الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة السجين في سوريا

منهل السراج

2010 / 4 / 16
أوراق كتبت في وعن السجن



لم يبق أمام بليكان مراد زوجة رياض سيف إلا، الفيس بوك، نافذة تطل عبرها لتناجي زوجها في سجنه. ببوح مهذب مسالم.. رزين. تخبر عن شوقها ولهفتها وجمرتها للقاء حبيبها..
تقول إنها وخلال 120 أسبوعاً من اعتقاله، التقته ثمان ساعات وعشرين دقيقة. حيث يُفهم أن المرأة تحسب أيام غيابه بالدقيقة والثانية، أخبرت عن حصتها في لقائه، بوضوح وأمانة، ثمان ساعات وعشرين دقيقة. وغرضها من الرسالة، لو استطاعت أن تلتقيه أكثر.
مرات عديدة وقفت المرأة، أتخيلها أنيقة، على بعد أمتار، ترمق باب السجن.. تنتظر أن يفتح، لكنهم لايسمحون، فترجع خائبة.. وحين يسمحون وحين تفوز بلقائه، فإن وقت الزيارة لا يتجاوز ثلاثين دقيقة تلتقي خلالها زوجها تحت نظر وسمع الضابط المناوب، والذي على الأغلب ثقيل السمع، تقول إنه يجبرها أن تعيد جملتها إلى زوجها، مرات عديدة.. بالطبع كي يستوعب مايقولان ويؤدي عمله كمخبر عن الزيارة. ترجع بليكان إلى بيتها لتقضي بقية الوقت تنتظر موعد الزيارة التالي، تسلو عن ثقل الوقت باسترجاع اللقاء، وكل شيء حول حبيبها، تقول إنها تشتاق إلى كل شيء يخص نعمة النصف ساعة، باب السجن، جدران غرفة الزيارة، أثاثها، تشتاق حتى لوجوه الحرس.. وأضيف على رسالتها، أنها ربما تحاول تحليل نظرة تلميح من زوجها، غزل، أراد منها أن تفهم المقصود من دون أن ينتبه الحارس ثقيل الظل، الأمر ليس سهلاً.
وتختم، بنت الحلال، رسالتها: ودمت لزوجتك المحبة.
لا أظن أن أصحاب قرار الإفراج عن المعتقلين، يلتفت إلى ألم هذا الشعب في الأسبوع، 30 دقيقة، لا أعتقد.. فهم مشغولون في مناصبهم، وأداتهم في تسيير الأمور، هذا الذي يسمى قانون الطوارئ. والذي أظن أن على كل فرد من أفراد الشعب السوري أن يكون دارساً للمحاماة لكي يحفظ نفسه ومصيره ومصير أولاده من السجن، ولن يحميه هذا، لأن اعتقال المحامين صار موضة هذه الفترة.
تتوالى صور معتقلي الرأي، أسماء عديدة ومهن عديدة، منها الطبيب والمهندس والمحامي والنائب السابق، تتنوع أسماؤهم وأسماء أمهاتهم ومهنهم ومدنهم، ولكنهم جميعاً يحملون تهمة واحدة، وهن نفسية الأمة. وكل حين تطول القائمة وتزيد اسماً وفي الزاوية يركن خبر صغير، يتجدد، عن أناس فقدوا واختفوا أو ماتوا.. مثل قضية نزار رستناوي.
الصبية طل والصبية آيات، العمر 19، بالتأكيد كانتا تجهلان تلك الحدود الحمراء والزرقاء والخضراء لقانون حالة الطوارئ، تلك الحدود التي تتلون حسب القافز فوقها.. نعرف أنهما لم تتجاوزا العشرين، مراهقتان، ومن الصور تبدوان قمرين.. ومهما كانت التجاوزات بالتأكيد لم تلحق أفعالهما أن توهن نفسية الأمة.. وفي رسالة وجهتها أم إحدى الفتاتين ترجو أن يفرج عن ابنتها لأنها صغيرة وتقسم الأم لتبرئة ابنتها إن كانت تهمتها، الإرهاب، أن أبا البنت لايصلي ولايصوم..
ولا أحد يستطيع أن يميز ما يوهن نفسية الأمة، التهمة الجاهزة في محاكم الطوارئ في سوريا، ذاك لعلمنا جميعاً أن الشعب بمعظمه موهن النفسية، فالخوف تجذر وتشعب فينا جميعاً، ففي تعليق على مقال لي مكتوب فيه بالحرف، "عليك أيتها الكاتبة أن تحمدي الغرب وتشكريه ألف مرة على ماأنت فيه، ولو ظللت في سورية، كان زمانك بالمعتقل وأنت تعلمين". جفلت حين قرأته، لاأنكر هذا، فكاتبة هذه السطور لا تقوى على السجون، ورغم أنه لايخلو بيت في سوريا من سجين، إلا أن يسمع المرء بالأمر غير أن يعيشه. ومثل كثيرين، تهف النفس لقول كلمة حق، ولكن الجهل بالخطوط الحمراء أزمتنا، فإنها تودي بالناس إلى المعتقلات، ولا أحد يفهم نص "قانون" الطوارئ السوري الفضفاض، والذي يعطي القائمين على تنفيذه كل السلطة برمي التهم. أضع كلمة قانون بين هلالين، إذ لامعنى لتسميته قانوناً أو شرعاً، ما ليس إنسانياً! مجهول يتربص بطريق الناس ليرمي كل حين قشرة موز، قتقع ضحية..
مانقوله ليس بجديد، فكل وقت هناك من يدفع إلى السجون في سوريا لرأي قاله وأحياناً لم يقله، إنما المراد قوله إنه بالإضافة للخوف من المعتقل، فإنه حين يدفع أحدهم إلى السجن، لن يجد من يترحم على حريته بحق أو يطالب بها بجهود فعلية ومجدية، لا من الناشطين ولا من منظمات حقوق الإنسان، منظمات حقوق الإنسان بالذات باتت لضعفها وبطئها، مبعث يأس أكثر منها مبعث أمل..
من السهل جداً أن يصبح المواطن خلف القضبان، كما يحدث مع الذين افتدوا البلد، وأخذ السجن من أقدامهم شقفاً ونتفاً. ولكن كيف كان تفاعل الخارج في هذا؟ وأي عدل بين من يتلقى "الفلق" وبين من يعدّها آمناً في بيته.
وحين نقترب من تلك المنطقة، أن نكتب عن السجون والاعتقالات، يتردد ألف سؤال، أولها هل سيرضي هذا أهالي المعتقلين الذين يرجون فقط أن يفرج عن أحبابهم، من دون بطولات ولا صيت ولاضجيج.. هل سيرضي المعتقلين أنفسهم، حين يأملون فقط أن يتحرروا لينعموا كباقي البشر برؤية الخارج، سماء وأرض ووجه طفل أو وردة ..؟ ولانستطيع أن نشاروهم ولا نعرف إن كانوا يريدون أن نتذكرهم أو ننساهم. وهل يفيد هذا التساؤل بشيء؟
أود أن أبوح في نهاية مقالي هذا، وإن بدا ختاماً رومانسياً، أنني وفي كل مرة وحين أغلق ملف مقال يتناول أوضاعنا في سوريا، يحضرني تساؤل مر، هل سيُقرأ المقال؟ هل سيخدم بشيء؟ ويكون جوابي الأكيد، بعيداً عن الأحلام، إرسال المقال فقط لأنه كتب، ولكن لن يقدم ولن يؤخر، ودائماً، أغلق الملف بقناعة واحدة، أن أصحاب السلطة مثل الضابط المناوب وقت زيارة السجين، لا يسمعون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحدي
الحراث السوري ( 2010 / 4 / 16 - 11:48 )
من فوق هذا المنبر العالي الرفيع أتحدى الحارث السوري في أنه لو أجري استفتاء في سوريا أيهما يفضلون حكم بريمر الأميركي أو الجنرال بتريوس أم الطغمة الأسدية أو حتى أي طغمة بعثية لاختاروا بريمر أو بتريوس بنسبة لا تقل عن 80% وستصل نسبة التصويت إلى 90% فلا يعنتر أخونا الحارث ويعود إلى الترداد الممل عن الاستعمار والإمبريالية. هل كانت فرنسا ستمحق حماه او تصفي 700 معتقل سياسي في ليلة ليلاء
حكاية توهين الشعور القومي حكاية وقحة يرددها وقحاء ومخنثون. أيها القوميون العرب أين رجولة يوسف العظمة وابراهيم هنانو وهما كرديان وليسا عربيين لحسن حظهما إذ لا يجوز اتهامهما من قبل المخنثين بأنهما يوهنان الشعور القومي
بانتظار جواب الحارث السوري مع تحذيره من السباحة في بركة لا ماء فيها


2 - لكل فعل رد فعل يا عزيزي
مسيحي سوري ( 2010 / 4 / 17 - 00:11 )
متل ما بيقول القانون الدولي ( لكل فعل رد فعل يسااويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه ) لا يا عزيزي لمى هالحكومة يلي عم تحكي عنها ان كانت بحكم بريمر او الجنرال بترويس كلوا ااسوء من بعض ولمى حدي بيثور عليهم ما بيستنى ليعتقلهم ومن بعدها يبيدهن كان صفوهم مباشرة ... يلي عم تحكي عليهن بحماة قتلوا الاف البشر مش سبعمائة معتقل بس قتلوا ودمروا ونهبوا لقالوا بس .. شو بدنا نضحك على بعض يا عزيزي

هالحثالة يلي ماتت قتلت موظف بمقام صفير قدام زوجته وابنه يلي ما عدى السنة بحياته شو ذنبه هالطفل او امه ليعيشوا بلا رجال يحميهم باقي العمر . لهالسبب انا مع الاسد قلبا وقالبا ودمت لوطنا الحبيب اسد شامخ


3 - اللغة الأقل توتراً تذهب إلى العمق
نقولا الزهر ( 2010 / 4 / 17 - 00:14 )
شكراً لك على مقالتك
كقارئ، كنت دائماً أميل إلى اللغة الهادئة التي تسم مقالتك، لأنني أعتبرها أكثر عمقاً وتأثيراً وبقاءً من اللغة المشدودة، وإني اثمن اهتمامك بأحوال السجون والسجناء السياسيين، وخاصة أنك تلامسين مشاعر عائلة السجين زوجته ووالدته وابنته وابنه ولا يعرف قيمة هذه الملامسة أكثر من الذين خاضوا درب الآلام هذا، وأخبرك بكل صدق أن السجين يفرح مثل الطفل حينما يسمع كلمة إلى جانبه تأتي من الخارج ومن أي جهة كانت. في يوم من الأيام كنت اتمنى كلمة واحدة عن زوجتي التي كان يوم الزيارة بالنسبة لها يوم طوارئ طويل
تحياتي


4 - قانون الطوارئ
آشوري بلا وطن ( 2010 / 4 / 17 - 03:22 )
الى متى سيستمر قانون الطوارئ؟ والذي تعلنه الدول في زمن الحروب والكوارث ألم تنتهي الكوارث في سوريا ومع من تحارب الآن سوريا؟ سؤال بحاجة الى جواب يا أخي المسيحي السوري قانون الطوارئ تم اعلانه منذ ما يقارب الأربعون عاما، فالى متى سيتم ساري المفعول وبأي حجة


5 - ليس السجين وحده ضحية السجن
فلورنس غزلان ( 2010 / 4 / 17 - 09:58 )
شكراً لك وألف شكر ياغالية، فقد لامست برقة جراح المنسيات ، جراح المسجونات مع أزواجهن، يعشن معه عذاباته ويتحملن غيابه إلى جانب عيون الشفقة أو عيون الشماتة، هن أكثر تضحية وتأثراً وألماً ممن دخل السجن وهو مقتنع بما فعل وأنه يدفع ضريبة قناعة وطنية، غالباً ماتكون نساءنا بعيدات كل البعد عن السياسة ، لكنهن يؤمن برجل أحببنه، ويقدمن من أجل أسرهن كل التضحيات، يحملن هموم الأسرة ويربين الأبناء ويتقن مهمة الانتظار والصبر والوفاء..هن الضحايا الصامتة الضحايا الملحقة والمنسية,,لكنهن الأصل والفصل..لا أقول ماقالوا- وراء كل عظيم امرأة- وأنما معه وبجانبه امرأة عظيمة تمده بالحب والقوة ، تمده بالأمل والطاقة...لك شكري ومحبتي..لالقاء الضوء على من يستحق النور كله


6 - عـيـد الــجــلاء
وائل العظمة ( 2010 / 4 / 17 - 17:20 )
اليوم عيد الجلاء. ومن ثاني عيد جلاء سنة 1948 وحتى هذا اليوم لم تفرع سجون سوريا من المساجين السياسيين. هذه السجون الذي تدرب أسيادها على أيدي الهاربين النازيين اللاجئين إلى سوريا, ومن بعدها على أيادي الاختصاصيين من المخابرات السوفيتية والمرحومة المانيا الشرقية. هذه السجون الي فاقت أوصاف كـافـكـا إرهابا وظلما بأساليبها التي تمزق كل إنسانية لدى من يتورط فيها.
في هذا اليوم 17 نيسان 2010 سوف تعفي السلطات السورية على آلاف المحكومين بجرائم معيبة دنيئة مختلفة, ولكنها لن تغفي ولن تطلق سراح سجين سياسي واحد أو تخفف الضيم عنه.
كل هذا بصمت رهيب من جميع منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. لأن الإنسان السوري غير مصنف في اللوائح البشرية المعروفة.


7 - حلم قوننة الطوارئ!!؟
علي ديوب ( 2010 / 4 / 18 - 13:21 )
مما يليق نسبه إلى الواقعية السحرية، أو ما بعدها حتى، أن تغدو قوننة قانون الطوترئ في سورية. أي مجرد توضيحه و تمكين فهمه، مطلبا عقلانيا لدى الإنسان السوري. ماذا يمكن أن يقال؟ ماذا يمكن( بالمطلق) في بلد بات جثة للكواسر؟؟

اخر الافلام

.. السودان.. طوابير من النازحين في انتظار المساعدات بولاية القض


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا




.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب


.. حرب غزة: لا تقدّم في مفاوضات الهدنة.. حماس تتمسك بشروطها ونت




.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين