الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آياتٌ من الدجلِ المبين

أحمد زكارنه

2010 / 4 / 13
القضية الفلسطينية


ثمة فارق لم يدركه العرب بعدُ بين القول والفعل، ويعد إجمالاً أحد مكونات التباسات السياسة وتعقيداتها في المشهد العربي الراهن، وهو اختلاف ما بين المجاز والحقيقة، المطلق والمنطق، الحلم واليقين.
فمن الطبيعي، بل ومن الشرعي أن تؤمن الشعوب بمقولة المقاومة حدّ تلاوة آياتها، كونها آية حق شرعي لأي شعب محتل، ولكن الأمر غير الطبيعي أن تصبح المقاومة مجرد جغرافية صوتية لشعارات لا تقرن القول بالفعل، وإنما فقط تطلعنا على مواقفها دون أحداثها وأبطالها، على نحو يسجل لصالحها مكاسب سياسية ذاتية فقط لا غير.

المشهد العربي الراهن في إطار هكذا لوحة تجريدية يبدو في تناسق فريد من نوعه بين ما يسمى بقوى "الاعتدال" وقوى "الممانعة" وكأنها جزئيات ضمن وحدة متصلة، يؤدي كل منها دوره بإتقان فلا تبدو القضية أمام جماهيرهم قضية جامدة أو فارغة بل تبدو زاخرة بالحياة، وبالرغم فالحد الفاصل ما بين الاثنين معا وبين حقائق الأمور، هو ذاته الحد الفاصل بين الصدق والدجل.

وكي لا نُحمّل الأفكار وزر الأفعال، وكي يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريًّا بحسب مقولة "جورج أورويل" ، حريّ بنا الجهر أن ما تثبته المعطيات على الأرض، إنما يؤكد بشكل لا لبس فيه أن كلا الطرفين وجهان لعملة واحدة، وأن رايات الطرفين رايات بيضاء لا علاقة لها لا بالاعتدال ولا بالممانعة، فقط كل منهما يبحث عن مكتسباته الذاتية.
كيف لا وكتاب التدخل السريع ومشايخ الفتاوى الجاهزة، لا تفوتهم فرصة لتعميق الانقسام والتفرقة إلا ووقفوا عليها، بل واستخدموا كل مفردات اللغة لتصويرها خلافات تبعد بينهما بُعد الأرض عن السماء.. كيف لا ودستورنا قال في محكم كتابه بعد بسم الله " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم" صدق الله العظيم.

الغريب في الأمر أن رجالا يسمون أنفسهم برجال دين من جهة، ورجال وطن من جهات أخرى، ينحصر كل دورهم في توظيف كل وسائل إعلامهم وأقلامهم ولقاءاتهم، فقط لحرف البوصلة عن العدو الحقيقيّ باتجاه "العدو" المنافس على السلطة بكل امتيازاتها ونفوذها.
فمهما قدم الآخر أو حاول أن يقدم، هو أمام تعريفين لا ثالث لهما إما خائن أو خائن، حتى أن بعضهم ذهب بعيدا نحو التشكيك في أي فعل، طالما أن الفاعل لم يتوافق وتوجهاتهم بشكل صريح وعلني، ولا أدل من إشارة السيد "إبراهيم علوش" في لقاء فضائي إلى الخطوة المورتانية نحو قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، على أنها خطوة إجبارية اتخذتها الحكومة الموريتانية نزولاً عند رغبة الشعب الموريتاني، التي وإن كان تحليله صائبا فجدير بنا أن نشكر الحكومة الموريتانية على تحقيق رغبة الجماهير ومطلبها لا أن نشكك فيها فقط كونها ليست على ذات توجهاتنا.
السيد علوش نفسه لم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب إلى اعتبار السلطة الفلسطينية، سلطة خائنة، مؤكدا وهو العالم ببواطن الأمور أنها -أي السلطة- باتت سلطة مستعربين، مطلقا اتهاماته هذه بناء على قيام السلطة في الحالة الأولى على أسس اتفاقيات أوسلو، وفي الحالة الثانية على خلفية ما يسمى بــ "التنسيق الأمني".
حسنا هنا وليس دفاعا عن السلطة، وإنما لإجلاء الحقائق فإن السيد علوش نسي أو تناسى في الحالة الأولى أن حركة حماس التي يروج لها إنما شاركت وفازت في انتخابات تشريعية جرت بناء على ذات الاتفاقيات وأقصد اتفاقيات أوسلو، وفي الحالة الثانية نسي أو تناسى ما كتبه أحمد الجعبري القائد الميداني لكتائب عز الدين القسام في رسالته الشهيرة إلى السيد خالد مشعل قبل مدة ليست بالبعيدة، واعترافه الواضح والصريح بأن بعض المتنفذين في حركة حماس إنما يعملون جاهدين على تحويل كتائب القسام من كتائب مقاومة إلى حرس حدود، ينحصر دورها في حماية الحدود الجنوبية للكيان الغاصب، تحت مسمى الحفاظ على التهدئة.

وكي لا نقف كثيرا أمام تصريحات السيد علوش ونهمل أصدقاءه من كلا الطرفين، من يدعم قيام دولة فلسطينية في العام 2011 ومن يرفض قيامها، سواء كان الدعم أو الرفض على خلفية فكرية سياسية أم حزبية فئوية، نؤكد مرة أخرى إن الإشكال ليس إشكالا على المصالح العليا لقضية العرب الأولى، وإنما الإشكال هو إشكال تلك النخب التي تأبى إلا أن تضع للعرب في ذمة التاريخ عشرة أزمان تسعة منها احتلت بامتياز مرتبة أمراء الكلام، وعاشرها أخذ يتقمص بجدارة دور النعام، دفنًا للرؤوس في الرمال، وكأنهم يريدون إقناعنا أن المقاومة في قاموس الشعوب آية واحدة هي بحسب الفصائلية آية المقاومة الحزبية والمصالح الفئوية وما عداها آيات من الدجل المبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة