الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمن الحرية 3 / .. من قصص ضحايا الارهاب

امنة محمد باقر

2010 / 4 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


طالب علم ... وانسان ..

اذا فسد الزمان ساد اللئام ، واذا ساد اللئام اضطهد الكرام

انحني اجلالا لكلمات علي عليه السلام ، واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ، في اي حضارة كانت اسأل حكمائها، وان لجوءنا الى الحكماء هو امر لاغبار عليه ، ومن عادة الشعوب والامم ان تلجأ لحكمائها ، لأنهم ذوي الخبرة والعلم والتجربة ، يختصرون لك الزمن ، فلاتتعب ولاتحقق فيما قالوه .. نعم لقد اضطهد الكرام في العراق في الاونة الاخيرة مثلما اضطهدوا في عهد الطاغية واتعجب ممن يقول انه جاء لنصرة الاحرار فاذا بهم اي الاحرار في عهده ام عهد غيره يضطهدون ...
انني لأعجب ان يكون قد جرى علينا ما جرى ، ولكن ليس هنالك من داع للعجب ... لقد انتشر الجهل في بلادنا في فترة التسعينيات فالجيل الذي كان يفترض به ان يقود الحياة هو جيل الجهل ، انني اشعر بالخجل والعار ان يكون ابناء جيل السبعينيات الذي انتمي اليه هم من يقود المليشيا الان ... لأنني عشت حياتي في بيئة اكاديمية بحته ، ولا افهم من همج الشارع ورعاعهم شيئا ، وكنت اتصور ان القتل والذبح هو من عالم غير عالمنا ، او انه في جبهات هدام المجرم فقط وحروبه التي لانعرف

كيف نجونا منها ... نحن جيل الحرب والموت والدمار ... يللسماء كم قبيحة هي الحياة التي عشناها ...
ولكن .. ومع ذلك لو اقتصرت على البيئة الاكاديمية التي عشت فيها لوجدت انني تعرفت الى خير خلق الله في ارضه ، وانني من الشخصيات السعيدة بطبيعتها ، الحزينة لما يجري حولها ... لهذا اود ان اسطر حياة الشاب حيدر المالكي طالب الدكتوراه الذي تم اغتياله عام 2006 سنة الدمار والدم .. وحياته هي 25 سنة فقط لا اكثر قضاها في طلب العلم ...

قد اكون اقدم في كل مرة مقدمة طويلة قبل ان استرسل في حديثي ، ولكني لا اريد للقصة ان تتمركز حولي ... اذ لاعلاقة لي بشخوصها وابطالها سوى الصداقة والمحبة ... ورب اخ لك لم تلده امك ..

كانت مجلة فراشات هي المفاجأة التي طلع بها حيدر بين ليلة وضحاها ... انا اعلم انه يعمل في المجال الانساني ... واعلم انه يدير المشاريع الخاصة ببناء المدارس ويحرص عليها كل الحرص ، اذ يرى فيها مستقبل ابناء البلد والنشأ الجديد ، ويرفض اي تلاعب ببناءها او اي رشاوى قد تدخل في مشاريعها ..
وانا شخصيا وبحكم عملي في هذا المجال وصداقتي للاسرة عرضت عليه ذات مرة طلب احد المقاولين في ان ترسو عليه المناقصة ، ولاعلم لي بما يعنيه المقاول ، لكن حيدر غضب مني كثيرا وقال بأنك يجب ان تبتعدي عن هؤلاء الناس ، لأن هذا هو مستقبل الاطفال ، ولانسلمه بأيدي المتلاعبين والمرتشين. وهذه الكلمات حين تصدر من طفل اصغر مني سنا واحكم مني عقلا ، فأنها تملؤني بالذهول ، كان عمره يومها 22 سنة في بداية مشاريع اعمار العراق ... ومن ساعتها عرفت من هو البطل حيدر عبد الحسين جابر المالكي ..

انه انسان ، بكل ما تعنيه كلمة الانسانية من معنى ... قيل له يوما ان احد ابناء المليشيات قد تعرض بيته للتفجير من قبل احد اعدائه ، وتصور ناقل الخبر ان حيدر قد سيفرح بحكم الاذية التي تعرض لها هو وغيره من ابناء المليشيا الجهلاء ... لكنه غضب كثيرا وقال : لاتصح الشماته بالناس ... ولا شأن لي بهذا ...
ايها الولد الجميل الذي لم يخلق لعالمنا ... عالمكم من نور وعالمنا من ظلماء ...

لا ادري لم تخونني التعابير وانا اعرف القصة بكامل تفاصيلها .. قلت له سأهديك من اشعار بنت الهدى ...

انا كنت أعلم ان درب ** الحق بالاشواك حافل
خال من الريحان ينشر ** عطره بين الجذاول
لكنني أقدمت اقفو السير ** في خطو الاوائل
فلطالما نصر الاله ** جنوده وهم القلائـــــل
فالحق يخلد في الوجود ** وكل ما يعدوه زائل

لم نكن نعتقد نحن المحيطين بحيدر انه سيموت يوما ما ... انه شاب ملئ بالحياة ، وكان كل مايفعله له علاقة بنتاج ثقافي يخطط له ، اما سفر الى زمالة ، او عمل على تحرير واصدار عدد جديد من المجلة .. مجلة فراشات للاطفال ... ومما عجبت له انه يوما ما .. كتب شعرا للاطفال في افتتاحية المجلة ... ولم اكن اعهده ينظم الشعر .. ولكنه كان يركز كل جهوده على الاشياء الكبيرة ... وغالبا ماتكون عقول المدراء هكذا .. اي التفكير في الامور الكبيرة ... لذا كان ذلك من الاشياء الجديدة .. التي زادت اعجابي به ...

انني اجد في الكتابة وعنه لذة كبيرة ... لأنني ممن عايشوه ... وعرفوا بقصته بالتفصيل الدقيق ...

كان حيدر رحمه الله في ولادته طفلا متقد الذكاء ... عامله اهله معاملة الملوك ... وكان لهذا تأثيره في وعيه المبكر ، حتى ان اقرب اصدقائه كان مشجعي كرة القدم ممن تصل اعمارهم الى اربعين سنة ، ولكنهم يقرأون نفس الجريدة ويتابعون ذات الاخبار الرياضية ... هو ابن العاشرة وجيرانهم مشجع الميناء ابن الاربعين سنة ! وحدث ولا حرج ... ان نشأة العباقرة غالبا ما تحمل في طياتها الكثير من المفارقات ...

احد الرجال من مصر عمل مع حيدر في بغداد ... كان حيدر يشغل منصب مدير التعليم المدني في العراق لبرنامج المجتمع المدني العراقي ويسكن في بغداد قبل رحيله رحمه الله ... المصري كان رجل كبير في السن ... قال بأن الطريقة التي تصرف بها حيدر في ادارة المشاريع وصغر سنه ... جعلت الرجل المصري يضرب المثل القائل ( ابن موت ) ! حكى ذلك الرجل تلك الحكاية لأهله بعد حادثة الاغتيال .. قال بأننا في مصر نسمي الشاب الذي يموت سريعا .. وهو يحمل الكثير من المواهب والامكانات ...: ابن موت ..

يقال ان ابا العلاء المعري ذات يوم تفاجأ بطفل يقول له : الست القائل : واني وان كنت الاخير زمانه ، لآت بما لم تستطعه الاوائل .. قال بلا ، فأجابه الطفل : الاقدمون جاءوا ب29 حرفا ، الا جعلتها 30؟ فقال المعري بأن هذا الطفل سيموت .. قريبا ، وبالفعل لم يطل عمره ..
انني لا اعرف فحوى قصص العبقرية ولماذا يظهر هكذا اشخاص في حياتنا ثم يرحلون ... بالطبع كلنا راحلون ... لكن لماذا يكون عمر البعض قصيرا بهذا الكم الهائل من المعلومات والخبرة والعمل ؟ لو كانت وفاة حيدر رحمه الله طبيعيا لربما استطردت في الاجابة عن ذلك السؤال ... لكنه اجبر على الرحيل ...
ان الاغتيال هو اجبار على الرحيل ... انك تجبر انسانا على ان يترجل عن جواد الحياة ... حين تقتله ... فتنهي وجوده ...
تفاصيل حادثة الاغتيال : ترك حيدر المنزل في تمام الساعة السادسة مساءا ، ذهب كي يشفر الستلايت ، يقول والده بأنه رآه قبل دقيقتين حين قيل له لقد قتله سيارة البطة في تقاطع المستشفى الزهراوي ...

تحركت السيارة التاكسي عموديا فقطعت الشارع الى نهايته ، كيف هي مشاعر حيدر في تلك الساعة ؟ تقول والدته انه جاء من سفره مرهقا ... ومتعبا وتصرف تصرفا غريبا ... ارادت ان تقبله لكنه كان يقاومها .. جاء متعبا جدا وكانت والدته تتوسل اليه ان تشمه وتقبله وتحضنه ، ولكنه يعاندها هذه المرة يدخل غرفته مسرعا ولايقبل ان يفتح الباب والاطفال كلهم قد تحضروا ان قد جاء حيدر ، فلابد ان يكون هنالك عدد جديد من المجلة وهدايا ومشاهدة كارتون ، وكان اطفال الجيران اليتامى قد طرقوا الباب بالامس وسألوا متى يعود حيدر من بغداد ، قد عاد الى مدينة الموت .. ولم تقتله بغداد ... بل قتلته مدينة الغدر صاحبة البطة الشهيرة التي سكت عنها الجميع بلا استثناء ، جاء مرهقا جدا ... ولكنه حين سمع بأن كأس العالم لكرة القدم عام 2006 لايمكن رؤيتها على الستلايت العادي ، اخذ الجهاز الى السوق كي يتم تشفيره ... احضر الستلايت .. الذي لازالت تحتفظ به الولادة وهو ممزق كجسد ابنها البض ... وضعه على الثلاجة تقول اخته ... ثم ذهب فجأة ولم يعد .... كانت تبحث عنه كي تستأذن باستخدام اللابتوب ... لكنه لم يكن في الغرفة ، شاهدت ستلايت فقط .. وضعه على ثلاجته الصغيرة داخل الغرفة ... وعاد ... يقول الجيران بأنه كان معهم يشرب الببسي ولم يكمل علبة الببسي كولا بل اعادها ، ثم اشترى جبس لمجموعة من الاطفال ، ووعدهم برؤية كأس العالم معه ، ثم ذهب .. رآه الجميع وهو يؤجر سيارة التاكسي تلك ، دخلت السيارة الى الشارع الذي يقطن فيه .. وفي نهاية الشارع استدارت يمنة ...ثم يسرة ... ثم دخلت الى شارع الاعدادية الرئيسي ( اعدادية العمارة للبنات ) متجهة نحو شارع الجسر ، لربما لم تقف حتى في الترافك لايت ... دخلت شارع الجسر الرئيسي .. وقفت في شارع دجلة تقاطع مكتب الصدر مع الزهراوي ... فجأة خرجت سيارة بطة محملة بأبناء الزانيات ... من ذوي الملابس السوداء ... قطعوا السير .. في عز النهار السادسة والنصف مساءا ... وقرب محلات الستلايت .. وامام انظار الجميع ... ومرأة البشر ممن يعقلون او لايعقلون ... والمستشفى الزهراوي ينظر ... والقتلة اعدوا العدة .. حتى سيارة الاسعاف جاهزة ... يقول السائق نزل علينا الرصاص كالمطر ... اجل مثل المطر .... ويروي السائق القصة بحزن .. انه لن ينس هذا المنظر ابدا مدى الحياة .... وانه شريك الاسرة في المصاب ... فقد كان الرصاص الكلاشنكوف النافذ ينزل على ولدكم كزخ المطر .... والسائق ينظر واصيب فخذه الايمن بوابل من رصاصهم ... ام الشاب حيدر فقط مزقوا قلبه وكبده وبطنه وامعائه ... ولكنه حما عينيه الجميلتين ورموشه الطويلة ... حماهما ...بيديده الجميلتين ولكن الرصاص مزق كفه ايضا ...

وانطفأت شعلة الحياة المتوهجة في لحظة ... قد شاب شعري وانا اروي هذا المقطع ...

عذرا لأنني سأتوقف هنا ... واكمل غدا بعونه تعالى ...اغص بالكلمات حين اكتبها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا