الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوار الافريقي للعرب

محمد سيد رصاص

2010 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كان العرب من أكبر الخاسرين نتيجة انتهاء مرحلة الحرب الباردة بين عامي1989و1991،ولم يفقهم في الخسارة سوى الروس الذين لم بفقدوا فقط النفوذ الدولي والاقليمي وإنما أيضاً أراضي الامبراطورية التي تجمعت لديهم بزمني القياصرة والسوفيات،فيمااستطاعت أمم أوشعوب أخرى أن تُحصِل أسهم مرتفعة في بورصة العلاقات الدولية نتيجة الأوضاع الجديدة الحاصلة في مرحلة(القطب الواحد للعالم)،مثل الهند بالرغم من كونها كانت حليفاً أساسياً لموسكو في مرحلة الحرب الباردة.
هنا،كانت القارة الافريقية السمراء موضع اهتمام أميركي كبير خلال مرحلة مابعد الحرب الباردة،ويبدو أن النظرة الأميركية إلى ثرواتها،ومايرسم لهذه القارة من أدوار في واشنطن،هما ماينقلها إلى وضع الاهتمام العالي غير االمسبوق عند الأميركان،إلى درجة أن الجهد الرئيسي الذي بذلته واشنطن بعقد التسعينيات،إضافة إلى الشرق الأوسط والبلقان ،قد كان في القارة الافريقية من أجل تحجيم ونزع النفوذ الفرنسي في دول رواندا وبوروندي وزائير وساحل العاج،وهذه النظرة لافريقيا هي التي جعلت العاصمة الأميركية تنسى الماضي القريب وتقوم بتبني و"إعادة تأهيل"حلفاء موسكو السابقين،مثل(الحركة الشعبية)الحاكمة في أنغولا الغنية بالنفط،والتي بذلت واشنطن منذ عام1976الكثير من الجهد في محاربة سلطتها في لواندا حتى انهيار راعيها السوفياتي الذي كان يموِل ويسلح الجنود الكوبيين هناك.
من الطبيعي،في هذه الحالة،أن تظهر العلاقات العربية – الافريقية في حالة اختلال التوازن لصالح الأفارقة في العقدين الماضيين(مثلما أدى "فراغ القوة العربي"إلى تنامي قوة الجوارين الايراني والتركي)وهي حالة كان عكسها قائماً في الستينيات والسبعينيات لماكانت القاهرة بزمن الرئيس عبد الناصر قبلة سياسية لمعظم الدول الافريقية حديثة الاستقلال،فيما رأينا الدول الافريقية تتقاطر بالعشرات،في أواخر عام1973،بعد قليل من حرب تشرين والحظر النفطي العربي المرافق لها،من أجل قطع العلاقات مع اسرائيل،ثم كانت مصر والسودان والصومال في وضع لاتستطيع واشنطن الاستغناء فيه عنهم من أجل مجابهة الحليف الإثيوبي الجديد لموسكو في عام1977.
كانت أكبر مفاعيل هذا المشهد الافريقي – العربي الجديد متجسداً في السودان،حيث أصبحت إثيوبية الموالية لواشنطن،منذ بداية حكم ميليس زيناوي في شهر أيار1991،ظهيراً أساسياً لحركة العقيد جون غارانغ في جنوب السودان تماماً مثلما كان حليف السوفيات السابق الكولونيل منغستو هيلا ميريام . انضاف للإثيوبيين،في هذا الصدد،كل من كينيا وأوغندا ليشكل هذا الثلاثي،المعتمد من واشنطن تحت مظلة(دول الإيغاد)،المطبخ الأساس الذي تمَ من خلاله رسم ملامح"السودان الجديد" الذي أراد العقيد غارانغ بنائه "كبلد افريقي بعد نزع حكم الأقلية العربية الحاكمة منذ استقلال1956". عبر ذلك،وبواسطة(الإيغاد) وبتشجيع ورعاية أميركيتين وفي الأراضي الكينية،تمَ الوصول إلى(اتفاقية مشاكوس)عام2002 ثم بعد ثلاث سنوات إلى(اتفاقية نيفاشا)،التي تحت مفاعيلها الآن يُرسم"السودان الجديد"،الذي يبدو أنه،وبفعل (اتفاقية نيفاشا)،سائر نحو التقسيم برضا أميركي – افريقي مشترك إذا لم تُنزع العروبة عنه.
في المقلب الآخر،انفجرت أزمة اقليم دارفور في شهر شباط2003،أي بعد سبعة أشهر من وضع جنوب السودان"على السكة" بواسطة (مشاكوس) . من خلال(دارفور) ،وُضِع العرب في مواجهة الأفارقة،عبر تصوير الصراع هناك بأنه بين"رعاة عرب" مدعومون من الخرطوم وبين "مزارعين أفارقة" ليصبح "الغربي الطيب"في وضع الحامي للأخيرين أمام أعين العالم وأولاً أمام أعين الأفارقة،حيث تحولت دارفور إلى مسرح يصفق له الغربان الأميركي والأوروبي لإظهار تكسر الرابطة،ليس فقط السودانية،وإنما أيضاً وأساساً الاسلامية بين عرب وأفارقة اقليم دارفور،ليستخدم هذا الاقليم كصندوق بريد لايصال رسالة ليس فقط بإنكسار الجسر الذي يمثله السودان بين العرب والأفارقة وإنما أيضاً بإيجاد شرخ عرقي بينهما يمنع فعالية اللاصق الاسلامي . في هذا الإطار لعبت تشاد ورئيسها ادريس ديبي،الذي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة ذات الإمتداد الكبير بين أفارقة دارفور،دور(هانوي)مع (الفيتكونغ)،وبالذات مع الدكتور خليل ابراهيم زعيم (حركة العدل والمساواة)كبرى الحركات الدارفورية المسلحة،ولكن لصالح واشنطن مثلما فعلت دول(الإيغاد)في أزمة جنوب السودان.
إذا ابتعدنا عن السودان،فهناك مشاكل عربية يتولى أفارقة ملفاتها لصالح واشنطن،مثلما تفعل إثيوبية منذ عام2006 في النزاع الداخلي الصومالي . أيضاً،هناك مشاكل مُبرَدة في أكثر من بلد عربي أخذت عند انفجارها طابع مجابهة افريقية- عربية،مثل تمرد قبيلة(أفار)ذات الإمتداد الإثني الإثيوبي في جيبوتي ضد الأكثرية الصومالية العربية المنتمية لقبيلة(عيسى)بين عامي1991و1994حتى الوصول لاتفاقية سلام،أومشكلة زنوج موريتانيا المدعومون من السنغال مع الأكثرية العربية والتي وصلت لحدود محاولة انقلاب يوم22تشرين أول1987التي قادها وزير الداخلية الموريتانية السابق(أمادو بابلي)بدعم من تنظيم(جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيين)،أوتمرد قبائل الطوارق(ذات الخليط العربي البربري) في مالي المُسكنة نيرانه عبر اتفاقية حزيران1994،وإن كانت تندلع نيرانه بين الحين والآخر،وخاصة بعد اندلاع تمرد طوارق النيجر منذ حزيران2007،حيث يأخذ النزاع في البلدين شكل النزاع العربي – الافريقي،ليميل الغرب الأميركي- الأوروبي إلى جانب الأفارقة بحكم المصالح وثانياً نتيجة تعاون متمردي الطوارق مع " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي".
في كتاب"فلسفة الثورة"،المكتوب في عام1953،تحدث جمال عبدالناصر عن الدوائر الثلاث:العربية،والاسلامية،والافريقية......
هناك سؤال يطرح نفسه الآن:هل نشهد، على مسار العقود الأربعة الماضية،تكسر هذه الدوائر الثلاث أمام العرب ومن داخلهم وحولهم؟..............
عدد الكلمات:685








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرور الكرام
إدريس ( 2010 / 4 / 13 - 21:21 )
اولا دعني اشكرك السيد الكاتب على مقالتك . لا حظت امرا يهمني كأمازيغي ،وهو انك عندما اتيت على ذكر قبائل الطوارق ،لم يفتك ان توضح بأنها ( ذات الخليط العربي البربري ) رغم ان لغة الطوارق هي الامازيغية وهم الذين حافظوا على الحروف الامازيغية ( تيفيناغ ) ، و لكن عندما ذكرت موريتانيا تجاهلت اصولها وقلت بأن مشكلة موريتانيا هي بين الزنوج و ( الاكثرية العربية ) وهنا لم نقرأ ( ذات الخليط العربي البربري ) ، ولكنك ارجعت تلك الاكثرية الى الاصل العربي ، وفي هذا تجني على الحقائق ، حيث اسم ( موريتانيا ) و اسم عاصمتها ( نواكشوط ) اكبر شاهد على اصلها الامازيغي.
مرة اخرى شكرا لك على المقالة واتمنى لك الاستمرارية

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل