الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراماتورج .. وتعدد المفاهيم !!(*)

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 14
الادب والفن




إن الدراسات المتنوعة حول فن المسرح بوصفه نصاً درامياً من جهة ومنظومة للعرض من جهة اخرى ، هي من الدراسات التي باتت تقيم علاقات جديدة بين فهم المؤلف ووجهة نظر المتلقي.
وبين ايدينا كتاب "المسرح فن خالد" وقد قام د.حسن المنيعي بإعداده وترجمته.
من خلال قراءتنا للدراسة الاولى والتي حملت عنوان (الدراماتورجيةا و شعريات المسرح وتواصلها القصدي) والتي عدها المترجم مقدمة للكتاب ، ونحن نختلف معه في هذا وذلك بوصفها احد الدراسات المهمة في هذا الكتاب.
وقد جاء في الدراسة الكثير من المفاهيم التي تتعلق بمصطلح (الدراماتورج) الذي بات قرين الدراسات والعروض الحديثة ، وفي تعريفه لمفهوم "الدراماتورج أو المؤلف الدرامي هو مرادف لمؤلف مسرحي في حين ان الدراماتورجيا هي فن تأليف النتاجات المسرحية" .
لقد اثار هذا الرأي بعض الاسئلة لدينا ، فإذا كان الدراماتورج هو مؤلف درامي، فهل هناك ضرورة لوجود مؤلف مسرحي بمعنى هل هناك اهمية لوجود (شكسبير او ابسن او بيكت ..وغيرهم) ان هذا الامر يحتاج الى مناقشة، ذلك ان المعرفة بالدراماتورج الذي يعد ناقداً مسرحياً يقوم بمساعدة المخرج في عمله، الا ان كاتب الدراسة يحوله الى مؤلف درامي ، بمعنى انه يكتب النص الدرامي (المسرحي) ، وهذا الرأي ينفي الصفة الاولى ويحيله الى صفته الثانية، اما الدراماتورجيا والتي يعبر عنها الكاتب هنا، بقوله أنها ( فن تأليف النتاجات الفنية) ، فقد حولها المؤلف من وظيفة متعلقة بالدراماتورج الى ظيفة مستقلة يقوم بها شخص آخر غيره .
ان (تأليف نتاج مسرحي) ، وهي صفة الدراماتورجيا (بحسب المؤلف) ، تجرد كل من كاتب النص (المؤلف) وصانع العرض (المخرج) من هوياتهما ويمنحها الى (الدراماتورج –الدراماتورجية) على الرغم من عدم قناعة كتاب الدراسة على انهما صفة وموصوف ، يعملان في الوظيفة ذاتها ، ذلك أن مانعرفه عن الدراماتورج وكما ذكرنا سابقاً بأنه ناقد يعمل في فرقة مسرحية وضمن ربتوار معين يقوم بقراءة العرض قراءة نقدية وتكون هذه القراءة تحت اشراف المخرج ويقدم فيها الدراماتوريج مقترحاته حول العرض وما يكتنفه من غموض او اي خلل اخر، ويكون الحكم والرأي النهائي على كل مايقوله الدراماتورج يعود الى مخرج العرض ومن حقه الرفض او القبول بكل الاراء النقدية التي يطرحها الدراماتورج .
وقد أشار كاتب هذه الدراسة في معرض حديثه عن تحولات الدراما عبر العصور ، فقد عبر عن تحولات مفهوم الدراماتورجيا منذ اليونان القديمة "لهذا يمكن اعتبار القرن الثامن عشر بداية تحول في تاريخ الدراماتورجيا، وذلك من خلال ماسجله من تقويض للاجناس الدرامية الكلاسيكية وإبتكاره لأجناس مركبة (دراما عائلية ،كوميديا دامعة،.. الخ)الشيء الذي جعل الرومانسية تجمع في مسرحها بين التاريخ اليومي وبين الغروتسك و المتسامي وذلك في نطاق اجناس وسيطة عرفت ازدهارها في الكوميديا اليونانية والكوميديا الاسبانية والدراما الشكسبيرية" .
ان التحولات التي يشير اليها المؤلف التي عملت الدراماتورجيا على اضفاءها على الاجناس المسرحية، أنما يتناقض وبشكل كبير مع ماجاء في رأي المؤلف حول الدراماتورجيا وكونها (فن تأليف النتاجات المسرحية) ذلك ان النتاجات المسرحية تشير الى المسرحية بشقيها (النص – العرض) اما حديثه عن الاجناس وتحولاتها إنما يقتصر في كلامه هذا على النص فحسب كون الجنس الدرامي يتشكل في بنية النص لأنه يحدد نوع المادة المكتوبة (الجنس الادبي) اما العرض فإنه شأن اخر لإحتواءه على بنية مختلفة قد يشارك النص كجنس ادبي في مضمونها الا ان العرض لديها سمات اخرى قد تعوض او تغير من (الجنس الادبي – النص) اثناء العرض.
وقد أشار المؤلف الى تحول آخر " ان الدراماتورجيا اصبحت تشكل عالماً من الابتكارات والكشوفات تراعي في الاساس العلائق القائمة بين المواد النصية والركحية ، وذلك بإخضاعه او بتوجيه الفرجة الى غايات منشودة "
قد يكون هذا الرأي قريبا من مهمة الدراماتورج ، الا ان الامر في النهاية يكتنفه الغموض حول تحولات (الدراماتورج – الدراماتورجيا) ووضع تعريف لكل منهما وإضفاء مهام تختلف الواحدة عن الاخرى ، وقد اشار المؤلف الى تعدد الدراماتورجيات "ويمكن الإشارة الى توفر المسرح الحديث على عدة دراماتورجيات او شعريات مسرحية يجمع بينها هاجس واحد هو العناية بالمتلقي ، لهذا لجأ كتاب هذا المسرح الى ابتداع اساليب ونظريات تنطلق من المبدأ التالي : وهو ان على المتفرج ان يتجرد من وضعيته كمتأمل ليشارك في الفعل المسرحي " .
ان علاقة المسرح بشكل عام ومنذ نشأته كانت ولاتزال مرتبطة بالمتلقي فمنذ مسرحيات اسخيلوس كان دور المتلقي واضحا وقد عبر أرسطو في كتابه (فن الشعر)عن ذلك من خلال طرحه لمفهوم (التطهير) بوصفه تعبيراً واضحاً عن عمق العلاقة بين المسرح والجمهور.
لذلك فإن الدراماتورجيا بحسب المؤلف لم تبتكر وانما هي استمرار لمفاهيم قديمة تطورت بتطور المسرح وجميع عناصره.
ان التواصل كان ولايزال موجوداً اذ لاوجود لعرض مسرحي او قارئ لمسرحية ، ولايكون بينهما تواصل وإلا فما الذي يجعل ذلك المتلقي يستمر في المشاهدة وما الذي يلزم قارئ النص المسرحي على الاستمرار بالتواصل معه، ويبدو أن المؤلف يحاول من خلال إلقاء الضوء على تحول التواصل لدى المتلقي عبر تحويل اهتمامه بجزء معين دون غيره من الاجزاء التي تشكل بمجملها العرض المسرحي وهذا ممكن طبعاً حسب طبيعة وفكر المؤلف من جهة والمخرج ورؤيته من جهة اخرى .
وفي قرائتنا للدراسة الثانية والتي تحمل عنوان (المسرح فن خالد) وكذلك الدراسة الثالثة ( المسرح والمقدس) وهما دراستين مترجمتين لمؤلفين مختلفين الا انهما تحتويان في مضامينهما على نقاط مشتركة من اهمها اتجاه كلا الدراستين حول مفهوم التطهير وعلاقته في الدراسة الاولى بالعرض المسرحي والثانية بالمجتمع ، ففي الدراسة الاولى عرف مؤلفها (التطهير) على "ان التطهير الشامل المنعش والصحي لايمكن إدراكه الابواسطة المشاهدة (المعيشة) لحدث يؤديه افراد احياء يتجسدون بلحمهم ودمهم ،فهذه هي المعجزات الخاصة بالفن الدرامي، التي لايمكن ان تقارن الا بالمعجزة التي تنبع من ( نقاهة) يوفرها لنا التحليل النفسي " .
اما في الدراسة الثانية والتي يشير فيها المؤلف الى نوع آخر من التطهير بوصفه "اللحظة التي يبتكر فيها ذلك الالتئام بين البعد الفردي والبعد الجماعي لقدرنا: لحظة نصبح فيها ذوات اجتماعية حاملة لقدر شعب ننتمي اليه في الوقت الذي نكون فيه حاملين لقدرنا الخاص" .
ان كلا التعريفين يعبران بشكل او بآخر عن مضمون التطهير ذلك ان الاول يعبر عن ماينتج للنفس الانسانية من خوف وشفقة تؤديان بالانسان الى انتاج شعور مختلف لايستطيع الحصول عليه عبر اي نشاط آخر سوى نشاط الدراما، اما الثاني فإنه يربط التطهير بالجماعة على اعتبار ان بنية المسرح ولدت من خلال (شعيرة) جماعية عبر الاحتفالات الدينية الجماعية وليست بشكل فردي .. لذلك فإن علاقة التطهير بالجماعة انما هو امر أشمل واكثر اهمية من علاقته بالفرد وهذا أمر غير مقبول في الدراما على وجه الخصوص.
جاءت دراسة (قضايا الفرد والمجتمع في مسرح ارثر ميللر) والتي كشف فيها الكاتب عن تجربة ميللر في الكتابة الدرامية /المسرحية وكذلك السينمائية /السيناريو.
وقد اراد المؤلف ان يبين اسلوب ميللر في دفاعه عن الفرد في المجتمع الراسمالي /الاميركي تحديداً فـ ميللر كاتب ماركسي / اميركي كتب مسرحياته سعياً وراء فضح السياسة الاميركية وبنيتها الاقتصادية التي تدمر قدرة الفرد وتلغي علاقته بالمجتمع وقد ذكر ميللر في حديثه عن التراجيديا قائلاً أنها" ليست تعبيراً عن اليأس ولكنها تعبير عن الانتصار حينما نتمكن من قهر اليأس ، إنها إعلاء لمبادئ الانسان وأمل ماركسي في المستقبل الزاهر الذي يشهد على كرامة الانسانية"
ان كلام ميللر هذا إنما يصدرعن قناعة المثقف بمبادئ ووجهة نظر يثبتها ، واسلوب في الكتابة والتفكير.
وفي دراسة اخرى ينتقل المترجم فيها الى قراءة (مسرح فرناندو أربال) وما يتضمن هذا المسرح في بنية نصية ،لاسيما اذا عرفنا ان اربال يعد واحداً من كتاب مسرح العبث المعروفين وهو بمصاف يونسكو ، بيكت، ادموف، وغيرهم ومن اهم الاراء التي يقول بها اربال بحسب كاتب الدراسة " ان مسرح ارابال تطور في نطاق التعبير القوي وبنطاق القسوة التي يطالب اربال بوجودها وهذا ما يجعلنا نؤكد على ان العبث لم يكن قط لديه سوى نتيجة ، وان كان احياناً يجسد صورة عالم يتجاهل القوى التي تتحكم فيه: الشيء الذي جعل شخوصه تبدو وكأنها تحرص تدريجياً على ممارسة بعض هذه القوى لأنها كامنة في داخلها "
ان ماذكر أنفاً يعبر عن (العبث ) الذي يعد اربال واحداً من اعلامه كما ذكرنا سابقاً وقد اشار كاتب الدراسة الى اهمية العنف في مسرح اربال وعبر عنه من خلال كلام ارابال نفسه:
" اني افكر في خلق عنف زائل اي مسرح واقعة انطلاقاً من جثة ، فلو اعارتني كلية الطب اياها يمكن لي ان اكتب ابلغ قصة حب عاطفية .مثلاً لعبة ترقص الفتاة خلالها مع ميت وهي تعتقد انه حي"
ان تفكير ارابال يوضح مدى اختلافه عن اقرانه من كتاب المسرح ذلك ان لكل واحد من مؤلفي مسرح العبث وجهة نظر يعبر من خلالها عن فهمه لعبث الحياة ولامعقوليتها ، ومن ناحية اللغة فإن ارابال لم يكن يهتم بها بشكلها الشعري فقد " تخلى نهائياً عن اللغة الشعرية التي يراها خالية من كل مفعول – ليلتزم بما يجري فوق الركح ، أنه المسرح الذي يهدف الى بعث مايسعى المجتمع دوماً الى محوه واخفاءه.. وبالتالي فإذا كانت هذه المحاولة التخريبية تبدو ذاتية في الغالب فلأنها لاتختلف بالنسبة لأرابال عن أبسط محاولة للصمود في العيش"


(*) قراءة في كتاب :المسرح فن خالد ، ترجمة : د.حسن المنيعي ، اصدارات امنية ، الدار البيضاء ،الطبعة الاولى / 2003 .(جميع النصوص الواردة في المقال تعود الى المصدر نفسه)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط