الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الماديّة الديالكتيكيّة .. 6

فواز فرحان

2010 / 4 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في المادية الديالكتيكيّة ...

الديالكتيك ...

عندما يدور الكلام عن الديالكتيك فإن ذلك غالباً يتم بغموض ، ويُقدّم على أنه شئ مُعقد ..
إن لفظة الديالكتيك في أصلها اللغوي الإغريقي تعني ( فن المناقشة ) وهكذا نسمع غالباً أن الإنسان الذي يناقش طويلاً ويتوسّع نسميه ديالكتيكي ..
ملاحظة ...
( لن ندرس كلمة الديالكتيك بهذا المعنى ) ..
فقد إكتسبت دلالة خاصة من وجهة النظر الفلسفية ، فهو منهج في التفكير بدقة كبرى ..

ممَّ يتولد هذا المنهج ؟؟

رأينا أن الميتافيزيقا تنظر الى العالم على أنه مجموعة من الأشياء المتحجرة ، وأنهُ على العكس إذا نظرنا الى الطبيعة رأينا كل شئ يتحرّك ، وكل شئ يتغيّر ، ونلاحظ الشئ نفسهُ بالنسبة للفكر ..
لذلك ...
ومن أجل أن نحدّد وبشكل بسيط ، ونُعطي فكرة مختصرة ، نستطيع القول .. أن الذي يقول ميتافيزيقا يعني ( جمود ) والذي يقول ديالكتيك يعني ( حركة ) ..
فالحركة والتغيير الموجودان في كل ما يُحيط بنا هما أساس الديالكتيك ..
حين ننظر ونتأمّل في الطبيعة ، في مداها ، في تاريخ الجنس البشري ، في نشاطنا الخاص ، أول ما نشاهد .. تشابكاً لا متناهياً للعلاقات وردود الأفعال ، للمبادلات والتركيبات ، تشابكاً لا يظل فيه شئ على حالهِ ، بل كل شئ يتحرّك ويتبدل ويُخلق ويُفنى ..
نرى من خلال هذا النص الواضح جداً لأنجلز من وجهة نظر الديالكتيك ..
(( أن كل شئ يتغيّر ، ولا يبقى حيث هو ، لا يستمر على ما هو عليهِ ، وبالنتيجة فإن وجهة النظر هذهِ مُتفقة مع الواقع تماماً ))
التاريخ أيضاً يُثبت لنا أن الأشياء لا تبقى على ما هي عليهِ ، إن أول مجتمع عرفتهُ العصور القديمة هو مجتمع الرق ، ثم تلاه المجتمع الإقطاعي ، ثم المجتمع الرأسمالي ودراسة هذهِ المجتمعات تُظهر لنا بصورة متواصلة ولا شعورية ، إن العناصر التي أتاحت ولادة مجتمع جديد تمّت داخل تلك المجتمعات نفسها .
المجتمع الإشتراكي المَبني في الإتحاد السوفيتي هو أيضاً مصيره الزوال ، إنهُ يتغيّر بشكل مرئي ، ولذلك لا يفهم الميتافيزيقيون ما يجري هناك ...
مشاعرنا تتغيّر وهذا أيضاً ما لا نفهمهُ ، فنحن نرى أن ماكان مجرّد تعاطف قد أصبحَ حبّاً ، ثم يتحول في بعض الأحيان كرهاً ..
ما نراه في كل مكان ، في الطبيعة ، في التاريخ ، في الفكر ، هو التغيير والحركة ، بهذهِ الملاحظة يبدأ الديالكتيك ...
لكن ...
هذا المنهج الديالكتيكي لم يستطع تأكيد ذاتهِ إلاّ بعد ذلك بوقت طويل ..
هذا يقودنا الى سؤال مهم وهو ..
لماذا تغلب التصوّر الميتافيزيقي على الديالكتيك طويلاً ؟
الجواب ..
رأينا أن التصور الميتافيزيقي ولد باكراً في التاريخ ، لكن قصور معارف الإنسان ، لكن قصور معارف الإنسان أتاح نمّو التصوّر الميتافيزيقي ، وجعلهُ يتقدم على الديالكتيك ...
( إذاً فقد خرجت الميتافيزيقا من نقص في تطوّر العلوم ) ..

مثال ...

التصوير ... نرى أننا نحاول تثبيت الأشياء في جمودها أولاً ( هذا هو التصوير ) ثم بعد ذلك في حركتها ( هذهِ هي السينما ) إذاً التصوير والسينما هما مثل لتطوّر العلوم والذهن الإنساني ..
( نحن ندرس الأشياء في سكونها قبل أن ندرسها في حركتها )
ولكن لماذا الأمر كذلك ؟
لأننا لم نكن نعلم ، وللتعلم سلكنا الطريق الأسهل ، والحال أن الأشياء الجامدة هي أسهل للفهم والدرس ، ومن المؤكد أن دراسة الأشياء في حالة السكون هي لحظة ضرورية في الفكر الديالكتيكي ، لكنها لحظة غير كافية تجزيئية ويجب أن تدمج في دراسة الأشياء المتغيّرة ...

لماذا كانت مادية القرن الثامن عشر ميتافيزيقية ؟

نحن نعلم أن الميكانيك لعب دوراً كبيراً في مادية القرن الثامن عشر ، وأن هذهِ الماديّة سُمّيت غالباً المادية الميكانيكية ..
ونتسائل لماذا كان الأمر بهذا الشكل ؟
لأن التصور المادي مرتبط بتطوّر جميع العلوم ، ولأن الميكانيك كان أول ما تطوّر بينها جميعاً ، وهو في اللغة العلمية ( دراسة الحركة بوصفها نقلة ) ...
ورغم أن اليونانيين لاحظوا جيداً أن كل شئ متحرّك إلاّ أنهم لم يستطيعوا الإستفادة من هذهِ الملاحظة ، لأن معرفتهم كانت غير كافية ..
نحن نعلم أن الماديّة مرتكزة على العلوم ، وإن العلم في القرن الثامن عشر كان خاضعاً للذهنية الميتافيزيقية ، وأن الميكانيك كان الأكثر تطوّراً من جميع العلوم في تلك الحقبة ...
لذلك سيقول أنجلز أنهُ لامفر من أن تكون مادية القرن الثامن عشر مادية ميتافيزيقية وميكانيكية ، لأن العلوم كانت كذلك ..
نقول إذاً ..
أن هذهِ الماديّة الميتافيزيقية والميكانيكية هي ماديّة ، لأنها تجيب على السؤال الأساسي في الفلسفة بأن العامل الأول هو المادة ، ولكنها كانت ميتافيزيقية لأنها إعتبرت الكون مجموعة من الأشياء المتحجرة والآلية ولأنها درست كل شئ ورأتهُ من خلال الميكانيك ...
ففي القرن التاسع عشر سيلاحظ إذاً أن العلوم مرتبطة بعضها ببعض ، وسينجم عن ذلك تراجع في الذهنية الميتافيزيقية في العلوم ، لأننا نملك معرفة أكثر عُمقاً في الطبيعة ...
لقد حدث هذا التغيير الذي رأيناه ، والذي أتاح للمادية أن تصبح ديالكتيكية خلال القرن التاسع عشر ، فالديالكتيك هو ذهنية العلوم التي بتطوّرها هجرت التصوّر الميتافيزيقي ، وقد إستطاعت المادية أن تتحوّل ، لأن العلوم تغيّرت ، فالماديّة الميتافيزيقية توافق العلوم الميتافيزيقية ، وتوافق العلوم الجديدة ماديّة جديدة هي الماديّة الديالكتيكية ...

كيف وِلدَت الماديّة الديالكتيكيّة ؟

إذا سألنا كيفَ جرى هذا التحوّل نجيب عامة قائلين ...
ــ كانت هناك المادية الميتافيزيقية ، مادية القرن الثامن عشر ..
ــ العلوم تغيّرت وتتطوّرت ..
ــ تدخل ماركس وإنجلز ، فقسّما المادية الميتافيزيقية الى إثنان ، أهملوا الميتافيزيقا ، وأبقويا على الماديّة مصبغين اليها الديالكتيك ...
لقد تطوّر الديالكتيك على يد فيلسوف الماني هو هيغل ( 1770 ــ 1831 ) الذي عرف كيف يفهم التغيير المحدث في العلوم ، فقد لاحظ بإستعادتهِ لفكرة هيرقليطس القديمة وساعدهُ في ذلك تقدّم العلوم ، لاحظ أن كل شئ في الكون هو حركة وتغيير ، وأن لاشئ معزول البتّة ، وأن كل شئ مرتبط بالآخر ، وهكذا خُلق الديالكتيك ، فبفضل هيغل نتحدّث اليوم عن عن حركة العالم الديالكتيكيّة ، وما فههُ هيغل أولاً هو حركة الفكر ودعاها الديالكتيك ..
لكن هيغل مثالي .. يُعطي الأهمية الاولى للروح ، وبالتالي يصنع لنفسهِ تصوّراً خاصاً للحركة والتغيير ، فيظن أن تغييرات الروح هي التي تُحدِث التغييرات في المادة ، وأن الكون هو الفكرة وقد صارت ماديّة ..
وقبل الكون كان هناك أولاً الروح كما إعتقد والذي إكتشف الكون ، وبإختصار يلاحظ أن الروح والكون هما في تغيير أبدي ، ولكنهُ يستخلص من هذا أن التغييرات في الروح هي التي تُحدد التغييرات في المادة ...
مثلاً ... المخترع لديهِ فكرة ، وهو يُحقق فكرتهِ ، وهذهِ الفكرة المُجسدة هي التي تخلق التغييرات في المادة ( كما يعتقد هيغل ) ..
هيغل إذاً هو ديالكتيكي ، لكنهُ يخضع الديالكتيك للمثالية ..
ماركس وانجلز هما من أتباع هيغل ، لكنهما من أتباعهِ الماديين ، وبالتالي يُعطون الأهمية الاولى للمادة ، يعتقدان أن ديالكتيك هيغل يُعطي إثباتات صحيحة ولكن بشكل مقلوب ..

يقول انجلز في هذا الموضوع ..
( مع هيغل كان الديالكتيك يقف على رأسهِ ، وتوّجبَ إعادة وضعهِ على قدميهِ ) ..

أحال ماركس وانجلز إذاً الى الواقع المادي السبب الأول لحركة الفكرة هذهِ ، التي حدّدها هيغل ، وسمّياه ديالكتيك مُستعيرين من هيغل اللفظة نفسها ...
فهما يعتقدان أن هيغل على حق في القول أن الفكر والكون هما في تغيير دائم ، لكنهُ أخطأ بتأكيدهِ أن التغييرات في الأفكار هي التي تحدد التغييرات في الأشياء ، وعلى عكس ذلك ، فإن الأشياء هي التي تعطينا الأفكار ، وتتعدل الأفكار لأن الأشياء تتعدل ...
سيأخذ ماركس وإنجلز الديالكتيك من هيغل بالطبع ، لكنهما سيُحوّلانهِ ، وسيفعلان الأمر نفسهُ بالماديّة ليُعطيانا المادية الديالكتيكية ....

ملخصات ماركسية ..
ــ مبادئ أولية في الفلسفة .. جورج بوليتزر
ــ الماديّة والنقد التجريبي .. لينين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي