الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصانة الذاتية

عصام عبدالله

2010 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يؤكد الفيلسوف الفرنسي المعاصر "جاك دريدا" : أن حدث 11 سبتمبر هو عرض من أعراض أزمة "المناعة الذاتية"، فقد فشل النظام الغربي في التنبؤ بما يمكن أن يحدث نتيجة عيوبه الداخلية. كما أن منطق "الحصانة الذاتية" هو الذي دفع منظمي الحدث للقيام بهذا الفعل. وهكذا يطرح دريدا لأول مرة مصطلح "الحصانة الذاتية" ليغدو مصطلحًا فلسفيا يشير إلي الظاهرة الدينية والتشدد والأصولية بصفة عامة.

ومن ثم فإن المجتمعات التي تمضي إلي تكريس هذا المصطلح، تحاول أن تضمن لنفسها ولأنظمتها تحصين الذات والحفاظ علي الخصوصية، كما يتيح لها المضي في الانفتاح علي الآخر واكتشافه والتعرف عليه بما يضمن للذات أن تحافظ علي نفسها. وتبني الحصانة الذاتية. ما يعني ضمنًا أن هناك تهديدًا يحدق بالذات ويستهدفها"(1) .لذلك يشكك دريدا في مصطلح "الإرهاب" قائلاً : " كلما ازداد المفهوم غموضًا أصبح عرضه للتطويع الانتهازي" (2).

إن كل طرف يشهر المصطلح نفسه في وجه الطرف الآخر المناوئ. وهكذا، فإن الصراع يكشف عن صراع القوي بين الأطراف وليس عن " العجز " عن تعيين المفهوم أو تحديد المصطلح. يقول دريدا عن الاضطرابات الناجمة عن استخدام المصطلحات : " وكل هذه الأشياء لا يجب التعامل معها باعتبارها مجرد خلل في التنظير أو فوضي في المفاهيم. علي العكس من ذلك، يجب أن نري فيها استراتيجيات وعلاقات القوي، فالقوي المهيمنة هي القوي التي تتمكن في ظروف معينة من فرض تسميتها، ومن ثم فرض التأويل الذي يناسبها، وبالتالي إضفاء الشرعية علي هذه التسميات بل وتقنيتها علي المسرح القومي أو العالمي" (3).

إن ذلك كله يكشف ، كما يقول دريدا، عن عمق الأزمة التي يعيشها العالم، وثمة أطوار ثلاثة لهذه الأزمة، الأولي تتمثل في استمرار الحرب الباردة علي الرغم من إعلان نهاية هذه الحرب بانتصار نظم الليبرالية الغربية. فالذين اقترفوا 11 سبتمبر هم من بقايا "الجيوش" التي تبنتها الولايات المتحدة في حربها "الباردة" ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وهاهي البقايا لا تسلم بنهاية الحرب الباردة وتوجه عنفها نحو القوة المتبقية (الولايات المتحدة تحديدا). الطور الثاني يتمثل في حقيقة انتشار أسلحة الدمار الشامل في عصر الإرهاب الكوني. وفي ظل استحالة الالتزام بسياسة الردع والتوازن الاستراتيجي، علي ما مضي عليه الأمر إبان الحرب الباردة، فإن خطر الإرهاب الكوني يجعل محاولة تخليد 11 سبتمبر كحادثة تاريخية (تذكارية) علي ما حاول ويحاول الإعلام الجماهيري، أقرب إلي التهرب من إمكانية وقوع ما هو أفظع.

أما الطور الثالث فيتلخص في التسرع، بل الاستسهال، في إشهار الحرب علي الإرهاب. فمثل هذا الاستسهال إنما يشي بتجاهل لخطر غياب الحدود ما بين الحرب والإرهاب. والحرب علي الإرهاب من دون حرص علي تبين الحدود، الأخلاقية والسياسية، الفاصلة بين الاثنين، قد تجعل من الأولي محض مزاولة للآخر، وهذا ما يدفع المناعة الذاتية إلي حدودها القصوي.

ويربط دريدا هذه الفكرة بما سبق وأكده بالنسبة للعولمة، فقد أخفقت العولمة في تحقيق العدالة بين المجتمعات، لأنها انحازت إلي جانب الدول الغنية المهيمنة، التي بدورها احتكرت منافع العولمة، من هنا فإن الإرهاب يمثل ردًا رمزيا علي خطاب العولمة، والإرهابيون يؤكدون أنهم محرومون، وبأنهم خاسرون ومهمشون ومهملون علي قارعة الطريق"(4)

وهكذا يستحيل الإرهاب "سمًا وترياقًا".، فهو الترياق لأنه سيحقق "الحصانة الذاتية" وهو السم لأنه كفيل بـ "تقويض" (الآخر) الذي يهدد الوجود، فالإرهاب هو "الفارماكون" Pharmakon والعودة إلي الدين تنبثق أساسًا من فكرة العودة إلي "الأصل" origin، بكل تجلياته " فالأصولية هي العودة إلي نقاء الأصل والتطهير من التلوث الطارئ علي الأصل من العالم، ومن تاريخه ".

الهوامش:
1- جاك دريدا : ما الذي حدث في "حدث" 11 سبتمبر؟ ترجمة: صفاء فتحي، المجلس الأعلي للثقافة، القاهرة، ط1، 2003، ص - 15.

2- المرجع نفسه: ص ص: 78 و79.

3 - المرجع نفسه: ص - 83. وقارن هذا الكلام بما قاله عن حيازة "آخرية" الآخر عن طريق عنف الحرف والاختلاف والتصنيف والتسمية، في "علم الكتابة".

4 - Derrida: of Grammatology, Trans by Gayatri Chakravorty Spivak, The Johns Hopkins University Press, ed 1976, P.107








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ