الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد : الدولة الحديثة والمجتمع القديم

عبد الرحمن دارا سليمان

2010 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لا تستطيع الدولة أن تكون مصدرا للحرية والعدالة والمساواة وإحترام حقوق الإنسان، وأن تخلق قيم السياسة الحديثة الأخرى، إذا لم تكن هي نفسها ثمرة تطوّر هذه القيم ونضوجها داخل المجتمع نفسه، وستبقى الدولة مجرد فكرة عليا متسامية وبلا مرتكزات ولا جذور عميقة، إن ظلّ المجتمع المدني راكدا وفاقدا للسيطرة عليها ومتلقّيا سلبيا للسياسة الناتجة عنها بدون فحص ومحاسبة ومسائلة بصورة دائمة، وقد يكون منبع هذا المأزق المستمر في الوضع العراقي ،هو أن الدولة العراقية الحديثة، دخلت في الحياة السياسية كمعطى جاهز ومقطوع الصلات عن الخبرات التاريخية المحلّية .

ومن العوامل الداخلية التي تدفع أكثر فأكثر، في إتجاه الإنفصال بين الدولة الجديدة والمؤسسات المنبثقة عنها من جهة، وبين المجتمع العراقي من جهة أخرى، هو ما أحاط بظروف توليدها من ملابسات وتعقيدات صاحبت الإحتلال والإرهاب الوافد بالإضافة للتحّديات والتدّخلات الإقليمية والدولية المستمرة، والأهم من ذلك هو إرتضاء النخب السياسية العراقية ذاتها، للمكاسب الآنية والإمتيازات الضيّقة والناجمة عن تلك الأوضاع الإستثنائية على حساب الأوساط الشعبية المحرومة والمتضررة من تلك الأوضاع بما فيها قطاعات واسعة ممن تدّعي وتزعم تلك النخب تمثيلها سياسيا، وهذا الأمر يمهّد بالضرورة لإعادة إنتاج مفهوم الدولة التقليدية من الناحية العملية، وتطابقها المعروف مع مفهوم القوّة والجيش والعسكرة والمخابرات والأمن الوطني وبصورة يعتريها الكثير من التشويه والمسخ والإلتباس والتداخل في حدود الصلاحيات والوظائف، حيث السيطرة والهيمنة موزّعة ومفتتة حسب المناطق والمكوّنات الإجتماعية المختلفة، وبالتالي أدّت هذه الأوضاع بمجملها مرّة أخرى، إلى حرمان المجتمع الواسع من التوّصل إلى القواعد السليمة للتعامل مع هذه الدولة الجديدة والغريبة في نفس الوقت .

فهي نظريا وشكّليا، دولة قانون ومؤسسات دستورية ويسمح نظامها السياسي بالتعددية وضمان الحريات العامّة والتداول السلمي للسلطة الصادرة عن الإرادة الشعبية، وعمليا تحوّلت تلك المضامين العميقة إلى شعارات مستهلكة في الصراع والتنافس على السلطة بدلا أن تكون قيما مرتبطة وموّجهة للممارسة اليومية في أوساط النخبة السياسية والأغلبية الإجتماعية على حدّ سواء، وتحوّلت معها السياسة كميدان للتوافق وتجديد النخب الإجتماعية، إلى مجّرد مناورات سياسية متناقضة ومتضاربة في كل الإتجاهات بلا بوصلة ولا هدف واضح يسمح لها بالخروج من حالة ردّ الفعل على الأفعال القادمة من وراء الحدود منذ عام 2003 .

هكذا يبدو المجتمع وكأنه محروم عمليا من القيادة السياسية، ليس بمعنى الغياب لرجال الحكم والسياسة، وإنما لغياب نخبة متماسكة ومسؤولة وقادرة بالفعل على القيام بالوظيفة السياسية، وتوّحدها روح القيادة الجماعية والعمل المشترك، بالرغم من الصراع والتنافس وتعدد الأصول والعقائد والتوّجهات الفكرية، ومن منطلق الحفاظ على المصالح الوطنية العامّة وفي سبيل حمايتها وتنميتها . ومن المستحيل أن تتحققّ هذه المهمّة لوحدها وتنشأ من الفراغ أو من مجرّد تسطير القيّم القانونية والدستورية على الورق وكفى المؤمنين شرّ القتال، بل هو ثمرة لصيرورة مستمرة تتحوّل مع الزمن إلى أعراف وتقاليد سياسية تتوارثها القيادات والنخب السياسية الجديدة وتعمل على تراكمها وتعديلها وتحسينها جيلا بعد جيل من خلال التفاعل والتواصل الإيجابي بين الدولة والمجتمع .

إنّ توطين تلك القيّم وما يرتبط بها من رؤى وتصورات وأفكار ومعايير هادفة إلى بناء فكرة المواطنة وتجاوز حالة الإنقسامات والولاءات الثانوية المدمّرة والتي لا تمثّل في حقيقتها الاّ واجهات للتغطية على الأنانية السياسية والمنافع الفردية الضيّقة وتهّدد في حالة إستمرارها إلى القطيعة الحتمية وفقدان الثقة من قبل المجتمع بسلطته الحاكمة، ليست بالمهمّة السهلة على الإطلاق، ولكنها ستكون أصعب إن كانت السنوات الأربع المقبلة هي صورة مكررة لما سبقها من سنوات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا