الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظة طيش...

اليمين أمير

2010 / 4 / 18
الادب والفن


مر كل شيء في توتر.. لقد لمحته وهو يتقدم نحوي.. وهو يمسك بها. لكن الحادث جاء فجأة، فتعقد لساني، أصبح الصمت أسرع من الصوت وأسرع حتى من تفكيري. لحظتها لم أكن أعي الأشياء، ولكني اليوم أحاول التذكر أو بالأحرى أحاول أن أقتفي بعض آثار ذاكرتي علني أتذكر بعض تفاصيل تلك الحادثة.
لم يكن الشفق ذلك اليوم قد حل بعد، الشمس لا تزال كالسراج، وكنت أعلم جيدا أن الغروب لن يسبقه أبي في المجيء، فنهار الصيف عندنا طويل، وفضول المدينة سوف يجعله أطول بكثير رحت أراقب الشمس وتغريد العصافير من فوق الأشجار يهز مسمعي، ولكنني سرعان ما مللت الانتظار، فالوقت مازال مبكرا حتى يرجع أبي من سوق المدينة في هاته اللحظات. فقد كان لا يذهب إلى السوق إلا مرة واحدة في الأسبوع، لذلك يتأخر دائما في العودة.
عزمت أن أترك الحقل وأمضي إلى غرفتي.. كان بيتنا خلف الحقل على حافة الطريق في طرف المدينة، وعربة أبي تعجز حتى على استباق الكلاب، فالحمار الذي يجرها إذا ما هو مشى في اليوم ساعة واحدة تراه يغط في نومه بقية اليوم. كنت أشعر أن أبي صار يمقت هذا البيت، بعدما غادرته أمي واستسلم جفنها للنوم السرمدي أو النومة الأخيرة كما كان يقول لي دائما إذا ما سألته عنها حينما كنت أصغر بعض الشيء، وقتها لم يكن بوسعي تحليل الأشياء والمفاهيم ولا تركيب الصور وضبطها جيدا في مخيلتي.. عندما كنت أعبر الرواق إلى مضجعي لمحت باب غرفة أبي شبه مفتوح، وقد تعود على إغلاقه بإحكام كلما أراد الخروج وخاصة إذا ما كان ذاهبا للتسوق. لست أدري لماذا لا يريدني أن أدخل إلى غرفته. ألا يدرك بأنني أتوق للدخول إلى مرقد أمي علي أشتم رائحتها، وأتحسسها من خلال ما تركت من ثياب وأشياء في الغرفة. أم أنه يخشى أن ألحظه وهو يغازل عشيقته البكماء التي لم أسمع لها صوتا منذ أتى بها، ولم يتسن لي حتى رؤيتها عن كثب، فقد كانت تخفي عني جسدها وحتى وجهها إذا ما خرجا من الغرفة. أما إذا ما ذهب بمفرده إلى السوق فإنه يغلق عليها الباب بإحكام، وأظنه اليوم قد نسيها والباب مفتوح، فقد خرج في عجالة من أمره مع صديقه. شعرت بشيء يتنامى في أعماقي وكأن شخصا آخر قد تولد بداخلي، لم أكن أدركه من قبل، شخص فضولي لا يخشى أبي ولا يخجل من عشيقته التي احتلت مكان أمي واستولت على تفكير أبي وأصبحت شغله الشاغل ورفيقته الدائمة فهي معه معظم الوقت خاصة بالليل أو إذا ما ذهب إلى الصيد، ولست أدري كيف كان يعتذر لها إذا ما أراد الذهاب إلى سوق المدينة، ويقنعها بالمكوث في الغرفة طيلة النهار دون أن تتفوه بكلمة والباب مغلق عليها من الخارج. راح ذلك الشخص يكبر في تسارع مخيف بداخلي ويستفزني بأسئلة كثيرة عن تلك العشيقة الغامضة وما سرها ولماذا يمنعني أبي دائما من رؤيتها. من تكون يا ترى ومن أين جاء بها؟ كنت أشفق عليه أحيانا خاصة حينما يقول لي إذا ما أنا أتعبته بكثرة السؤال، بأنها تذكره بأمي لأنها هادئة ومطيعة مثلها، ولاتنطق إلا على الحق.. صار الشخص بداخلي وكأنه قد اكتمل نموه، وأصبح لا بد لي وأن أدخل الغرفة لأرى عشيقة أبي وأسمع صوتها المميت. لا بد لي وأن أكتشف بنفسي وجه التشابه بينها وبين أمي.. دفعت الباب ببطء شديد وحذر أشد، وأرسلت أحداقي تعاين المكان وتمسح زوايا الغرفة، حتى رمقت شيئا ممدا فوق السرير.. إنها هي ولا شك! وأخيرا وجدت ضالتي، لقد كانت تبدو وكأنها نائمة.. اقتربت منها لكنها لم تتحرك. ربما كان أبي يناولها بعض المنومات كي لا تستفيق قبل عودته. كان جسدي يرتعش وبرودة عرقي تلسعني.. لكنني تمالكت نفسي ودنوت منها كي أتفحصها جيدا.. آه إنها مجردة من كل ثيابها.. كم هي ملساء وجميلة! الآن عرفتك أيتها الشقية.. لا بد لي وأن أمارس معك كل الطقوس التي مارسها أبي معك من قبل. بدأت ألامس بلطف عنقها الطويلة شديدة السمرة ولست أدري كيف نسيت فجأة رائحة أمي وأشياءها، وقد بدأت لحظتها أشعر بقشعريرة تنتاب كامل جسدي.. وأخيرا سأصبح رجلا مثل أبي ولي عشيقة! فهو كان يقول لي دائما بأنها لا تعشق سوى الرجال.. وبأنها لا ترضخ إلا له ولا تنام إلا على كتفه. فها قد جاء دوري الآن وسوف أفعل بها ما أشاء، رحت أراقصها وأداعبها في شيء من التوتر والخوف، لأنني كنت أخشى أن تصرخ في وجهي إذا ما استفاقت، فهي شرسة جدا ومتهورة وقد تقتل في أي لحظة على حد حكايات أبي. وبينما كنت أحاول ممارسة بعض طقوس العشق المباح والرجولة، كما كان يسميها أبي، سرعان ما ألفتها وأعجبني كثيرا هدوءها وانصياعها للأوامر وتقبلها حماقاتي، فأنساني ذلك موعد الغروب.. حتى فاجأني أبي حين دخل علي الغرفة وأنا أمسك بعشيقته من خلفها فوق سريره، انتابني الخوف لما رأيته ونوع من الخجل الغريب، ولمحت في عينيه بركانا من الغضب يمتزج بنهر من الدموع يريد أن يتفجر كالشلال، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وتنهد وكأنه ثور جريح.. ظننته لم يحتمل مشهد الخيانة فوق سريره، ولكنني أدرك في قرارة نفسي أنني لم أخنه. فأردت أن أقول له بأنني قد كبرت وأصبحت أعرفها وهي مجرد... لكنه سبقني وصرخ في وجهي صرخة غريبة شعرت وكأن فيها نوع من الإشفاق. وقال ملء صوته الرجولي: أتركها يا بني إنها خطرة عليك.. إنها... أفجعني صوته المرتبك وقبل أن يكمل عباراته كنت قد دفعتها أمامي وعنقها السمراء ممددة إلى أعلى وثغرها الأبكم كأنه يريد أن يصيح.
مر كل شيء في توتر. لقد لمحت أبي وهو يتقدم نحوي.. وهو يمسك بها.. وهو يحاول أن يقتلعها من بين يدي.. لكن إصبعي كان لا يزال عالقا فيه إصبعها المقوس، فلما سحبها مني ودفعتها عني كان قد تحرك إصبعها من مكانه، فتكلمت.. وقد جاء صوتها فجاءة كالرعد القاصف. ونطقت البكماء أخيرا.. دفعتني بقوة خلفها وكأنها تحتج على ما يجري، و صوتها موجه نحو أبي وما عاد بوسع لساني أن يصرخ، فأيقنت نفسي بأن لحظة الطيش التي انتابتني صارت ذنبا يعشش في صدري، بعدما استسلم جفن أبي لنومته الأخيرة، وما نطقت عشيقته هذه
المرة على الحق..! كنت قد سقطت على الأرض وفي الجهة الأخرى كان أبي لا يزال واقفا ينتاب جسمه ارتعاش غريب، ونهر من الدم ينضب من صدره، وهي لا تزال بين يديه حتى سقطا معا دون حراك...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب