الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقيدة المؤمنة والسلوك الزنديق

سلمان الشمس

2004 / 7 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


المسافة الفاصلة بين العقيدة والسلوك ،تقترب وتتباعد،استنادا لمعطيات عدة ، لا يوجد تطابق تام بين سلوك الانسان وعقيدته ، ولو كان هذا التطابق موجودا لما احتاجت البشرية الى هذا العدد الهائل من الأنبياء والأولياء والصالحين …. ثمة أناس يخطبون ويصرخون من غير أن تتحول خطبهم الى سلوك واقعي، واخرين لوحت جباههم الشمس من غير أن تعنيهم هذه الخطب من قريب أو بعيد،العلاقة بين السلوك والعقيدة ، بين الفعل والقول،هي علاقة تكاملية ،كلما قصر الإنسان في سلوكه كثر كلامه وتبجحه وعلى صوته ،كلما تصالح الإنسان مع ذاته ووفق بين سلوكه وأفكاره خف صوته وهدأت نبرته….ولك أن تتأمل اثنان يخوضان نقاشا على القنوات الفضائية لتعرف من هو أكثر قناعة بفكره.
تاريخنا الطويل لا يدفعنا باتجاه احترام العمل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ،كانت نظرة الأعرابي للعمل نظرة ازدرائية ، الأسلوب المتبع لتلبية الحاجات هو أسلوب السلب والنهب ، وقد رصد أبن خلدون بفكره الثاقب هذه الظاهرة لدى الأعرابي ( فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس ،وأن رزقهم في ظلال رماحهم …) أن هذا الأسلوب يتناقض كليا مع أسلوب طلب العيش عن طريق العمل ، فإذا كان الأخير يتجه الى خلق الثروة فان الأول يتجه الى تحويل الثروة من سلطة المهزوم الى سلطة المنتصر . لقد حاول الاسلام إخراج الأعرابي من هذه السلوكيات ولكنه فشل (كما فشل في أمور أخرى ..الا يعيش الاقتصاد العربي حالة استنزاف خلال شهر رمضان بسبب النهم الى الاستهلاك) ….ظلت هذه السلوكيات دارجة بأقنعة جديدة ،تمارس بأشكال ملتوية وصريحة ، في الحصول على وظيفة مثلا ، في المتاجر…محاولة البائع والزبون لاقناع الأخر بالسعر والذي يفترض أن يكون محسوبا بدقة،أثناء صعود الحافلات حين نحاول سلب دور الغير شاعرين بالرجولة وقس على ذلك بدءا من رأس الهرم الى الوزير المرتشي الى المدير الى الشرطي ..في سلسلة درامية تعم المجتمع.
ما نتج عن هذا وغيره ، إننا أناس متدينون جدا في تفكيرنا ولكننا زنادقة في سلوكنا ، القيمة الكبرى عندنا للعقيدة لا للسلوك، فالذي يخرج في سلوكه على جميع الالتزامات قد يكون مغفورا له ويعد مواطنا صالحا ، لكن من يخرج في تفكيره عن المألوف يصبح زنديقا ممقوتا مهما استقامت صفاته النفسية والسلوكية ، قد يكون المجتمع محكوما باللصوص والمرتشين والفساق والطغاة الجاهلين ولكن مفكرا واحدا لو أنحرف عن التقاليد السائدة سيكون وحده المارق المستحق للموت والمطاردة السماوية ، ترانا نكن الاحترام لخطيب المنبر ولذوي الخطب الرنانة وندخلهم الجنة من أوسع أبوابها ، ونوصد الباب بوجه عالم (ببقعة أخرى من العالم) حتى لو أفنى هذا العالم شبابه في محاولة أكتشاف علاج لمرض السرطان ربما لأن الجنة خلقت للكسالى المفترشين الحرير الغارفين اللبن والخمرة والحور الحسان ….يتساءل السيد عبد الله القصيمي في كتابه العالم ليس عقلا ؛ ( أليس الملحدون الذين يحيا على عبقريتهم المؤمنون اعظم فضيلة وتدينا من المؤمنين الذين يعيشون دائما على ذكاء غيرهم ونضالهم ؟ وهل يحتمل أن يكون الله عدوا للذين يصنعون الحضارة وصديقا للذين يستهلكونها ويلعنونها ؟ ) . لقد كان بإمكان الشرير دوما أن يكون فاضلا وذلك بان يبالغ في الثناء على الله وعلى الأمجاد القومية الخالدة ….يضيف السيد القصيمي ( الأيمان جهد رخيص ليس فيه أية فضيلة أو تضحية أو ذكاء ، جميع العاجزين والأغبياء يستطيعون ان يؤمنوا دون أية معاناة عقلية أو أخلاقية،
ولكن الشيء الكبير الذي فيه كل المعاناة هو ان يكونوا فضلاء أو أقوياء في تصرفهم مع الطبيعة ومع أنفسهم ومع الآخرين …..أن النموذج الذي تحتاج اليه حياة الانسان لتكون عظيمة هو أن يكون متدينا جدا في سلوكه وجسارة نفسه لا في اعتقاده أو تفكيره ….أن ضمير الحضارة يبحث في المستقبل عمن يستقيم بلا عقيدة ، لا عمن يعتقد بلا استقامة ـ هدف الانسان المتحضر أن يكون فاضلا وشريفا بلا معتقدات، لا أن يكون معتقدا بلا فضائل و لا شرف).
تقدم لنا الفلسفة البراغماتية رؤيا واسعة ونظرة مختلفة تماما للعمل حين تجعله المحك لصدق أو بطلان أي فكرة، ما معنى أن نتساءل هل رنين الجرس في محطة القطار حقيقي أم لا ، وهل يوجد جرس فعلا في العالم الخارجي؟ وهل لهذا الجرس رنين مستقل عن آذاننا ؟…هذه الأسئلة ليس لها مبرر ، البرغماتية ترى أن الجرس موجود حقيقي والدليل على وجوده هي التغيرات التي تحدث في المحطة وحركة القطار …بمعنى أن العمل أو النتائج المترتبة على الفكرة هي البرهان على صحة الفكرة أو بطلانها ، نحن نعيش في دنيا مادية ، وكل شيء يؤدي الى تغيرات في هذه الدنيا ، وينتج فيها آثارا واضحة نلمسها ونحس بها ونشاهدها في هذه الدنيا ، فلهذا الشيء وجود حقيقي ….عند الفلسفة العقلية …الفكرة صائبة وحق إذا كانت الضرورات المنطقية تحتم صوابها ، إذا كان الواحد زائد الواحد يساوي اثنان ، أما عند البراغماتية فالفكرة صائبة إذا كانت تؤدي الى بعض النتائج الواقعية في حياتنا ، بعبارة أخرى تتناول البرغماتية الفكرة من ناحية وظيفتها لا من ناحية موضوعها ، فالكهرباء حقيقة لأنها تنير المصباح ، وجه الحبيبة حقيقة لما يثيره من أحاسيس شتى في النفس …..أمام هذا المعيار كم من الطروحات والأفكار والخطب والوحدة والحرية ومن المحيط الى الخليج ورمي إسرائيل في البحر …كم تبدو باهتة وغير حقيقة على الصعيد العملي ، كما قال الشاعر
إن صدقا لا أحس به هو شيء يشبه الكذبا
الا يبدو البون شاسعا بين شعوب تزدري العمل وتعيش على ابداعات الغير ، تستعمل أخر المخترعات التكنولوجية وتلعن مخترعيها ، وشعوب تعمل بصمت جاعلة من العمل معيار الصدق والكذب ؟ هل نحتاج الى كل هذا الكم الهائل من مكبرات الصوت أم نحتاج الى شيء أخر مختلف تماما ؟…………..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة