الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترانسفير المفتوح

جهاد الرنتيسي

2010 / 4 / 18
القضية الفلسطينية


للتفكير اشكاله ، فهناك التراكمي ، ذو البعد المنهجي ، الذي يعبر عن حالة من النضج ، وهناك الموسمي ، الذي يأخذ شكل هبات معزولة ، لا يربط بينها رابط ، والفطري المستغرق في بدائيته .

في تعددية اشكال التفكير هذه ما يكشف عن جدوى طرق تعاطي النخب السياسية والفكرية العربية مع التطورات التي تمر بها المنطقة .

فقد تكون ردود الفعل على قرار ترحيل ما اصطلح عليه بـ " المتسللين " الفلسطينيين في وطنهم فرصة ملائمة للاقتراب من هذه المساحة الشائكة ونبش بعض المسكوت عنه من آليات التفاعل مع الاحداث .

وتفويت مثل هذه الفرص لا يخلو من خسارات فادحة تتجاوز اثارها نخب صناعة القرار والوعي لتدفع ثمنها الشعوب من واقعها ومستقبلها واستقرارها .

ففي الردح السياسي والاتهامات المجانية وعبارات الادانة والشعارات الرنانة مقتل التفكير النقدي البعيد عن التوظيف الآني .

والانفعالية التي تم التعامل بها مع التطور الاخير لا تكشف عن رغبة في تفكير منهجي ينتهي الى نتائج علمية .

فالتطهير العرقي الاسرائيلي عملية مفتوحة لم تتوقف منذ العام 1948 وان تعددت اشكالها واساليبها وتخريجاتها .

تعرج الخط البياني لهذه العملية لم يخف دوران الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حول جوهرها .

وعلى هوامش هذا الجوهر ظهرت مدرسة جديدة من المؤرخين اليهود قدمت روايات مختلفة لمجازر وقعت بغرض ترويع الفلسطينيين واجبارهم على مغادرة اراضيهم .

برز من بين هؤلاء ايلان بابيه صاحب كتاب " التطهير العرقي " الذي انتهي الى الهجرة بعد المضايقات التي تعرض لها في اسرائيل ، وتيدي كيتس الذي دفع ثمنا غاليا لكشفه عن مجزرة الطنطورة ، والمراوغ بيني موريس .

وصدر العديد من الدراسات لباحثين عرب حول توطن فكرة التطهير العرقي في التفكير الصهيوني وخضوع برامج الاحزاب الاسرائيلية بمختلف اطيافها لهذه الفكرة .

فلم تتوقف اعمال الاستيطان ومصادرة الاراضي الفلسطينية رغم تداول العمل والليكود الحكم في اسرائيل .

وبقيت اعين الوكالة اليهودية مشدودة على مدى العقود الماضية نحو جلب اليهود لاحلالهم في المناطق التي يتم اقتلاع الفلسطينيين منها .

اعلان مبادئ اوسلو ـ الذي تم استحضاره بعد تسرب المعلومات حول الحلقة الاخيرة من سلسلة اجراءات الترانسفير ـ كان انطلاقة جديدة لشكل مختلف من اشكال المواجهة مع اسرائيل ولم يكن نهاية للصراع .

فالمواجهات التي خاضها الشعب الفلسطيني منذ ذلك الحين تمت تحت شعار الحفاظ على الارض والهوية الوطنية بمكوناتها القومية والدينية من الطمس والمصادرة والتهويد .

وعلى هذه الارضية ايضا فشلت كل محاولات الوصول الى اتفاقات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي .

بذلك تندرج مختلف تنويعات نضال السلطة الوطنية الفلسطينية وفصائل العمل الوطني ، بدءا بالعمليات الانتحارية ، واطلاق الصواريخ المثيرة نتائجها النهائية للجدل ، حتى النضال السلمي في اطار محاولات فرض واقع جديد في مواجهة الواقع الذي يحاول ان يفرضه الجانب الاسرائيلي .

والخطوات التي يتبعها رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض لتثبيت الفلسطينيين على ارضهم من خلال توفير الامن ورفع المستوى المعيشي والدخول في سباق مع الزمن لتهيئة مؤسسات الدولة لا تخرج عن هذا السياق .

بالتالي يمكن التعامل مع الشكل الجديد من اشكال الترانسفير الاسرائيلي ـ الذي ينسجم مع خلفيات تفكير وممارسات الاحزاب الصهيونية ـ انطلاقا من فهم المأزق الذي وصلت اليه حكومة اليمين الاسرائيلي جراء الاسلوب الجديد من العمل الوطني الفلسطيني الذي يتبناه الرئيس محمود عباس واقرته حركة فتح في مؤتمرها الوطني السادس .

كما يمكن قراءة القرار الاسرائيلي المبهم في احد جوانبه ، باعتباره محاولة للبناء على واقع الانفصال ، بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، لا سيما وان غزيي الضفة ، من بين المستهدفين ، مما يعيد لفت الانتباه ، الى الفاتورة الباهظة ، التي يدفعها الشعب الفلسطيني ، وقضيته الوطنية ، جراء مماطلة وتهرب حركة الاسلام السياسي الفلسطيني الاولى ، من التوقيع على اتفاق القاهرة ، والقبول بمبدأ الانتخابات .

ومن النتائج التي يمكن ان يقود لها لجوء بعض قصيري النظر ـ تحت وطئة الرغبة في التنصل من مسؤولياتهم عن نتائج ادامة الانقسام ـ لنظرية المؤامرة في تفسير قرار الترانسفير تبرئة التفكير والممارسة الاسرائيليين من نزعاتهما العنصرية .

بين افرازات التفكير الاسرائيلي ، الذي توفر له السجالات غير المسؤولة ، غطاء فلسطينيا ، حرمان السلطة الوطنية من بعض المكاسب القليلة ، التي انتزعتها اثر اعلان اوسلو ، والتي تمثلت في اعادة اعداد من اللاجئين ، تحت مسميات مختلفة الى مناطق السلطة .

فالعودة التي تحققت خلال السنوات التي اعقبت اوسلو ، وادركت القيادة الفلسطينية اهميتها ، وعملت على تفعيلها ، جاءت في الاتجاه المعاكس ، لرياح تهجير الفلسطينيين من ارضهم ، ومصادرة الاراضي المفترض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية .

وفي المنظور التاريخي الاسرائيلي يعد التهجير القسري والتطهير العرقي الاداة الاكثر فعالية لاعادة تشكيل الديموغرافيا .

التنصل من التواصل الجغرافي والسياسي بين الضفة والقطاع ، الذي نص عليه اعلان المبادئ ، و تهرب نتنياهو من تنفيذه خلال ترؤسه لحكومتيه الاولى والثانية ، و يحمل قرار الترانسفير الاخير بعض دلالاته ، يدفع باتجاه تجزئة القضية الفلسطينية توطئة لتصفيتها .

لا يخلو القرار الاسرائيلي المبهم ـ الذي حاول بعض قادة حماس نتيجة قصر نظرهم واستسهالهم الصيد في المياه العكرة توزيع مسؤوليته ـ من انتهاك لكرامة الفلسطينيين ، باعادة انتاج اشكال التهجير واللجوء ، واظهار الفلسطيني بصورة القنبلة الديموغرافية القابلة للانفجار ، مما يستدعي تدخلا دوليا لنزع فتيلها .

واول ما يتبادر الى الذهن حين يجري الحديث حول نزع فتيل القنبلة الديموغرافية الدور الذي يمكن ان تقوم به منظمات ذات طابع انساني مثل الاونروا ومفوضية اللاجئين مما يعني اعادة القضية الى بعدها الانساني البحت في افضل الظروف .

لدى الحديث حول التعامل مع الفلسطيني باعتباره قنبلة ديمغرافية يتجاوز التورط الساذج في قرار الترانسفير الجديد حركة الاسلام السياسي الفلسطيني .

فهناك اطراف عربية لا يمكن تبرئتها من تسويق صورة الفلسطيني باعتباره زائدا عن حاجة المنطقة .

ما عرف بحرب المخيمات في لبنان عام 1986 ، النموذج الابرز للتورط في هذا الفعل ، ولا يزيد عنه وضوحا سوى تصريحات لاحد الوزراء اللبنانيين فيما بعد ، تصف الفلسطينيين بالنفايات البشرية .

بعد احتلال الكويت وفر اللجوء الفلسطيني ظرفا جديدا للتعايش مع الاستهانة بانسانية الفلسطينيين .

والظروف المأساوية التي عاشها فلسطينيو العراق بعد احتلاله ، وانتشارهم على الحدود العراقية ، في ظروف غير انسانية ، هربا من المليشيات الطائفية المرتبطة بايران ، ساهمت في تكريس هذه الصورة .

القاء الفلسطينيين ثلاث سنوات على الحدود الليبية ـ المصرية باوامر من الزعيم الليبي معمر القذافي قدم مساهمة اضافية في شيطنة الفلسطيني وتشويه صورته .

وبتعايش النظام الرسمي العربي والتيارات الاقليمية والانعزالية في المنطقة مع هذه التراكمات من الممارسة لم يبق في قرار الترانسفير الاسرائيلي ما يثير الاستفزاز .

وبالتالي اضيف لاسباب الصمت العربي المعروفة ومن بينها العجز عن القيام بدور مؤثر سببا اخر .

الا ان النظام الرسمي العربي الذي ادمن وضع راسه في الرمال يتجاهل انه لن يكون في منأى عن افرازات الترانسفير الفلسطيني المقبل الذي سيكون على الاغلب جزء من ترتيبات جديدة في المنطقة مفتوحة على جميع الاحتمالات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا