغيره، لكي يحاولوا احياء ارث عتيق من النحيب على الاطلال وعلى ضياع الاندلس، ثم ليجعلوا منه ذكرى آسفة، او عنوانا لاعادة عقارب التاريخ الى الوراء.
لم يكن صدام حسين يتصرف، ولا لمرة واحدة، انه سيترجل عن السلطة، بل انه لم يكن يعتقد ان قوة على الارض بمقدورها القائه خارج اللعبة، وقد عبر عن هذا الوهم القاتل في ما لا حصر له من المواقف، فعدا عن الاف النصب والجداريات التي انتشرت في ساحات بغداد والمدن العراقية وحرصت على "تخليد القائد" فانه دس اسمه، صريحا او مؤشرا له، في رقائق وزخارف واحجار دينية وآثارية ترفعه الى مصاف الانبياء، وتختزله الى اية سرمدية من آيات الكون، ولنقف سريعا عند "جامع ام المعارك" الذي تركه "على العظم" فالمنارات اشبه براجمات الصواريخ، على ارتفاع 43 مترا بعدد ايام القصف الجوي في حرب الكويت فيما عدد المنارات الداخلية الاربع تشير الى شهر ولادته (نيسان) وارتفاعها البالغ 37 مترا يؤرخ العام الذي ولد فيه، فيما الفسقيات البالغ عددها 28 فسقية فهي يوم ميلاده، وهكذا اختصر هذا البناء الذي شاء له ان يكون اكبر جامع في العالم الى مفردة تشكيلية تتحدى القدر، وتنتصر عليه.
عندما سئل عدي، ولده، مرة من مراسل اجنبي عن رأيه في "خلافة الوالد" ضحك استهزاءا من عقل المراسل، قائلا: عمره طويل، وعندما كان يزور العتبات المقدسة كان يحرص على سماع رواية انه من سلالة النبي، وفي التاريخ كان الاسكندر الكبير قد فرض على الكهنة الاعلان عن كونه ابنا للالهة زيوس.
وفي المزابل فطائس كثيرة من الطواويس.
وبوجيز الكلام، فان الكثير من المتابعين لسقوط نظام صدام حسين اعتقدوا ان احدا من العراقيين لن ياسف على رحيل ذلك العهد الذي ترك من الذنوب والخطايا بحقهم ما لا يستحق الاسف، بل اقله الازدراء ، كما اعتقد البعض منهم (في الغرب بخاصة)بان الطبقة السياسية الجديدة التي تصدرت الحكم منذ التاسع من نيسان قبل سبع سنوات ستأخذ العبر من نتائج تشبث صدام بالسلطة، وتهميش المعارضين والشرائح المتذمرة، غير ان الصراحة والموضوعية تلزمان القول ان تلك الفرضيات لم تتحقق على الارض، إذ اكتوت شرائح آمنة بعواصف الغبار الطائفية وبتردي الخدمات وانعدام الامن والاستقرار ودفعَ العشرات من الالوف من العائلات ثمنا باهضا من التضحيات والتنكيل في مجرى انتشار الاعمال الارهابية والاستئصال الطائفي الامر الذي جعل الكثيرون يحنون الى العهد السابق بالرغم من مساوئه الوفيرة.
من جانب آخر كرر الكثير من السياسيين واصحاب القرار ممارسات صدام حسين وطريقته في ادارة الشؤون العامة والاستئثار بالسلطة والتصرف بالمال العام، بل واهداره، وتكوين البطانات والحبربشية من ابناء القرية والعشيرة، فضلا عن التعالي على المواطن، ومخاطبته من وراء حزام الحراسات السميك، والصارم، وينبغي ان نضيف الى هذه الحقائق حقيقة اخرى لا تقل اهمية وخطورة وتتمثل في إبقاء الغالبية الساحقة من القوانين التي اصدرها صدام حسين، والتي شكلت قيدا على حياة الملايين العراقية بما اتسمت به من زجر وكيفية.
في هذه المفارقة التاريخية، وتناقضاتها وفجاجاتها، بدا ان الدكتاتور صدام حسين سقط ولم يسقط .. سقط، كنظام سياسي لا رجعة له، لكنه استمر في جانبين،الاول، في ما يتعلق بانصار واتباع بقوا ينفخون في "امل" انهيار التغيير وعودة السلطة اليهم، والثاني، استمرار فن الحكم الصدامي في الممارسات والاساليب والاخلاقيات وقواعد الحكم، وحتى في اضراب الرؤيا للعلاقات مع العالم والدول المجاورة.
على ان التطبيقات الكيفية والطائفية والمضطربة لاجتثاث البعث واستهداف بعض الاجراءات خصوما سياسيين خلقت هي الاخرى اجواء يستطيع معها غلاة المجرمين في العهد السابق يظهرون كما لو انهم ضحايا لنزعة الانتقام وشفاء الغليل، الامر الذي اضاف تعقيدا لمسار التغيير، ووضع منجزاته في مهب الريح، وطرح سؤالا وجيها على الوجه التالي: مالفرق بين هذه الاجراءات الاستئصالية واجراءات صدام حسين التي لاحقت المعارضين، واجتثت ارادة الشعب ايضا؟.
ـــــــــــــــ
كلام مفيد:
" الراي قبل شجاعة الشجعان..".
المتنبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارقام السيارات واجازات السوق
على عجيل منهل ( 2010 / 4 / 11 - 21:19 )
لقد ابدع الاستاذ عبد النعم الاعسم فى مقالته, تصور رغم تشابه حواداث الانفجارات الجارية فى بغداد وخصوصا تفخيخ السيارات لم تقم الحكومة وشرطة المرور فى بغداد بانجاز ارقام قانونية وصحيحة لكل السيارات, وتحديد الملكية والالتزام باجازة السواق بشكل الزامى وهذه الامور تكشف استهتار بدماء الشعب الجارية يوميا فى العراق وهذا يسهل عمل الانفجارات فى بغداد


2 - تحية
اشرف ( 2010 / 4 / 11 - 22:08 )
لو اتفقنا معكم جدلاً بكل ما تنظره من فقه وحكمة وصواب تحليل ... اين انتم وماذا حققتم للناس ؟... انتهى عهد صدام بما فيه ... وانتم في عهد العراق الجديد الديمقراطي ... فهل وجدنا الاعسم في علياء العهد الجديد ام انه في مزابل الاحتلال ... تركله العمائم التي يعرف جيدا درابينها .؟؟... هل تعرفون ماذا تقول عنكم الناس ... وعن هزيمة الحزب في الانتخابات ؟.... هل استطعت انت او غيرك من الخطباء والاساتذة والمفكرين وعباقرة التحليل ان تكسبوا مقاعد بقدر ما كسبه - مقتدى اتاري 40 مقعد ؟... هل هو افهم منك واكثر خبرة من حزب عمره 76 عاماً ... يلوذ بين بساطيل الاحتلال واقزام كلهم اعداء تاريخيين للشيوعية ...
تعتقدون انكم بمقدوركم تبرير فشلكم وخيباتكم وانهزاميتكم امام الجماهير ...
؟؟؟. هذا الكلام لا يحظى بقبول ابسط الناس ...
امنين اجيب احظوظ للحظ ....
والله ... اعرفك جيدا ......... من انك نموذج للانتهازية والوصولية ,, وتجيد تحقير ذاتك بقدرة عالية .


3 - ماذ تريد اذا
كريم الدهلكي ( 2010 / 4 / 12 - 06:40 )
يبدو ان الاستاذ اشرف حزين على رحيل طاغيته ويتالم ويشعر بمراره على فقدان جرذه صدام بطل الحفره الللامتناهي هو يعرف ان ما يسمى مقتدى وهو يقول اتاري وهذا حق له لان ليس بمقتدى تجري الانتخابات وانما هنالك امور كثيره جعلت من الشارع الشيعي ان ينتخب مقتدى وهو يعرف ان قطاعات كبيره من الشعب العراقي مغيبه الوعي وهذا بفضل سيدهع المقبور من يعرف الشيوعيه والديمقراطيه واليسار طيلة 40 عام لااحد وما دخل الاستاذ عبد المنعم الاعسم بحصول الحزب الشيوعهي او عدم حصوله رجل كاتب ومحل سياسي مستقل الان يتناول الموضوع العراقي بحصافه وبموضوعيه وبتجرد ارجو من الاخ اشرف الانتباه الى ذلك وان يكون طرحه موضوعي

اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟