الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظة ود في جو رمادي

سميرة عباس التميمي

2010 / 4 / 15
الادب والفن


رغم ان السلالم الخارجة من المترو كان يعلوها الصقيع, الا انها تسلقتها بخفة وسرعة حتى تلحق بالباص الذاهب الى منطقة سكناها , فأشد ما تريد فعله الآن هو أن تتخلص من المعطف المتجمد على ظهرها والطبول الضاربة في رأسها من روتينات احداث يوم عملها والتي تسبب لها صداعا مزمنا.
وصلت الى موقف الباص وحلقت بعينيها الحزينتين في السماء الرمادية, كانت بحاجة الى نور يعانق روحها الفارغة فلم تجد في رحلتها الى السماء التي استغرقت ثوان معدودة أحد , غير تراكمات غيوم داكنة ونعيق غراب قطع تأملاتها في مرآة وجه تلك المدينة الحزينة ليرجع منظر البنايات الخالية من السكان.
مضت مدة طويلة على وجودها في هذه المدينة القريبة منها والتي أصبحت غريبة عنها بعاداتها التي لا تستطيع ان تتكيف مع التافه منها ,ورفضها لها يوقعها في مشاكل هي في غنى عنها. لذا أمست الوحدة رفيقتها منذ زمن بعيد, فملأت معظم وقتها بالقراءة والرسم والنزهات في الحدائق العامة.
روح الطفلة فيها تصرخ للحياة وتعبث بأزرار الوقت البدل الضائع , حتى تتشبث بعناد بأمل لاح في بارقة مخيلتها, وما يؤلمها أكثر هو أن ترى أجمل سنوات عمرها تمر أمام عينيها دون أن تثمر عن شيء, وكأن أحد ما يتحكم بمصير حياتها, لذا كانت في صراع مستمر مع نفسها القلقة.
بدى لها الناس من حولها كتماثيل ميكانيكية , اكتست وجوههم بخراب الحروب العالمية المدمرة وقد تسمروا في مكانهم من شدة البرد, متحدين الرياح الثلجية وقانعين بقدرهم الآتي . أما السيارات فكانت الشيء الوحيد المتحرك في هذه اللوحة الرمادية, فتسابقت مع بعضها البعض للوصول إلى نهاية السباق بسرعة جنونية داهسة الثلج الممتزج بالطين غير آبهة باتساخ المارة.
اقتربت منها سيدة في الستين من عمرها كانت برفقة رجل وسألتها بلطف: "عفوا آنستي , هل الباص رقم ( ) يتوقف هنا؟
لطف السيدة أنعشها فأجابت برقة: " نعم سيدتي انه يمر من هنا , ولكنه عادة ما يتأخر بسبب سوء الأحوال الجوية.
رمقت الرجل الذي كان برفقة السيدة بنظرة خاطفة, فوجدته رجل طويل القامة بلحية رمادية ومعطف واق شيء ما فيه ذكرها ببرناتشو اقترب منها كأنه يريد ان يقول لها شيئا, السيدة أيضا اقتربت من الآنسة كأنهم يريدون تدفئة بعضهم البعض , وجدت الآنسة نفسها وجه لوجه مع الرجل تأملت عيناه السوداويتين, شيء ما جذبها نحوه، الطيبة والحنان المنبعيثن من وجهه السمح؟ شكله المتميز؟ يبدو ان كل شيء فيه كان غير مألوف . أحتواها بعينيه , فسرت موجة حنان دافئة في أوصالها وروحها, شعرت بارتياح كبير, ضحك الرجل وهي ابتسمت له بود, تخيلت نفسها وهو يضمها بحنان وقوة الى صدره وفي برهة توقف الزمن فنسيت البرد وانها في موقف الباص وأصبح كل شيء وردي امام ناظريها.
وفجأة جاء صوت السيدة ممتعضا لتوقف لحظة الحب التي ولدت بينهما: "عفوا آنستي يبدو ان الباص سيتأخر, الأفضل ان نذهب سيرا على اقدامنا أنا ووالدي. طاب يومك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح