الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مدرستنا مافيا

سميرة عباس التميمي

2010 / 4 / 18
الادب والفن


جلست المدرسة الوقور في غرفتها تتأمل في ذاكرة تجربتها المهنية الأعوام الثمانية التي قضتها في مهنة التدريس‘ وبثقة مدرسة محترفة إتخذت قرارها بترك المدرسة الحكومية والإلتحاق بالعمل في مدرسة خاصة لتدريس اللغة الانكليزية وذلك من أجل الحصول على راتب أعلى لمساعدة والديها المريضين كما كانت تريد الإبتعاد عن الطلبة المشاغبين.
في يوم اللقاء المحدد بمديرة المدرسة الجديدة ‘إجتهدت الشابة الطموحة أن تنهض باكرا لتهيء نفسها للقاء حتى تبدو بأحسن مظهر وصفاء ذهن‘ فلبست بدلة مكونة من قطعتين جاكيت وبنطلون باللون الأزرق الغامق مع خطوط بيضاء اللون ثم وضعت مكياجا متقنا خفيفا باللونين الوردي والأزرق كما حرصت على تزين أصابعها الرقيقة بالخواتم الفضية الدقيقة الصنع فخرجت للقاء بعد رشة عطر خفيفة وشمس الصباح تبعث فيها أملا وفرح.ا
المدرسة كانت عبارة عن شقة واسعة في عمارة كبيرة بغرف متعددة‘ أول شيء لفت نظرها هو مقاعد الصفوف التي كانت قد وضعت بصورة مقلوبة على طاولات الدراسة فانتابها شك خفي سرى في عروقها‘ لكن لطافة المديرة بدد عنها الإرتباك، ففي حوارها باللغة الانكليزية مع المدرسة الجذابة‘ أثنت المديرة على لهجتها وإتقانها للغة ‘ كما لم تنسى المديرة بالثناء على جمال المتقدمة للعمل، بعدها إسترسلت المديرة باعطاء نبذة عن تاريخ تأسيس المدرسة‘ سنة تأسيسها وفروعها المتعددة الموزعة على مناطق العاصمة المختلفة . كما أكدت لها المديرة أن المدرسة تتوسع في الوقت الحاضر. فقبلت الشابة عرض العمل بعد تأكيد المديرة لها بحصولها على راتب جيد وبالظروف المهنية المتاحة لتطوير قابليات المدرسين في مجال التدريس لذا كانت تذهب للعمل بسعادة وحماس وفي جعبتها الكثير من الأفكار لجعل درسها أكثر إمتاعا ويسرا . كل شيء كان هادئا هنا بعكس المدارس الحكومية التي كانت تشعر بين جدرانها بضغوطات كثيرة.
إتخذت إدارة المدرسة أماكن أخرى للتدريس‘ فقد إستأجرت غرفة في بناية من طابقين في شارع قديم مكتظ بالبيوت والأبنية‘ كما إستأجرت طابقين آخرين في بناية ذات طراز كلاسيكي‘ حيث باشرت فيها المديرة بالترميمات فورا. الشيء الذي لفت إنتباه المدرسة منذ أيام عملها الأولى هو وقوف سيارة سوداء فارهة بستائر سوداء أمام بناية العمارة الكبيرة فدب من جديد شك وخوف في نفسها‘ لكن حال دخولها لقاعة الدرس تبدد خوفها ورجعت السكينة إلى نفسها من جديد.
مرت الأيام وأنتهى الشهر الأول واستلمت المدرسة راتبها الأول بفرح كبير‘ رغم إنه جاء متأخرا باسبوع كامل‘ إشترت بجزء منه أدوية لوالديها المريضان ووضعت القسم المتبقي في يد والدتها‘ إستمرت الشابة الطموحة بالتدريس بين فرعي المدرسة الواقعين في العمارة الكبيرة والبناية المتواجدة في الشارع القديم‘ ولو إنها فزعت من المكان الثاني لأن دروسها فيه كانت تنتهي في الساعة الثامنة والنصف مساءا‘ حيث أن الباصات تتأخر في سيرها في فصل الشتاء بسبب الثلوج المتساقطة على الطرق‘ إضافة إلى وجود كراج مهجور يوحي إنه مكان مشبوه‘ كانت تضطر الشابة لإجتيازه عائدة إلى منزلها. مضى الشهر الثاني ولم تتسلم المدرسة راتبها فبعد سؤال السكرتيرة عن المديرة ‘ عرفت ان المديرة قد سافرت خارج البلاد لإداء بعض الأعمال الخاصة بها . بعد فترة وجيزة‘ رجعت على حين غرة لتبرر سفرها خارج البلاد‘ من أجل الحصول على أموال المدرسين ولكنهم لم يعطوها المال حيث إنها تدخر الأموال في بنوك الدول الأجنبية وتوظفها في أعمال حرة.
مضى الشهر الثالث وما أن يحين موعد إستلام الموظفين لرواتبهم تختفي المديرة بذريعة السفر وعند ظهورها المفاجيء تعاود حججها الواهية بعدم دفع الرواتب‘ موزعة أكاذيبها بين مشروع توسيع المدرسة‘ توظيفها للأموال في أعمال حرة أو عدم إعطائهم لها المال ولا تنسى في نهاية حديثها ‘ التأكيد على دفع الرواتب بأقرب وقت.
نفد صبر المدرسة الشابة خصوصا أن أعياد الكريسماس على الأبواب فكانت تريد شراء الهدايا لافراح والديها وأقربائها فقررت الكلام بهذا الموضوع مع أحد زملائها فعرفت منه إن المديرة تقوم بعملية غسل أموال المافيا في بعض من المشاريع الوهمية كمشروع المدرسة ‘ أذهلتها المفاجأة المرة وأبتلعت ريقها يابسا.
دب همس خفي بين زملائها عن عدم حصولهم للرواتب منذ شهرين ‘ كل واحد كان يخاف أن يتكلم علانية مع زميله بالموضوع خوفا من الوشاية .علما أن السيارة السوداء ذات الستائر كانت تظهر بين الحين والآخر أمام العمارة الكبيرة فارضة الخوف في نفوس المدرسين. في اليوم الثاني تكلمت المدرسة مع المديرة والدموع في عينيها شارحة لها ظروف معيشتها الصعبة ووجوب إجراء عملية لوالدها المريض وكلها أمل بتفهم حالتها‘ إلا أن المديرة قالت لها بالحرف الواحد "كل هذا الذي تقولين لن يجدي نفعا ولن يغير شيئا حتى لو اغمى عليك هنا الآن"
بدأ زملائها بترك العمل واحدا بعد الآخر وبدأت السيارة السوداء تتبعها في كل مكان تذهب إليه قريب من أبنية المدرسة‘ حتى ان راكبوها يظهرون أمام ناظيريها إينما ذهبت مما اضطرت للاستقالة والحسرة تملأ روحها وهي في غرفتها جالسة تذكرت براءة الأطفال والشغب الصبياني لطلبة المدارس الحكومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع