الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة عربية جديدة إلى المرحلة العثمانية؟

محمد سيد رصاص

2010 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في عام1956،وأثناء ذروة المد القومي العروبي بقيادة الرئيس عبدالناصر،أصدر أستاذ جامعي مصري،اسمه محمد محمد حسين،كتاباً بعنوان"الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر(1881-1945)"،تناول فيه حراك الأدب العربي في تلك الفترة،ليبين من خلال بحثه،الملتزم الحدود الصارمة للبحث الأكاديمي،كيف أن الاتجاه العام للحداثة الفكرية العربية،المتأثرة بالغرب،كان متمثلاً في وضع الفكرة القومية العربية في عداء مع الرابطة الدينية الاسلامية،وأن هذا الاتجاه،وبالذات في مرحلة ماقبل عام1918 وحدوث الانهيار العثماني،كان مشروعاً قادته انكلترا وفرنسة،ليتلاقى معه عربياً أبناء أقليات مسيحية ومثقفين مسلمين كانوا معزولين في الوسط الاسلامي العام.
لم يلاق ذلك الكتاب أي صدى،حيث غمره النسيان طوال العقود الخمسة الماضية:لاقى المصير نفسه كتاب الدكتور وجيه كوثراني:"بلاد الشام:قراءة في الوثائق"،الذي صدر عن معهد الإنماء العربي ببيروت في عام1980،رغم أنه يقدم جو مجتمع بلاد الشام،في مرحلة1912-1918،من خلال الرسائل التي كان يبعثها الدبلوماسيون الفرنسيون إلى الخارجية الفرنسية،وأيضاً أساتذة جامعات ورجال استخبارات،لتقدم تلك الوثائق جواً دقيقاً عماكان يجري آنذاك .لم يستطع هذا الكتاب،أيضاً،أن يكسر ذلك الجدار المفهومي الذي أقامته مرحلة مابعد عام1918 في العقل العربي،وخاصة لدى غالبية المثقفين والمسيِيسين في الاتجاهات القومية العروبية والماركسية والليبرالية،والتي جسدتها مقولات "الاحتلال العثماني"و"التخلف العثماني" و"ثورة1916العربية الكبرى"،بالرغم من كونه يقدم صورة فرنسية تقول عكس ذلك،مثل رسالة نائب القنصل الفرنسي في طرابلس الشام(11كانون أولديسمبر1912)،التي تؤكد على"أن الإنتماء الديني يبقى غالباً لدى العربي المسلم،وأن الموقف من الدولة العثمانية (ارتباطاً أوانفصالاً)يتوقف على صمود هذه الأخيرة وقدرتها على الرد على مشاريع احتلالها وتفكيكها"(كوثراني:"المرجع المذكور"،الطبعة الثانية،1984،ص177)،أورسالة القنصل العام الفرنسي في بيروت(18آذارمارس1913)التي يقول فيها بأنه أثناء حرب البلقان الأولى عام1912،التي تجابه فيها حلف(صربيا-اليونان-بلغارية)مع الدولة العثمانية مماأدى لخسارة الأخيرة لكوسوفو ومقدونيا،كان"اعتبار الجماهير الاسلامية للحرب البلقانية حرباً دينية،حرباً صليبية.."(ص272)،أوتقرير مرفوع لوزير الخارجية الفرنسية من مبعوث خاص للإطلاع على الأوضاع السورية(30حزيرانيونيو1913) يقول فيه عن آراء المسلمين المنخرطين في النشاط المعارض للعثمانيين الجملة التالية:"وإذا بدا أن النخبة الاسلامية الموجودة في اللجان تريد أن تظهر بمظهر الرافض لمثل هذا الإنفصال(عن العثمانيين)فلأنها ترى الحكمة في هذا الموقف أمام ولاء الشعب المسلم..."(ص316).
كان الفرق في حالة الدكتور كوثراني،عن ذلك الجامعي المصري،أن الصمت الذي جوبه به كان ممزوجاً بالخوف من مجابهة الحقائق التي يتضمنها الكتاب ومايترتب عليها من عملية قلب لمفاهيم وتصورات مرحلة عربية كاملة،فيماكان الصمت الذي حوصر به الدكتور حسين ناتجاً عن قوة ماهو سائد في مرحلة المد القومي العروبي،ومايؤكد تلك الحقيقة واقع أنه لم يتجرأ أحد على معارضة ماحواه كتاب الدكتور كوثراني.
في الواقع،بدأ حراك اسدال الستار على تلك التصورات العربية عن "الجار الشمالي"،البادئة منذ1918،مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركية بعام2002،وبالذات إثر اتخاذ البرلمان التركي في 1آذارمارس2003قراراً رافضاً لفتح الأراضي التركية أمام القوات الأميركية التي كانت تتأهب لغزو العراق . كان أحد مظاهر هذا الجو العربي الجديد حيال الأتراك متمثلاً في الشعبية التي لاقتها المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية وبالذات في بلاد الشام والمشرق العربي عموماً حيث راجت تلك التصورات السلبية عن العثمانيين وإن كان هذا في الوسط المسيَس أوعند المثقفين أكثر منه في الوسط الشعبي،وفي هذا الصعيد لايمكن عزل تلك المناخات عن مالاقاه التقارب السوري-التركي منذ عام2004من تقبل وترحيب وسط الغالبية العظمى من أبناء المجتمع السوري.
خلال سنوات قليلة من عمر هذا التقارب بدأت تتوالد تصورات جديدة عن العثمانيين،لينعكس ذلك عربياً وبالذات في دمشق التي كانت هي مطبخ القومية العربية في مرحلة مابعد العثمانيين ،والتي كانت أكثرمزجاً(وبخلاف النزعة القومية العربية قبل عام1918) بين العروبة والاسلام كماتجسد ذلك في فكر حزب البعث،وإن ظل الاتجاه القومي العروبي،عند البعثيين والناصريين وحركة القوميين العرب،سلبياً وعدائياً تجاه العثمانيين: ظهرت معالم هذه التصورات الجديدة من خلال مقالة نشرها وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا في جريدة"الاتحاد"الإماراتية بيوم9أيار|مايو2008تحت عنوان"السلطان عبدالحميد وقضية فلسطين"،حيث ينطلق الدكتور نعسان آغا من الإعتراف،وهو يسترجع ذكرى السلطان عبدالحميد،بأننا"ورثنا صورة رديئة عنه وعن عهده،بل شعوراً بالنفور من المرحلة العثمانية كلها بوصفها احتلالاً للوطن العربي". هنا،لايذهب وزير الثقافة السوري إلى مجرى التفنيد لمقولة"الاحتلال العثماني" وإنما ينطلق نحو العكس من خلال تأكيده في المقالة على "الولاء العربي لدولة الاسلام في الآستانة"،فيمايلاحظ أن نقطة ارتكازه للنظر إلى مرحلة السلطان عبدالحميد رؤية جديدة أصبحت ترى أنه،وبخلاف مانُظِر إليها عربياً طوال القرن العشرين،"كانت الثورة العربية الكبرى إعلاناً بالتحرر العربي بوعود بريطانية للشريف حسين سرعان ماظهر أنها كاذبة وأن هدفها تمكين اليهود من إقامة دولة اسرائيل" : هذا يعني،في القراءة المفهومية لنص الوزير،أن تاريخ 10حزيرانيونيو1916(وهو تاريخ اعلان الشريف حسين ل"الثورة العربية")لم يؤد سوى إلى فتح الطريق إلى 2تشرين الثانينوفمبر1917يوم أصدرت "الحليفة"بريطانية وعد بلفور،فيما هناك،وبالتأكيد، ربط ضمني،في عقل الكاتب،لتاريخ ثالث مع ذلك التاريخ الأول،هو يوم 16أيارمايو1916لما تم التوقيع السري لاتفاقية سايكس-بيكو . مع هذا،فإن المنظار الأساس إلى تاريخ 10حزيرانيونيو1916ووعد بلفور يبقى في النص هو ماحصل في شهري أيارمايو1901وتموزيوليو1902لمارفض السلطان عبد الحميد عرض تيودور هرتزل،أثناء مجيئه إلى الآستانة(اسطنبول)،بإنشاء"شركة الأراضي العثمانية اليهودية للإستعمار والإستيطان في فلسطين وسورية"مقابل كفالة ديون الدولة العثمانية وتغطيتها،وبالتأكيد، أيضاً ضمنياً ، مقابل كفالة الحركة الصهيونية بعدم نقل الغرب الأوروبي ل"الرجل المريض" إلى حالة الموت. هذا المنظار الجديد يدفع وزير الثقافة السوري إلى الدعوة"لأن يعاد الإعتبار لهذا الرجل الشجاع"الذي يعتبر أن سقوطه على يدي جمعية الاتحاد والترقي"التي أسسها يهود الدونمة" كان بداية "مرحلة جديدة من العلاقة بين العرب والأتراك،انتهت فيها المصالحة التاريخية والولاء العربي لدولة الاسلام في الآستانة".
تعزز هذا الاتجاه العربي الجديد حيال الماضي العثماني(والذي هناك الكثير من المؤشرات على أنه أصبح قوياً في عموم المشرق العربي)وتدعَم من خلال مايحصل في الداخل التركي،حيث أصبح واضحاً أن انسداد أفق التوجه التركي نحو الغرب(البادىء مع أتاتورك)عبر اغلاق الجماعة الأوروبية لأبوابها بوجه الأتراك هو الذي يدفع التوازن الاجتماعي التركي نحو ترجيح كفة التوجه نحو الجنوب،الذي مثَله السيد أردوغان وحزبه بالسنوات الثمان الماضية،الشيء الذي يساعد بدوره- مع مواقف أردوغان ضد اسرائيل- على تقوية وتعزيز التوجه العربي نحو"الجار الشمالي" ومعه النظرة العربية الجديدة حيال الماضي العثماني.
السؤال الآن:هل اقتربت لحظة الوصول إلى الطيِ المعنوي لصفحة 10حزيرانيونيو1916عند العرب والأتراك الذين مازالوا يعتبرها"طعنة ظهر"مارسها العرب ضدهم لصالح"الحلفاء"،الذين قادوا قطاراً لم يعي بعض راكبيه العرب إلى أين سيصل؟.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن