الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آس نائم

سمرقند الجابري

2010 / 4 / 13
الادب والفن


آس نائم
سمرقند الجابري2007

هذا بيتنا ، انا على الدكة اردد آيات لانسى فراقه، وأمي تتشح بدمع واسئلة والكثير من اللعنات التي لن تتوقف عليهم.
لم تكن حديقتنا كبيرة، لعلها اكتفت أن تحوي قبر خالي الذي قُتل ذات مطر ،لانه
تحدث سهواً في المقهى عن حق الانسان في وطنه.
شجرة الرمان تركت عشقها للبلابل ، وقررت اللجوء الى الصمت كعلمائنا الافاضل، لذا أحب وقاحة نافذتي التي تحاور كل حصاة حولها دون كلل...وكالعادة تجلس امي غير عابئة بفقدان بصرها ،تتحدث ليوسف الراحل في عز شبابه عنا:-
" خير ما فعلته خالتي عالية ،حين تركوا جثتك امام الدار انها رفضت النواح وسحبتك الى غرفتها وأبقتك في سريرها يومين الى أن إزرق جلدك، لم نجد مكانا اخر نواريك فيه ، لا تتذمر من ملح حديقتنا لانه ارحم طعما من بلادة الحمقى، يبدو إنك لن تأتي في العيد ،هل تعرف أحمد لا زال يأكل خلسة تيناً جففناه للشتاء، فكل شتاء في بلدي حرب، وكل صيف في بلدي حرب" .
وككل غروب ، سيجرها ابي عنوة الى الداخل ، لكنها ترفض أن تصلي فريضتها إلا قرب الخال المغدور ، قد يفتح الله باباً للرحمة علينا اكراماً له، عذر ابي بأن تترك الموتى بسلام ،وعذرنا أن الصلاة قرب القبور حرام وأعذار أُخر كي لا يكون وجعنا موجودا.
ترى ماذا يحيك ابي غير سحابة دخان ووجه غائم ، سيزرع آساً كي يمنعها لبعض شهور عن ازعاج الراحل ، نافذتي ترفض علناً كل مؤامرة صغرى او كبرى ، فكلما حاول ابي ترتيب الاس ارتطم راسه بالنافذة ودوت العصافير كانها تسخر منه ، سألتني أمي عن الحركة الغريبة في الحديقة فقلت لها بأننا رأينا يوسف في الحلم يشكو العطش، فلا بد من شجرة دائمة الخضرة الى يمينه تقيه ظمأ ما بعد الرحيل، ولكنه عناد اقدم من تفاحة آدم يجعلها تنشد بجنوبيتها الساحرة تراتيل استجــــــداء عودته .
كنا نصحو لنجدها قد لملمت كتبه، ورصفتها بعناية قرب رأسه ، و تكوم التمر وقمصانا بيضاء متوسلة بـــه :- " لا تترك فطورك فتشحب يا قرة عيني، وكل هذه الكتب ستؤذي عينيك، فلا بد لك ان تعرف أن أبي وجدي عاشا بسعادة ، وربما هذا هو الوطن، تزوج نورة، فهي من أصل طيب، وسمي اولادكَ على ترتيب الانبياء... كلا لم اجد زر القميص الابيض، إرتدي هذا لحين حصولي على دراهم اخرى ...".
هددها ابي ببيع الدار ، فأقسمت بانها ستلم كل ذرة تراب ولن تبقي من "يوسف" للموت شيئا ، وشجرة الاس تنمو بسعادة لعل مناجاة امي وقصائد يوسف من العالم الاخر تعجبها ، وما ان وجد الحب طريقه الى قلبي حتى بدأت اسمعُ كل عبارة يخاطبني بها الخال من خلف الشجرة ، توقدت حواسي باستلام القوافي واقسمتُ لامي ان الشجرة تغني قبل الغروب بتسابيح رحمانية، حتى علمتْ كل اشجار الحي بقصة حبي ، كما علمتْ كل جدران البيوت الحزينة التي ترك لها الظلم شهيدا وفقيدا وما يرسله "يوسف" من برزخه الينا .
نساء الحي لا يقمن حفلات الختان إلا بآسك يا يوسف‘ وما لفتاة في ليلة حنتها قبل العرس إلا بالاس النابع من اضلاعك، وكل عيد تذهب نساء الحي الى المقبرة لزيارة احبتهن فيأخذن منك جذوعا طويلة.
ماتت امي حسرة عليه، وانا في ليلة حناءي اشعلت تسع شمعاتٍ، ووعدته ان يحمل رحمي دماءه الخضراء ، فأذا بشجرة الاس تحضنني وتبكي.


من مجموعتي القصصية (دبان صغيران) التي فازت بالجائزة الاولى في دبي مسابقة الابداع الادبي على الوطن العربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وطن الابداع
صفاء ابراهيم ( 2010 / 4 / 14 - 11:36 )
لانك مميزه فكل ما تكتبين مميز
شعرا ام قصة ام خاطرة من تجليات الذاكره
نكهه لاتشابهها نكهه
عطر ينساب كهدوء الليل
كم هي كبيرة الروح التي تبدع قوس قزح هذا
نسيج واحد متماسك بالجمال والابداع لانعرف اي من وشائجه اجمل
هذا لانك
وطن للابداع
تحياتي


2 - اعتزاز
منتصر بالله الجابري ( 2010 / 4 / 14 - 19:13 )
من غربتي اشتاق الى الوطن ،
وفي ليلي اتذكر بيتنا الامن الجميل
الذي تحول بين معركة وضحاها الى قصة احزان
اختي الحبيبة ...
افتخر بان واحدة من عائلتنا استطاعت ان تجسد هذا الالم
بهذه الطريقة السلسة
ابي وامي في جنتهما يفخران بك
اما انا لا املك غير حرقة اشتياقي لكم
وللوطن ما تبقى من الدمع
حبيبتي الغالية ديري بالك على موهبتك لانك رفعة راسي والله


3 - حبيب روحي
سمرقند ( 2010 / 4 / 14 - 19:35 )
قد تستطيع المساءات المحترقة بدمع شوقي لرؤياك
ان تنطق عنين
فلساني التهمته وحشتي اليك
لأن آخذك بين ذراعي وابكي
ولكن حزني على فراقك ،
افضل من خوفي على فقدك وسط هذه الفوضى
كن على يقين ان يقيني يحميني الى قيامة قد تجيء
وسطوري دائمة النهم لما يجود به تعب النهارات
املي بأنك تحليت ببعض الجنون
لتواكب سير القافلة
في عيد ميلادك اجتمعت مع اخواتي
اطفئنا الشمع ، وارسلنا لك عبر الاثير
. قبلة بحجم العراق

اخر الافلام

.. وفاة أسطورة الموسيقى والحائز على الأوسكار مرتين ريتشارد شيرم


.. نحتاج نهضة في التعليم تشارك فيها وزارات التعليم والثقافة وال




.. -الصحة لا تعدي ولكن المرض معدي-..كيف يرى الكاتب محمد سلماوي


.. كلمة أخيرة - في عيد ميلاده.. حوار مع الكاتب محمد سلماوي حول




.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي