الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لهم ثلاثة عيون .. ونحن بلا عين

محمود المصلح

2010 / 4 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر



احتراقات المبدع وعذاباته لا تأتي برغبة منه بالاحتراق والعذاب ، كما لا يأتي الإبداع لأننا نريد أن نبدع ، فعملية الخلق والإبداع عملية معقدة تمر بمراحل ، وتعتمد على مرتكزات لن أقول ثابتة ، وتبقى الفكرة السائدة إن الذكي مبدع ، تبقى مقولة عليها اعتراض ، فكم من ذكي غير مبدع في عالمنا ، فاللص المحترف الذي يستطيع أن يتهرب من الشرطة والقانون هو ذكي ، والتاجر الذي يتهرب من الضريبة هو ذكي .. ولكن أين الإبداع في هذا كله ... ومن هنا فكل مبدع ذكي بالضرورة ولكن ليس كل ذكي مبدع حتما . فكم من طبيب ومهندس وفنان بقي قابع قانع بما حصل من علم واخذ يمارس مجاله بروتينية ورتابة . وكم غيرهم اطلع وتابع وراجع وتعلم وعلم وأنتج وأبدع واشتهر وتميز على زملائه .
احتراقات المبدع وعذاباته تدفعه إلى الإبداع ( فهو يحس ويشعر ويرى إحساسا وشعورا ورؤية ليس كالبقية ) ، ومن هنا يأتي التميز ، والتفرد ، فكم من طفل يبكي في الشارع ، وكم من الخلق سمعه وشاهده ومر عليه وكأنه لم يره ، بل هو في الحقيقة لم يره حقا ، لم يره بنور قلبه وإحساسه ومشاعره ، وقعت صورته على العين فقط ، كمثل عشرات الصور وسرعان ما زالت دون ان تخلف اثرا يذكر أو إحساسا يشعر به ، المبدع عموما يشعر بما لا نشعر به عادة ومن هنا ( فللمبدع عين ثالثة ) يرى ما لا نرى ، وأضيف .. للمبدع قلب ليس كقلوبنا ( فهو يشعر بما لا نشعر به ) ولعل هذا ما يقولون عنه الموهبة .. التي كثيرا ما اعترض العلم عليها .. فالناس سواسية حينما يولدون ويخلقون .. قد تختلف ميولهم وهواياتهم وطموحاتهم ..
احتراقات المبدع أثناء العملية الابداعية عذابات لذيذة ، واحتراقات سعيدة ، هي لحظات مخاض قاسية قد تتعرض للاجهاض ، وقد تموت ، مما يخلف وراءها افكار تتناسل بصورة متتالية متوالية ، تبقى الفكرة تدور في مخيلة المبدع ، وهي تغلي في مرجل العواطف والمشاعر والعقل والإحساس ، تتشكل الفكرة بألف شكل وشكل ، ويوضع لها الف صورة وصورة ، تبنى وتهدم ، ويعاد بنائها ، ويتعايش المبدع معها وتتعايش معه ، لتخرج بصورتها النهائية عملا ابداعيا فريدا ، او مطورا ومعدلا بصورة فريدة ابداعية ، تكسب المبدع راحة نفسية وجسدية عظيمة لكنها لن تدوم لانها ستدخله ثانية في معاناة اخرى قريبا .
فرادة المبدع وتميزة ميزة يتفرد بها عن غيره ، ولهذا كان المبدع ندرة وقلة في المجتمع ، تكسبه هذه الندرة وهذا التميز ، احتراما وتقديرا وذكرى خالدة تبقيه ما دامت الحياة ، فكم من مبدع نحفظ اسماءهم عن ظهر قلب ونحفظ سيرتهم وابداعاتهم ، وبفظلهم تخلدت وبقيت اممهم خالدة بذكرهم .
ومن اهمية الابداع والمبدع نبعت العلوم والنتاحات الكثيرة المتعلقة بهذا الجانب من الانسان ، فنجد اليوم ان التفكير يمكن ان يعلم ويدرب عليه ، وهو جانب علمي تعليمي تعلمي ، له محكاته وله جوانبه التي يمكن ان تمنهج، وتنهج كنهج تدريبي ، وله انواعه واساليبه وطرائقه المختلفة ، فنجد ما يسمى اليوم تعليم التفكير ، ونجد قياس الذكاء وما يرتبط به من ابحاث ترتبط بما يسمى مراكز الإبداع والمبدعين ، في مراكز خاصة لتعليم الابداع والتدرب عليه ، بإتاحة الفرصة للمبدع ان يجرب دون خوف من فشل او حساب لخسارة مادية ، او وقت مهدور ، بل سعت الحكومات والمؤسسات المهتمة بهذا الشأن الى تفريغ المبدع ، ومنحه الامتيازات الكثيرة في جوانب مختلفة اقتصادية مالية وصحية ورعاية ورفاهية واجتماعية ..الخ ، وما ذلك الا لإتاحة الفرصة وتهيئة الظروف للمبدع ان يبدع .
فكل عمل ينتجه المبدع على اختلاف مستويات الإبداع عموما ، يسجل لمجتمعه وبلده قبل ان يسجل له شخصيا وبهذا يكون التنافس في مجالات الابداع والانتاج محتدما وصراعا يكاد يكون حربا غير معلنه بين الدول الاكثر تقدما ، فمراكز الابحاث ومراكز الابداع وتفريغ المبدع اسرارا قومية ووطنية غاية في الخطورة ، وامن المبدع المتميز يكاد يساوي امن بلده كاملة .
اليوم ونحن نشهد حالات الابداع في العالم وما تنتجه من ابتكارات علمية وادبية وصناعية الخ .. نجد أنفسنا في ذيل القافلة .. ونجد أنفسنا وكأننا لا زلنا نتهجأ خطواتنا في الحياة ذات الامواج المتصارعة المتلاطمة ، فالصراع الدولي اليوم هو في جوهره صراع الابداع ..
فماذا عملنا وماذا يمكن ان نعمل ، سيبقى هذا السؤال يقرع ناقوس الخطر ولكن هل من سامع او مجيب ، هل من احساس او شعور ، اجدنا ونحن نقول ان للمبدع عين ثالثة اجدنا كمجتمع عربي وكأننا فقدنا كلتا العينين وربما الاذنين .. ولم يبقى منا غير لسان يلهج بالدعاء للسلطان ويد تأكل أو تبطش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف


.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث




.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا


.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة




.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟