الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - في إضاءة الواقع الموضوعي

رضا الظاهر

2010 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


يعلق اليائسون، عادة، قصورهم الذاتي على مشجب الواقع الموضوعي، أما نحن أهل الأمل فلا مشاجب لدينا نعلق عليها هذا القصور. ومن تجليات قوتنا أننا نعترف بقصورنا الذاتي ونسعى الى تجاوزه، فنكون بهذا التجاوز أكثر قدرة على استيعاب الواقع الموضوعي وعلاقته بالعامل الذاتي، وأكثر قرباً من تشخيص حقائق الحياة بعيداً عن نزعة التبرير.
ولابد أن نرى، ونحن نحاول إضاءة جوانب من الواقع الموضوعي، وهو في حركته وتحولاته، حقيقة أن الثقافة السائدة تشكل عنصراً أساسياً حاسماً من عناصر الواقع الموضوعي، فهي تعكسه وتجسده وتتحكم به عبر القوى المهيمنة التي تستخدم الأفكار لدفع الناس ومؤسسات المجتمع الى القبول بالراهن السائد.
ومن الطبيعي أن تأبيد الثقافة السائدة موضوع صراع اجتماعي يتجلى في التناقض بين القوى المحافظة المهيمنة التي تتشبث ببقاء الواقع ضماناً للامتيازات والقوى الجديدة التي تسعى الى التغيير. وهو صراع يضحى أكثر حدة وتفاقماً، خصوصاً في المراحل الحاسمة من الصراع، وهو ما نشهد بعض تجلياته في واقعنا الراهن.
ولا ريب أن من بين التجليات الأخرى للواقع الموضوعي عواقب الدكتاتورية الفاشية وحروبها وسياساتها التي شوّهت البشر، وغيّبت القوى الحية للمجتمع، وحزبنا الشيوعي بالذات، لعقود من الزمن، وحرمت الملايين من التأثير الذي يمكن أن يمارسه هذا الحزب التنويري الذي يقاوم ثقافة التخلف السائدة ويجسد الجديد.
ومن ناحية أخرى فان اختيار الحرب وسيلة لاسقاط الدكتاتورية هو الذي فرض مشيئة الاحتلال الذي رسخ، من بين كوارث أخرى، منهجية المحاصصات بين شيعة وسنة وأكراد، فكان ذلك منبع المصائب.
ولعب العامل الاقليمي وتصارع إرادات "الجوار" على أرضنا دوره السلبي. ولعل تهافت القوى المتنفذة ولهاثها شرقاً وغرباً لدعم موقفها بشأن تشكيل الحكومة، وهي ذاتها التي أشبعتنا صخباً في نقد الشرق والغرب، يشكل تجلياً جديداً لازدواجية القوى السياسية المتنفذة، الأسيرة، الى حد غير مبرر، لأجندات اقليمية.
ويتوافق مع هذه العناصر عنصر تدني الوعي السياسي في ظل ثقافة التخلف، حيث الانتماءات الضيقة، الطائفية والاثنية والعشائرية، وتفشي الفساد والأمية والجهل، وشراء ولاءات الناس، وتوظيف المال السياسي في انتخابات أخفقت مفوضيتها العليا في أداء دورها وتجسيد استقلاليتها، وكشفها عن فضائح التلاعب والتزوير.
أما قانون الانتخابات المجحف فقد شرعن سرقة أصوات الناخبين وحرمان القوى "الصغيرة"، وبينها قائمتنا "اتحاد الشعب"، على نحو يعكس ذهنية الاستحواذ والاقصاء والضيق بالتنوع والتعددية الحقيقية والتشبث بالمغانم والامتيازات على حساب معاناة الملايين المريرة، وهو ما تجلى ساطعاً في "مفارقة عراقية" حيث منح ساخطون أصواتهم لمن كان وراء مآسيهم، في انتخابات كان جوهرها التنافس الطائفي والاثني.
في هذه البيئة ووسط هذه المصاعب والتعقيدات يصعب تصور أن اليسار الديمقراطي الحقيقي يمكن أن ينتعش في ظل سيادة ثقافة التخلف وتدني الوعي. غير أن هذا الواقع لا يمكن أن يعني أن على اليسار أن يلقي رايته ويستسلم، بل أن يفعل العكس تماماً، فينطلق من فهم عميق للواقع، بعوامله الموضوعية والذاتية واتجاهات حركته وانعطافاته وآفاق تطوره، وتشخيص دقيق لمتطلباته، وأساليب العمل الساعية الى خوض التحدي باتجاه تغييره. هذا ناهيكم عن حقيقة أنه لا يمكن لمنصف أن يتخيل تطوراً ديمقراطياً حقيقياً في البلاد في ظل منهجية محاصصات بين "الكبار" وقوانين وممارسات جائرة تقصي الديمقراطيين الحقيقيين، الشيوعيين، عن مواقع اتخاذ القرار السياسي.
* * *
فكرنا، نحن الشيوعيين، في الجوهر، فكر نقدي. فنحن نقاد الواقع وثقافته السائدة التي تضفي شرعية عليه وتأبيداً له، والساعون الى تغيير هذا الواقع. ولنا خير دليل في ما قاله معلمنا الأول ماركس في الموضوعة الحادية عشرة من موضوعاته عن فويرباخ من أن "الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، غير أن المهمة تكمن في تغييره".
إن لنا تاريخاً، وطالما أن واقع التخلف موجود، فلابد أن يكون نقد واقع التخلف موجوداً. ومن هنا مبرر وضرورة وجود حزبنا الشيوعي، المسترشد بالماركسية، أعظم نقد للواقع.
لن يقوى أحد على إعاقتنا عن الحلم بالتغيير والسعي اليه .. لن تحبطنا خسارة جولة، فأمامنا جولات وجولات. ويتوهم قصار النظر ممن يرغبون في أن يختفي هذا "الشبح" الذي يجول في بلاد الرافدين. فاذا كان اليوم بعيداً عن أنظار، فانه لن يظل على هذا الحال، ذلك أنه ما من شيء في الواقع الموضوعي وفي الحياة ساكن. ومن سنن التاريخ أن لا يتحالف، بل أن لا يتواطأ، مع قصار النظر، فيزكّي أوهامهم.
لابد من عمل مديد، دائب ومبدع، حتى يدرك الناس ما يتعين فعله. وهذا العمل هو، على وجه التحديد، ما بدأت خطواته الأولى تلك الكتائب الاقتحامية من الشيوعيات والشيوعيين من طارقي الأبواب، مديمي وموسّعي الصلات الحية بالناس. وهو ما نقوم به الآن، ونقيّمه وندققه من أجل أن نعزز مواصلته في مسير لا يتوقف.
هذا هو العمل الذي يقاوم اليأس والجزع والخنوع، ويعزز الثقة بالنفس وبالناس وبصواب خيارنا وعدالة قضيتنا وأملنا الوطيد بالمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سياسة المجامله
سوزان الخفاجي ( 2010 / 4 / 14 - 07:13 )
عزيزي الاستاذ رضا الظاهر المحترم
تحيه واحترام
لقد لعبت سياسة المجامله والمهادنه التي انتهجها الحزب الشيوعي ازاء الاسلام السياسي والنزعات القوميه الشوفينيه دورا- كبيرا- في ما آل اليه وضع الحزب الشيوعي والذي وجد تعبيره الصارخ والمؤلم الى درجة المراره في نتائج الانتخابات المحليه والبرلمانيه على حد سواء.على الشيوعيين ان يعوا التجربه جيدا وليكن واضحا- ان الجماهير العراقيه التي اكتوت بنار الطائفيه والاسلام السياسي تبحث عن بديل معارض حقيقي لهذه القوى وربما وجدت ضالتها المنشوده(او هكذا يبدو)في القائمه العراقيه رغم ان العديد من مكونات هذه القائمه هي ايضا- ذات نهج طائفي وشوفيني.ادعوا الى وقفه جاده وشجاعه وليكن واضحا- ان شعبنا ليس الان اقل وعي- - من حقبة الخمسينات من القرن الماضي فالخلل ليس موضوعيا فحسب وانما هو خلل ذاتي في سياسة وعمل الحزب الشيوعي ا-


2 - مقارنة لا تستوي بين سني الخمسينات والان
سامر عنكاوي ( 2010 / 4 / 14 - 12:42 )
رد على سوزان الخفاجي
اخفقت فيما ذهبت اليه من مقارنة الخمسينات حيث ميزان القوى العالمية ووجود المنظومة الاشتراكية وسيادة العلمانية وعدم وجود احزاب اخرى قوية على الساحة العراقية والان بوجود بالاضافة الى الوعي المتدني تشويهات للحزب الشيوعي وتاريخه قام بها في زمن المقبور ماجورين مزورين ووجود العشرات من الاحزاب وتعمق التوجهات الدينية الطائفية والقومية ولا اريد التوسع بالفروقات لانها قد تحتاج الى كراس او مؤلف من قبل دارس او باحث


3 - اسباب اساسيه واخرى ثانويه
سوزان الخفاجي ( 2010 / 4 / 14 - 13:55 )
الاخ سامر عنكاوي المحترم:
الاسباب التي ذكرتها وجيهه ومهمه لكن ليست هي الحاسمه فالجماهير لازالت تكن احترام كبير للشيوعيين وهي قادره على التمييز بين الفاسدين والنزيهين لكن الجماهير تريد سياسه واضحه وتريد من يتصدى بقوه ودون هواده للطائفيين والفاسدين


4 - - ماركسيون ذرائعيون-
خالد أحمد زكي ( 2010 / 4 / 14 - 16:20 )
نعم انت على حق حين تعلن ( أما قانون الانتخابات المجحف فقد شرعن سرقة أصوات الناخبين وحرمان القوى -الصغيرة-، وبينها قائمتنا -اتحاد الشعب-، فقائمتكم صغيرة حقا اما اليسار العراقي فكبير بتأريخه المجيد وموقفه الرافض للاحتلال والمتخادمين معه من تجار الشيوعية
وانت محق ايضا حين تعلن ان ( فكرنا، نحن الشيوعيين، في الجوهر، فكر نقدي. فنحن نقاد الواقع وثقافته السائدة التي تضفي شرعية عليه وتأبيداً له، والساعون الى تغيير هذا الواقع) اما على الصعيد التطبيقي فجاءت ممارساتكم على العكس من المنهج الماركسي على طول الخط
فهل التحالف الذيلي مع البعث هو من اجل تغيير الواقع؟ أم التخادم مع الامبريالية الامريكية والانخراط في النظام الطائفي العنصري التدميري هو من اجل التغيير ايضا؟

راجعوا ما تكتبون قبل وبعد الهزائم ستكتشفون بأنكم تهلثون وراء الاحداث وتمثلون المدرسة الذيلية خير تمثيل . فأنتم بأختصار - ماركسيون ذرائعيون- حين تبررون كل خطوة يتخذها - الحزب- باعتبار النظرية لا تخطئ.. وحيث يميل - الحزب - تميل الدنيا والحياة والحقيقة ...وحين يتسائل المرء... ما المقصود بالحزب؟ يأتي الجواب الصاعق .. انه عزيز محمد سابقا وحميد مجيد لاحقا.. والتفاصيل مملة لاحاجة لنا بها الأن

.

اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال