الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعلانات التجارية على الفضائيات من الأسمدة الزراعية إلى المجوهرات ومستحضرات التجميل

هويدا طه

2004 / 7 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في برنامج وثائقي مترجم بثته فضائية عربية يتناول التطور الذي حدث في الإعلان التجاري، كان اللافت للنظر أنه يتابع تطور الإعلان التجاري في الولايات المتحدة أساسا، بدء ً بتلك الأيام التي كان التليفزيون فيها أبيض وأسود، وحتى الوصول إلى الإعلان(الأممي)أو الكوني أو الدولي، حيث أصبحت الشركات متعددة الجنسيات وعابرة القارات هي المتحدث باسم العولمة والمعبر عنها، وحيث أصبحت تلك الشركات توحد إعلاناتها عن منتجاتها، فيرى المشاهدون في أنحاء العالم نفس الإعلان، الهندي والعربي والأفريقي وغيرهم، يرون نفس المرأة اليافعة الشقراء الجميلة وهي تؤثر على قرارات خطيرة وتغيرها، لأنها تتعطر بعطر ٍما تنتجه الشركة المعلنة، ورغم أن العولمة هي حلم إنساني قديم، وهو في الواقع حلم نبيل، فإن جانبها الاقتصادي الجشع جعل الكثيرين يقعون في فخ مهاجمتها بشكل مطلق، باسم الخصوصية تارة، وباسم التقاليد تارة أخرى، أو باسم الوطنية أو الدين أو غيرها من الدوافع، لكننا هنا سنتوقف فقط أمام أحد إفرازاتها الاقتصادية التي أثرت على الجوانب الأخرى في حياة البشر، وهي الإعلان التجاري عن السلع والمنتجات والبضائع، وبالأخص الإعلان التجاري في التليفزيون العربي، سواء كان تليفزيونا محليا لا يتعدى نطاق بثه حدود الدولة أو حتى بضع مدن ٍ فيها، أو كان تليفزيونا عربيا فضائيا يشاهده المتحدثون بالعربية في كل أو معظم أنحاء العالم، فكثير من البحوث العلمية التي أجريت لمقاربة تأثير الإعلان التجاري، توصلت إلى القول بأن الإعلان التجاري تحول إلى أداة هدم اجتماعي، وإن كان المبرر يختلف من بحث ٍ إلى آخر حسب منطلقاته الفكرية، فالبحث الذي أجرى من منظور ديني، ينتقد بشدة الخلاعة الواضحة في الإعلانات التجارية، وينتقد جلبها لقيم ٍ مغايرة للقيم الإسلامية أو حتى القيم المسيحية الشرقية، بينما بحث ٌ أجري من منظور ثقافي صرف، انتقد بشدة المفردات الدخيلة على اللغة العربية، التي تستخدم في الإعلان التجاري من باب(خفة الظل أو الاستظراف)أو الكوميديا من أجل جذب المشاهدين، وهي خطر على اللغة وخطر على الثقافة وخطر على المتأثرين بها لاسيما الأطفال منهم، وهناك بحوث اقتصادية أظهرت كم هو مدمر اجتماعيا، تأثير الإعلان التجاري عن سلع مترفة باهظة الثمن على شعوب كادحة أو فقيرة أو معدمة، أو على الطبقات الفقيرة من مجتمع تستطيع قلة من أفراده شراء تلك الأشياء، من عطور ومجوهرات ماسية وذهبية ومستحضرات تجميل، أو قصور ٍ في منتجعات خضراء كتلك التي يعلن عنها كل دقيقة في الفضائيات، وبينت تلك البحوث أن سوق الإعلان المحلي- كما الدولي- صارت تهيمن عليه الشركات متعددة الجنسيات، وهي التي اختلقت ظاهرة(الإعلان الدولي)، أما البحوث التي تهتم في مرجعيتها بقضايا المرأة العربية، فقد انتقدت تقديم المرأة في صورة مثيرة، وأحيانا مسفة، هذه وغيرها من البحوث قدمت في مجملها صورة تقترب كثيرا من الواقع، فالإعلان التجاري أصبح جزء ً من ثقافتنا اليومية، ولا تضبطه آية ضوابط في القنوات الفضائية، الجادة منها والمتساهلة على حد ٍ سواء، لكن أكثر الأشياء التي تثير الألم حقا، أنك لا ترى- إلا نادرا- إعلانا واحدا عن سلعة ابتكرها العرب أو صنعوها، فكلها سلع أنتجها العالم- سواء شرقه أو غربه- إلا العرب، الذين لا ينتجون إلا مزيدا من ملايين البشر، المتميز من بينهم إما يهاجر إلى الغرب أو ينتحر أو يتحول إلى نسخة من بن لادن أو صدام حسين! وفي إحدى تلك البحوث نقل كاتب تونسي انطباعه بمرارة، إذ قال:" عندما ذهبنا للتعلم في فرنسا، كان لدينا يقين بأنها دولة عظيمة، لأنها فتحت لنا أبوابها لنتعلم ونستفيد من نتاجها الحضاري، حتى سمعت كلمة للرئيس جورج بومبيدو قال فيها لكل الفرنسيين: علموا هؤلاء القادمين من الشرق اللغة والثقافة الفرنسية ليشتروا كل شيء فرنسي بعد ذلك"، ويتابع الكاتب المحبط قائلا:" تهاوينا سريعا أمام حضارات تبيعنا أشياءها المادية لكنها ترفض أن يصلنا شيء من روحها، تبيعنا أحمر الشفاه والسيارات وماركات الملابس العالمية وجهاز الكمبيوتر، لكنها لا تسمح لنا بأن نتقن صناعتنا الخاصة بنا، ولن تصدر لنا قيم الحفاظ على الوقت وحرية القرار والنقد الموضوعي وقيم العمل، بسبب ما لدينا من قابلية للاستعمار، بل وحبنا له". ورغم ما شعر به هذا الكاتب من مرارة، فإن العبء ليس كله على أصحاب تلك الحضارات، فأين نحن إذن؟ إذا كانوا هم يريدون بيع منتجاتهم فهذا حقهم، لكننا نحن العرب، لا نريد أبدا أن نعترف أننا نخدع أنفسنا عندما نستمر في تصديق أننا خير أمة أخرجت للناس، نخدع أنفسنا ونحب أن يخدعنا الآخرون، ففي منتصف القرن الماضي كان هناك مشروع حضاري عربي يحلم بالنهضة والتنمية والتقدم، وفي ذلك الوقت بدأ البث التليفزيوني المحلي إلى جانب الإذاعة، وعرف ذلك الجيل الإعلانات التجارية أيضا، لكنها كانت إعلانات في معظمها تسوق سلعا ننتجها نحن، أو نحاول أن ننتجها نحن- حتى لو كانت بسيطة-، كان المشاهد أو المستمع يجد إعلانا عن سماد زراعي يساعده في إنتاج غذاءه بشكل أفضل، أو يجد إعلانا عن ماكينة مستوردة أو محلية تساعده في تطوير ورشته أو صناعته البدائية، أو حتى إعلانا عن مسحوق غسيل أنتج محليا في إطار مشروع حالم بالنهضة، لكن هذا المشروع أجهض لأسباب ٍ ليس هنا محل ذكرها، أما الآن، فالإعلان الدعائي في التليفزيون العربي الذي صار فضائيا، يعبر عن استسلام تام أو تسليم تام بأننا إما لا نستطيع أن نصنع شيئا، أو(لا نريد)أن نصنع شيئا، إعلان إما لتكريس ثقافة استهلاك ما أنتجه الآخرون حتى ولو لم نكن في حاجة إليه، كالإعلان عن المجوهرات الماسية والفيلات الفخمة والعطور ومستحضرات التجميل، أو إعلان دعائي لا يتعلق بسلعة، وإنما بثقافة تكرس لما نحن فيه من غيبوبة وتواكل وكسل وتلذذ بتحكم الآخرين فينا، ولا تعرف تحديدا من هي الجهة الممولة له، كمثل ذلك الإعلان الدعائي الذي يظهر شابا يجري لاهثا ضائعا حائرا بين متطلبات الحياة وضغوطها، في المدرسة والشارع والأسرة، وإذا به يسمع آذان الصلاة فتتحول الخلفية والحياة من حوله من زحام وضجيج وتهديد ووعيد، إلى سحب صافية وربيع، ويبدأ بالصلاة فتنتهي كل تلك الضغوط المزعجة، بالطبع الصلاة واجب ديني وهي بالضرورة تريح الناس، ولكن هل فعلا- ودون أي تحسس ٍ من السؤال- هل إذا صلينا تنتهي مشاكل التخلف العلمي والصناعي والاجتماعي التي نعاني منها؟ والتي جعلتنا أسوأ أمة بين الأمم؟ ألا نحتاج إلى ثورة قيمية تغير مكانة العلم عندنا لتجعله في المرتبة الأولى بل والأعظم؟ كي يذهب بنا إلى ما ذهبت إليه الأمم التي تبيعنا منتجاتها الآن؟. وإضافة إلى تلك الإعلانات الدعائية التي تهدف إلى تكريس ثقافة ما، هناك أيضا الإعلان التجاري الذي يكرس تسليمنا التام بعدم القدرة على الإنتاج، بل و(يفاخر)بكوننا نشتري منتج الغير، حتى أن إعلانا غريبا عجيبا عن سيارة أمريكية(يعاير.. نعم يعاير!)الأمريكان بأننا نشتري منهم بأكثر مما يشترون هم من إنتاجهم! ذلك الإعلان الذي يدور فيه حوار بين رجل ٍ سعودي ورجل أمريكي، وكلا منهما يصف(بفخر)ما تملكه بلاده، يقول الأمريكي:أووه.. نحن لدينا البيت الأبيض، وتظهر في الخلفية صورة البيت الأبيض بما له من(هيبة)، فيقول السعودي مستخفا: هاها.. أنا لدي اثنين، وتظهر في الخلفية صورة قصري السعودي بما لهما من(فخامة)، فيقول الأمريكي(بحسم): نحن لدينا- بل نحن صنعنا- تلك السيارة الرائعة، وتظهر صورة السيارة المعلن عنها، فيضحك السعودي ويقول بفخر(أي والله العظيم.. بفخر!): هاهاهاها.. أنا عندي منها اتنين!!

** شخصية فضائية
أحمد نظيف- رئيس الوزراء المصري الجديد- الذي فوجئ المصريون بتعيينه خلفا للدكتور عاطف عبيد، بعد عودة الرئيس مبارك من ألمانيا(سالما معافا، أو هكذا يبدو من باب العند والنكاية في الجميع!)، تسلم رئاسة الوزارة في بلد ٍ لم تعد تنفع فيه أي وزارة عادية، لإصلاح ما تم تدميره، إذ يقال أن السمكة تفسد من رأسها، ولهذا لن يجدي في مصر تغيير زعانف السمكة الفاسدة أو ذيلها، المسكين بمجرد إعلان اسمه في المنصب الجديد، أراد الناس أن يتعرفوا إلى شكله- من باب الفضول لا من باب الأمل-، فقد كان وزيرا للاتصالات أو المعلومات أو شيء من هذا القبيل، ولا يظهر في التليفزيون كثيرا مثل المرحوم صفوت الشريف مثلا، أو غير المغفور له عاطف عبيد، ثم ظهر في التليفزيون المصري بحكم منصبه الجديد وعرف المصريون ملامح من ستتناوله نكاتهم في المستقبل القريب! بالطبع طبقا لحجم فشله ستكون النكات، لكن بعض الأشقياء من رواد القهاوي رشحوا(اسمه)منذ اللحظة الأولى ليكون محورا لنكات المستقبل، أحدهم قال إن مبارك قال لعاطف عبيد:"سلمني نضيف.. أسلمك نضيف"! وآخر قال إن عاطف عبيد كان صاحب مزاج(سوداوي)، أما أحمد نظيف فمزاجه(أكثر بياضا)! هذا عن بعض النكات، أما الواقع الأكثر مرارة، فكان تصريحا أدلى به رئيس الوزارة الجديد بنفسه، إذ أراد الرجل أن يجهزنا للتنبؤ بأنه(ناوي يجيب مصر ع الزيرو)!.. حيث قال مصرحا للتليفزيون المصري:" أنا جيت(أتمم)ما قامت به الوزارة السابقة"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسائل عسكرية قادمة من صنعاء.. الحوثيون يبدأون معركة -الطوفان


.. ماذا تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لفرنسا؟ | #




.. أبرز التحالفات المتنافسة في الانتخابات التشريعية الفرنسية


.. استطلاع: أغلب الإسرائيليين يعتقدون أن حرب غزة مستمرة بسبب اع




.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة