الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وارسو توّدع ونحن نبتهل!..

فاضل الخطيب

2010 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


وارسو توّدع ونحن نبتهل!..

لم يرث الحكم عن أبيه، ولم يقم برلمان أبيه كخياط بيجامات بتعديل الدستور ليناسب مقاساته، لم يبعثوه إلى إنكلترا للعلاج النفسي بصمت أخرس، لم يأتِ للقصر على ظهر دبابة، لم يقم بحركة تصحيحية مباركة على رفاقه، لم يعتقل المعارضين من رفاقه أو غير رفاقه، لم يقصف ولا قرية أو مدينة في وطنه بالمواد الكيميائية أو بالقذائف لتربية وتخويف الشعب وللقضاء على المتمردين على حكمه، لم يسقط عشرات الآلاف من أبناء بلده كضحايا قمعه، لم يُطوّر فنون السجون والتعذيب، لم يُساهم في إعلان حالة الطوارئ ولم يُبقِ عليها، لم يُفرّط بتراب الوطن لا في "اسكندرونهم ولا في جولانهم"، لم يدعم الإرهابيين في أي مكان في العالم للترويع والتخويف من خطر البدائل، لم يضع يده على بترول البلد ويمنع حسابه ضمن موازنات الدولة –على اعتبار أن البترول في يدٍ أمينة-، لم يقضِ في عهده ولا أي صاحب رأي سياسي ولو ليلة واحدة في السجن، لم يكن مشهوراً بكثرة التماثيل والجداريات التي يقيمها له المتسلقون، لم يقم بتأسيس منظمات كثيرة للمخابرات، لم تُسمى باسمه المؤسسات والشوارع والساحات والجسور والسدود والمشافي ورياض الأطفال ودور الثقافة والصالات والأفلام، ولا توجد باسمه المنشآت الرياضية والتماثيل والحدائق والمتنزهات والغابات والمسابح، ولم تحمل اسمه المطارات والمعسكرات والدورات والمجمعات والجوامع والكنائس والمدن والبلدات والضواحي..إلخ. لم يصفه ولا أي إنسان بالديكتاتور لا من المعارضة ولا من أبناء بلده المهاجرين في العالم، لم يُسمع عن فساده أو فساد أسرته، لم "يتستر على العيوب والنواقص" أبداً، لم تصبح بلده في قائمة دول الفساد في العالم، لم يُساوم على حقوق وطنه بأي ثمن كان حتى لو كان بقاءه في الحكم، لم يغزُ أي بلدٍ مجاورٍ "شقيق"، لم يأمر في عمليات الاغتيال ضد خصومه السياسيين، لم يتدخل ولا مرة واحدة في مسائل القضاء واستقلاليته، لم يكن ممانعاً في النهار ومتسولاً مستجدياً "أعداءه" في الليل، لم يطرح شعار الوقت المناسب والرد المناسب، لم تكن ثروته مليارات الدولارات ولم يستطع التوفير من راتبه كي يُصبح ملياردير، لم يقم بتأهيل ابنه لاستلام الحكم والبلد وكأنها حاكورة تابعة لبيته، لم يقم بابتزاز الخارج وتهديدهم بسجن أبناء بلده إذا لم يعطوه بعض الامتيازات هنا أو هناك، لم يطلب منه ولا أي مسئول أجنبي للإفراج عن معتقل سياسي واحد عنده مقابل خفض العقوبات عنه، لم تكن إدارة دولته من أشخاص فاسدين فقط ولم يُشجعهم على الفساد، بل كان مقاوماً عنيداً للفساد، لم يكن أولاد المسئولين قمة الزعبرة والتشبيح والنصب، ويمكن متابعة الـ"لم" هذه، لكنه بالتأكيد لم يكن حاكماً عربياً، ولم يكن يوماً عضواً في بلاط وحاشية أي حاكم مستبد. وآخر " لم "، هي أنه لم يكن رُبع برلمانه من الأميين كما في اليمن السعيد أو من عصابات المافيا المخابراتية كما في مزرعة الأسد الأب مؤسس القمع والفساد أو وريثه مُكرّس البلاء و "الفثاد"!..

نعم يجب أن نضع سطراً فارغاً بين تلك الكائنات الحية المريضة وبين رمزاً للوطنية والنزاهة، فراغاً وحاجزاً بين كل ما هو سيء ومُقرف ومافيوزي وبين رمز الطهارة والإخلاص الوطني والحضاري العصري، بين وريثٍ يعرفه جيداً عدة أطباء إنكليز بأنه غير صحي "ليست شماته" وبين إنسان عاش بأخلاق وشعور الإنسان المواطن..
إنه كاجينسكي، والذي تفخر فيه بولونيا كما كان فخوراً هو بانتمائه البولوني، كاجينسكي الذي فرض في حياته ويفرض في مماته احترام معارضيه السياسيين قبل مؤيديه، لأنه كان مستقيماً ووصل الحكم بطريق مستقيمة..

أسرارُ رهيبة تخفيها غابات سمولنسكي الروسية وخاصة منطقة كاتين، أو بالأحرى لم تكن يوماً سراً أمام البولونيين. الديكتاتور الأكبر ستالين، قام في عام 1940 بإعدام نخبة بولونيا، 22 ألفاً من الأطباء والمحامين والمفكرين والفنانين وضباط احتياط أعدمتهم المخابرات السوفييتية بأمرة المستبد الأكبر، وبهدف إجهاض دولة بولونيا والأمة البولونية، وحتى الأمس القريب لم تعترف موسكو بتلك المجزرة. غابات كاتين كم تُشبه صحراء تدمر ورمال تدمر بقهرها واستبدادها ودمائها، وُحُول ثلج كاتين كم تُشبه فضلات ذرّات رمال تدمر النووية.
لكن بولونيا قامت كما قام المسيح، حقاً قامت ولا يُشكك في ذلك حتى "أعداءها" وحتى الذين لا يؤمنون بالمسيح وقيامته، وتوّحد الشعب والأمة البولونية من أجل الأهداف الوطنية العامة، وكانت دائماً بولونيا الشعب هناك في كاتين رغم أنف العساكر..
وبالأمس القريب سقطت طائرة الرئيس البولوني وهي تحمل نخبة بولونيا العسكرية والسياسية والإدارية وفي مقدمتهم الرئيس كاجينسكي وزوجته، في مكان كان قد قضى فيه أقربائهما قبل 70 عاماً، لكن هذه الكارثة صهرت الشعب البولوني في بوتقة حقيقية. لقد ارتقى البولونيون وعلى مختلف مشاربهم إلى درجة المثل الذي يُشار إليه بالبنان على السلوك الحضاري والوطنية. المتابع لمحطات التلفزة البولونية وبدون معرفة اللغة يرى بأم عينيه حقيقة الشعب الذي يعرف تقدير من يستحق ذلك وبدون شبيبة الثورة وبدون طلائع ومخابرات ودبابات، بدون تمثيلٍ وابتذال.
لم يكن كاجينسكي رجل دولة فقط، لقد كان أكبر من ذلك، لقد كان وطنيٌ قبل كل شيء. كاجينسكي لم يستطع في حياته توحيد البولونيين كلهم خلفه، لكنه وحّدهم كلهم –وأكرر كلهم- في موته.
ما أحوجنا إلى موّحدٍ لنا حتى لو لم يكن عندنا من يُشبه غبار كاجينسكي، ما أحوجنا للعزاء، العزاء الذي لا يمكن أن يكون عزاءً!.. لقد بكيتُ أنا كاجينسكي ورفاقه، أم كنتُ أبكي سورية؟!...

بودابست، 15 / 4 / 2010، فاضل الخطيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زبادي ابليس ما بتخيس
نبيل السوري ( 2010 / 4 / 15 - 06:21 )
هذا مثل قديم يقال أيضاً بطريقة أكثر سوقية، وهو ينطبق على كل الحكام العرب والذي لم يقضٍ أحدهم منذ 40 سنة إلا على فراشه لأن الطائرات والسيارات والبيوت كلها أفخم وأكثر تجهيزاً وصيانة من أهم رئيس أمريكي، وكله بأموال الشعوب مما يعيدنا للمثل والذي يعني أن مثل هؤلاء لا يموتون بحوادث

هناك سؤال لجميع من ينبري للدفاع عن أي نظام عربي، خاصة الممانع السوري: لو تعرض وفد من وزن من كانوا في طائرة كاجنسكي لحادث مماثل وقتلوا كلهم، كيف سيكون السيناريو اللاحق؟
وفي بلد مؤسساتي (بلا ظغرة) مثل سوريا، هل ستتم الأمور مثل ما تمت في بولونيا حيث استمرت إدارة الدولة بدون أية مشكلة، كون موت الرئيس وقسم كبير من الإدارة المدنية والعسكرية لن يفتح شهية من سينقض على الحكم، لأن هناك مؤسسات دستورية أنتجتها الديمقراطية تضمن سلاسة إدارة الدولة ولو مات كل موظفيها. في حين في سوريا وقوع حدث أصغر كمقتل الرئيس بحادث سيفتح الباب واسعاً أمام كل المصائب التي قد لا تخطر ببال.
هذه هي الإنجازات المؤسساتية لطغاتنا، وجدير بنا أن نركّز على هذه الأمور لأنها تعني أن الطغاة صمموا لنا وضعاً بموجبه فإن مستقبل عشرات الملايين مرهون بأصغر حدث


2 - أحييك
فاضل الخطيب ( 2010 / 4 / 15 - 10:40 )
السيد النبيل السوري المحترم: أشكرك على تعقيبك الذي أغنى الموضوع. أشاطرك الرأي بكل ما كتبته..
أحييك


3 - احذر الكلاب يا دكتور
علي الحاج حسين ( 2010 / 4 / 15 - 16:21 )
الدكتور فاضل المحترم

الكلب الذي ترمي بالحجارة مسعورا فاحذر من عضته..
دمت بخير


4 - عض الكلاب المسعورة أم خرمشة القطط السِمان!..ا
فاضل الخطيب ( 2010 / 4 / 15 - 18:12 )
من تجربة تقولها يا أخ علي؟ الحياة كلها ومن قبل ولادتنا بتسعة شهور -باستثناء السبيعي- تكون مليئة بالمخاطر.. -السبيعي هو الطفل الذي يستعجل المجيء للحياة بعد سبعة شهور حملٍ وليس ذلك السبيعي الذي صار سبعاً-!.. وإذا كان علينا الخوف من عض الكلاب نصبح نسبح بحمد القطط خوفاً من خرمشتها مهما كانت سمينة.. بقي عندي 13 سنة إلاّ 3 أشهر..ا وفهمكم كفاية وللفهمانين السِمان أقول كفاية!..ا


5 - القطط السمان أيضا قد تكون مسعورة
علي الحاج حسين ( 2010 / 4 / 15 - 22:52 )
على فكرة...
السبيعي أو السبعاوي يسمى بالعربية خديج.
فكم من خديج يتحكم بكامل الأوصاف

اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات