الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة العجزة

احمد حسين

2010 / 4 / 14
حقوق الاطفال والشبيبة


لا ينفك البعض يقرع على أسماعنا جرس الإنذار محذرين من انهيار الدولة ومؤسساتها على أيدي الشباب وإفراغها من الكفاءات والخبرات الهرمة التي تقوست ظهورها وخرفت عقولها وما عادت تقوى على الانتصاب لفرط ما تنوء به من إمكانيات لا تتوافر عليها الأجيال مجتمعة.
مقترحات لإعادة المتقاعدين، برامج وخطط لعودة الكفاءات المهاجرة، والكل يصفق ويهلل لهذه المكرمات السخية من دون الالتفات إلى شريحة الشباب التي باتت أضحية لمثل هكذا مقترحات وبرامج طبقية.
عودة الكفاءات المهاجرة فخ وقع فيه المخلصين ـ وتحديدا الشباب ـ الذين تخلوا عن ما حصلوا عليه من امتيازات في بلدان المهجر وعادوا إلى بلدهم بدافع الشعور الوطني أو الإنساني أو حتى الأسري، وما ان عادوا حتى شربوا المقلب حتى الثمالة، الحكومة التي دعتهم لم توفرهم لهم الدرجات الوظيفية المطلوبة ومن عاد منهم إلى وظيفته السابقة في مؤسسات الدولة العراقية صنفان، الأول كفاءات شاخت واحدودبت ظهورها وفقدت طاقتها على المواصلة في محطات العمر الطويل، والصنف الثاني قلة ممن أسعفهم الحظ وكان لهم في هذه الدائرة أو ذاك الحزب سند يؤمن لهم وظيفة وراتبا لا يتجاوز في أحسن الأحوال نصف ما كانوا يتقاضوه في الخارج.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى إصدار قانون يرفع سن الخدمة الجامعية إلى الثمانين عاما، ما يعني الإبقاء على 95 بالمائة من الملاكات التدريسية الهرمة في أدنى التقديرات وليذهب حملة الشهادات العليا الشابة إلى الجحيم أو دول المهجر، فهم وبحسب تبريرات وزارة التعليم لم يتوافروا على الخبرة الأكاديمية الكافية لقيادة العملية التدريسية على الرغم من حصول العديد منهم على فرص عمل في جامعات ومؤسسات تعليمية مرموقة في دول إقليمية وأوربية وأميركية اشتهرت برقي وتفوق منظوماتها التربوية والتعليمية.
مؤسسات الدولة الأخرى ليست بمنأى عن هذه الفلسفة التي ابتدعتها المنظومة التربوية التعليمية المتخلفة، فما من دائرة حكومية مهما كانت هامشية إلا وتجد إدارتها شائخة حد الخرف باستثناء عدد قليل لا يرتقي حتى إلى تشكيل نسبة قيادية شابة في الدولة العراقية، وحتى هذا العدد البائس جاء عن طريق المحاصصة والتسييس ما جعل من هذه المؤسسات مشروعا حزبيا فاشلا لا يقدم سوى التعيينات.
والطامة الكبرى في دولتنا الحديثة ان الأمر لم يقتصر على القطاعات الحكومية بأن انه طال بوبائه مؤسسات من المفترض ان تكون بعيدة كل البعد عن هذه المعادلة المترهلة، ففي المؤسسات الإعلامية والصحفية يتربع مشائخ الصحافة والإعلام على قمة الهرم المهني لذا لم تتطور المنظومة الإعلامية في العراق طوال السنوات السبعة الماضية، فرئاسات وهيئات التحرير في الصحف والمجلات ومجالس الإدارة في الإذاعات والفضائيات لا تقنع بأقل من عشرين سنة مهنية، لكن المشكلة ان هذه العشرين سنة المهنية لا تتوافر على خبرة سنة واحدة من عمر الصحافة والإعلام الحديث، وما زال مشايخ المهنة يزاولون رتابة القرن الماضي حتى في المفردات التي يستخدمونها، هؤلاء توقف الزمن في عقولهم وما عادوا يستوعبون مستجدات المهنة حتى ان البعض منهم يعتقد ان مهام مسؤول قسم الأخبار ـ وهو العمود الفقري لأية مؤسسة إعلامية والقلب الذي يضخ الحياة فيها ـ تنحصر في التصحيح اللغوي وإضافة أو حذف مفردات أو تغيير عناوين من دون النظر إلى أهمية الخبر أو ضروراته أو حتى تداعياته ومصداقيته.
صحفنا وفضائياتنا التي تأسست بعد سقوط النظام المقبور ولدت من رحم المال العام الذي استأثرت به الأحزاب والمباني التي استولت عليها، وهي تعمل وتثري على حساب حقوق وأعصاب الأمة العراقية من دون ان تقدم رؤى مهنية جديدة أو مسايرة للقفزات التي حدثت في مجال الصحافة والإعلام على مستوى العالم، ما زالت هذه المؤسسات حكرا على أسماء محدودة ومقاسات فصلت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
واحدا من ذوي العمر المهني المديد الذي يوازي عمري البايلوجي يتخوف من تسنم شباب مؤسسته مسؤولية الصفحات وليس الإدارة متسترا بذريعة مستهلكة لا تنم إلا عن مرض الكراسي، فهو يرى كغيره من الذائبين في حب المنصب أن ـ الشباب مندفعون ولا يقدرون الأمور حق قدرها ـ وكأن الشباب خيول سباق تجلدها سياط الحماسة السلبية، على الرغم من أن هؤلاء الشباب ثقبوا العديد من الجدران الكونكريتية المحصنة وجعلوا من صحيفتهم مثار الإعجاب والجرأة.
رئيس هذه المؤسسة يبحث عن هرمين يستبدل بهم هؤلاء الشباب الذين تعرضوا إلى ما لا يحصى من التهديدات المبطنة والعلنية المسلحة فيما كان هو ومحدودبي الظهور يرتعدون خوفا في غرفهم متدرعين بالحمايات الشابة أبان حرب شنتها المجاميع الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات وأطراف حكومية وبرلمانية على الجنود المقاتلين بأقلامهم في هذه المؤسسة وغيرها المؤسسات الإعلامية، حرب راح ضحيتها العشرات من الصحفيات والصحفيين الشباب.
الخوف من الدماء الجديدة ما هو إلا إرث بدائي متصحر توارثته العقول الهرمة، وما التغني بالأمجاد الهرمة إلا ثقافة أحادية صبتها المفاهيم البدوية في جوف الدولة العراقية.
ثلة العجائز هذه تغمض أعينها عن سر نجاح الدول العظمى التي وجدت في اندفاع الشباب وحماستهم وقود نفاذ ينطلق بمؤسسات الدولة إلى القمة، وفي أغلب دول العالم وليس العظمى فقط أجنحة المؤسسات يقودها الشباب ولا تجد ذوي الخبرات المتراكمة إلا في قمة الهرم حيث مراكز القرار والتوجيه التي تتطلب إدارة كفوءة ناجحة صقلتها سنين العمل المهني النوعي وليس سنين الاستهلاك الكمي، وحتى هذه القيادات يقتصر دورها على اتخاذ القرارات المصيرية وليس الهامشية ووضع السياسات الإستراتيجية وليس الداخلية، وبالرغم من ذلك ثمة العديد من المؤسسات الكبرى يعتلى هرمها ويخطط إستراتيجيتها القيادات الشابة.
قائمة الشباب الذين حققوا إنجازات مذهلة على الصعد كافة لا تتسع لهم هذه الصفحة بأكملها، لذا سنذكر أبرزهم على مستوى القيادة السياسية المعاصرة ممن حكموا بلدانهم عن طريق صناديق الاقتراع وليس الوراثة الملكية أو الأميرية:
جوزيف كابيلا تولى رئاسة الكونغو الديمقراطية وعمره ٣٠ سنة، روزفلت سيكريت أصبح رئيس وزراء الدومينيكان في الثانية والثلاثين من عمره، ميخائيل نيكوليزيس دزي ساكاشفيلي الذي انتخب رئيسا لجورجيا وهو السادسة والثلاثين من عمره بعد أن حصل على 96 بالمئة من أصوات الناخبين في عام 2004 وأعيد انتخابه في عام 2008، كذلك رئيس وزراء مقدونيا نيكولا جرونيسكي تسلم منصبه في السادسة والثلاثين من عمره بعد فوز حزبه في الانتخابات، أما رئيس دولة ناورو فقد تقلد الحكم وعمره ٣٩ سنة، وللأسف لا أتذكر اسم الدولة التي انتخب رئيس وزرائها وهو التاسعة والعشرين من عمره إلا أنها إحدى الدول التي تحررت من نير المعسكر الاشتراكي.
وعلى الرغم من كل ما ذكر في هذا المقال وما تضمنته كتب التاريخ إلا أن ثقافة العجائز ما زالت تحكم العراق لتسير به نحو فراش المرض والهزال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط