الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب عند الإغريق

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 4 / 19
الادب والفن



مدخل:
ليس من المألوف ولا المعتاد أن يتكلم الباحثون عن الأدب في ساحته الإغريقية ؛ حيث إن الفلسفة طغت وغطت وملأت كتابات الباحثين ؛ فصنع ذلك غشاوة توارى خلفها عالم الأدب الإغريقي رغم أهميته وريادته وفرادته.
مهما وقع من تباينات تفضيلية وتقييمية للتجربة الإغريقية والمنتج اليوناني منها خاصة ،فلا يمكننا نكران كونها تجربة مميزة وفريدة ، مكونة لمفصل رئيس من مفاصل هيكل الحضارة البشرية ومالئة لمساحة ذريعة من مساحات الفكر البشري. وقد كان من خصائص ذلك المنتج أنه لم ينحصر في ساحة معرفية أو إبداعية معينة محدودة ، بل لقد توزع إلى أربع ساحات شكلت كل منها منطلقاً ريادياً ؛ أثر في كل الثقافات التي تلت الحقبة الإغريقية . أما تلك الساحات الأربع التي نعنيها فهي التالية :
1- ساحة الأدب : هي التي ضمت نتاجات فريدة ورائدة في أكثر من جنس أدبي ، أهم ذلك ما كان في مجال الملاحم والمسرحيات ، التي كانت مسكونة بقضايا الآلهة ومشاكلها وصراعاتها فيما بينها ، من جهة ، وبينها وعالم الإنسان من جهة أخرى ، أو بقضايا السياسة والحروب .
2- ساحة الفكر النظري ( الفلسفي): هي التي امتلأت بنظريات وأفكار أنتجها أعلام غيروا تاريخ الفكر البشرية مثل: طاليس ،وأفلاطون ،وسقراط وآرسطو. ممن لا يخفى عنا استفادتهم من العلوم والمعارف الشرقية .
ساحة العلوم التطبيقية : ضمت نتاجا مهما ورائدا في مجالات الفلك والهندسة ، برز فيها كثيرون أهمهم ممن برع فيها :
- هيبارخوس 190-120ق م . في مجال الفلك
- أرخميدس المتوفى سنة 212ق م . المولود بصقلية والمتوفى باليونان الذي يعد أبًا للهندسة والميكانيكا
- فيثاغورس في القرن السادس قبل الميلاد وهو يوناني درس في العراق ،وفي مصر
- أرسطرخس الساموسي :عاش ما بين 310 ق م – 230 ق م عالم فلك ورياضيات يوناني كبير، من مدرسة الإسكندرية القديمة، ولد في ساموس باليونان. يتميز أرسطرخس بفكره الفلكي الجريء، فقد درس الفلك وقدم فيه انجازات عديدة ومهمة، ومن أهمها: فكرته حول مركزية الشمس داخل النظام الشمسي جاعلا الشمس هي مركز الكون بدلا من الأرض، وسبق بها نظرية كوبرنيكس بنحو 18 قرنا.

3- ساحة الفنون والعمارة :
4- حيث برع وأبدع اليونانيون في مجالات العمارة البناء والنحت والرسم لقد اشتهر الإغريق بقدراتهم الفنية وخاصة في فن نحت التماثيل وقد بدؤوا نشاطهم في هذا المجال بتقليد التماثيل المصرية، ومما استخدموه في نحوتهم : الحجر الجيري، والرخام والطين المحروق والخشب وكان يستخدم الذهب أحيانًا في تمثيل الملابس، والعاج في نحت الأجزاء البارزة من جسم الإنسان كما فعل "فدياس" أشهر فنان في أثينا في إعداد تماثيله الذهبية العاجية مثل تمثال الإلهة أثينا إله الحكمة الذي أقيم في معبد البارثينون بأثينا، وقد برع الإغريق كذلك في فنون النقش والرسم وكانوا يصورون حياتهم اليومية وأساطير معبوداتهم على جدران معابدهم ومبانيهم.
أعلام الأدب الإغريقي
تكونت بنية الأدب الإغريقي بجهود أعلام أنتجوا ما كانت حصيلته أدباً عالمياً رائدا ، ومؤثراً ، بعد مروره في بواكيره بمرحلة الأدب القومي الذي لا يخرج لم يخرج في نطاقه عن بلاد الإغريق.
أما أولئك الرواد الصانعين لمجد الأدب الإغريقي فأهمهم التالي ذكرهم :
-هوميروس:هو أشهر لأسماء الذين صنعوا شهرة وتميز الأدب الإغريقي لا سيما في مجال الملاحم ، وحياته غامضة المعالم ، فاقدة للتفاصيل ، لافتقادنا المصادر التي تكشفها .كان أهم ما كتبه ملحمة الإلياذة ،والأوديسة:
الإلياذة:
هي نص شعري يرجع إلى القرن التاسع، أو الثامن ،قبل الميلاد، وقد جمعت سنة 700 ق م. أي بعد مئة سنة على موت هوميروس على الأقل. تحكي قصة حصار طروادة الذي حدث سنة 1200ق م ، أو 1194ق م. في آخر إحدى وخمسين يوماً من الحصار. فيها قصة إبحار أخيل إلى طروادة من بلاد الإغريق ؛ كي ينتقم من باريس الذي أغوى هيلين وهرب بها ، وكانت زوجة لملك أسبرطة ، الذي بعث أخاه أجاممنون لحربه .
الأوديسة :
تروي قصة الأمير الإغريقي أوديسيوس ، عند عودته من طروادة وتعرضه لأخطار السفر مع طاقم سفينته.

مواضيع الأدب الإغريقي:
كانت كتاباتهم محكومة بمواضيع مركزية ، مثل مواضيع :
1- خلافات وصراعات الآلهة فيما بينها من جهة ،ومع البشر من جهة أخرى.
2- مواضيع الحروب والصراعات بين أقاليم الإغريق وجيوشهم من ذلك صراعات آثينا وأسبرطة.
3- مواضيع السياسة والأوضاع الداخلية ،وشخصيات القادة السياسيين والحكام.
وقد أثر الأدب الإغريقي بلا خفاء في أهم ما أنتجه العالم من ملاحم تالية ،وقد نحا نحوهم فرجيل في اللاتينية ،ودانتي في إيطاليا ، وملتون في إنجلترا .
-هزيود -( هسيود (: Hesiod -
(و. 846 ق.م. - 777 ق.م.) هو أحد أعظم شعراء اليونان القدامى، ويضعه هيرودوت في نفس المرتبة مع معاصره هوميروس. ولد في بلدة كيمي في آسيا الصغرى.
حياته-كحياة هوميروس- من أغمض حيوات الأعلام لقلة المعلومات المتعلقة به ، ولشدة اختلاف القليل الذي وصلنا منها .من معالم أهميته أنه من رواد الفكر والأدب الجماهيري ، خلال كتابه (الأعمال والأيام ) -ويوصف بأنه قصيدة طويلة- الذي أراد له أن يشيع بين أفراد شعبه بعيدا عن النخبة . وقد قسمه إلى أربعة قسوم :
1 -دروس في العمل من وجهة أخلاقية ، وحث عليه خلال كثير من الحكم التي امتلأ بها.
2 – نصائح في المجال الزراعي وإرشادات فلاحية.
3 – وصايا في مواضيع اجتماعية ، كالزواج مثلا، وبعض الشعائر الدينية.
4-مسرد لأيام النحس ،والسعد ، مع كثير من الخرافات الشعبية التي كونت في هذا الكتاب باكورة رئيسية للأدب الشعبي ، مع ما كتبه هوميروس أيضاً.
. وتكثر في أساطير هسيود الدماء وهو لا يتحرج من أن يعزو إلى الآلهة أفحش الصلات الجنسية. إن قصيدة الأعمال والأيام هي عتاب طويل ونصيحة إلى أخيهِ برسيوس ، وقد صوره فيها بصورة غريبة تحمل على الظن بأن هذا الأخ لا يعدو أن يكون تجسيداً أدبياً لمعنى تخيله الشاعر.
وهو يقول في مطلع القصيدة: "والآن سأتحدث إليك أيها الأخ الأبله برسيوس ولا أبغي من حديثي إلا الخير لكَ". ويقول لنا هسيود إن برسيوس هذا قد خدعه واغتصب منه ميراثه ؛ ثم يحدثنا بعد هذا الاغتصاب حديثاً هو أول موعظة معروفة في التاريخ تصف فضيلة الجد وكرامته ، وتقول إن الشرف والكدح أوفر كرامة وأدل على الحكمة من الرذيلة والترف والخمول: "إن من أيسر الأمور لكَ أن تختار الرذيلة وأن تختار منها أكداساً مكدسة لأن الطريق إليها معبد ومقامها جد قريب. ولكن الآلهة المخلدين قد أقاموا في سبيل الفضيلة عرق الكدح وجعلوا الطريق المؤدي إليها طويلاً وعراً شاقاً في بداية الأمر ولكنك إذا وصلت إلى أعلاه وجدته سهلاً بحق رغم ما لقيت فيه من المشقة قبل". ( )
- يوربيدس
عاش تقريبا ما بين سنتي 480-406ق.م)
أحد أهم ثلاثة كتاب تراجيديا من الإغريق. تعامل مع أبطال الأساطير مثلما فعل إيسخيلوس، وسوفوكليس. ولكنه أظهر الأبطال أناسًا عاديين واستخدم مسرحياته لانتقاد الأفكار السياسية والاجتماعية والعقائدية في زمانه. ولقد استعمل لغة أبسط من كتَّاب المسرحيات الأوائل ولكن حبكة المسرحية كانت أكثر تعقيداً.
ولم يكن يوربيدس محبوبًا في حياته، ولم تكن أفكاره مقبولة، وأحيانًا كان يسيء إلى كتاب وسياسييّ عصره. وقد نافس أريستوفان، المؤلف المسرحي الإغريقي، يوربيدس، ولكن مسرحيات يوربيدس كانت محبوبة أكثر من مسرحيات منافسه. وقد كتب حوالى 90 مسرحية ، و 18 قصة تراجيدية
ولد يوربيدس في جزيرة سلاميك، وشبَّ في أثينا. ودُرِبَ منذ صغره على أن يكون رياضياً. ودرس الفلسفة والأدب. ومن بين مثقفيه الفيلسوفان أناكساجوراس وبروتاجوراس. . وبدأ يوربيدس يكتب المسرحيات قبل سن العشرين ودخل مسابقة كُتّاب المسرحيات عندما كان عمره 25 عامًا. ومن هذا الوقت انشغل بكتابة المسرحيات. وأصبح يوربيدس صديقًا مقربًا للفيلسوف سقراط الذي قد يكون أثر على كتابته.
وعلى خلاف إيسخيلوس ، وسوفوكليس، فإن يوربيدس لم يؤدِ دورًا نشطًا في الحياة الأثينية العامة. وفي حوالي 408ق.م، ترك يوربيدس أثينا وذهب إلى ثيسالي في شمال اليونان، ثم إلى مقدونيا .
- سوفكليس ( 496 ق.م. بأثينا - 405 ق.م.) أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع إسخيلوس ، و يوربيدس. وحسب بعض الباحثين فقد كتب 123 مسرحية، في المسابقات المسرحية في مهرجان ديونيسوس، حيث كل تقدمة من أي كاتب كان يجب أن تتضمن أربع مسرحيات، ثلاث تراجيديات بالإضافة إلى مسرحية ساخرة. وقد نال الجائزة الأولى (حوالي عشرين مرة) أكثر من أي كاتب آخر، وحصل على المركز الثاني في جميع المسابقات الأخرى.
فقط سبعة من تراجيدياته بقيت إلى يومنا هذا. من أشهر مسرحياته :أوديب ملكا ، و إليكترا.
. ومما هو جدير بالذكر أن " بركليس " خصص مبلغًا من مال الدولة ليحل محل ما يدفعه الموالطنون أجرًا لمشاهدة ما يعرض من المسرحيات وما يقدم من الألعاب الرياضية في الأعياد والاحتفالات، وكانت حجته في ذلك أن تلك المسرحيات والألعاب يجب ألا تكون ترفًا تختص به الطبقات الثرية وحدها إذ هي تهدف في نظره إلى رفع المستوى الثقافي والاجتماعي لكافة السكان.
الأجناس الأدبية الإغريقية:
1- الشعر الملحمي: اشهر مثالاته الأوديسة ،والإلياذة ، اللتين كتبهما هوميروس.
2- الشعر الغنائي : كان ظهوره بعد الشعر الملحمي ، وتميز بأنه أقصر كمياً.
3- سير البطولات (القصص).
4- الرسائل الأدبية .
5- المسرحيات : وقد انقسمت لنوعين هما: المسرحيات المأساوية ، والمسرحيات الهزلية.
هاته هي الأجناس التي توزعت إليها كتابات الإغريق في المجال الأدبي ،ولنا في أواخر مقامنا هذا ان نطرح سؤالا ملحا هو : لماذا لم يترجم المسلمون –وقت نشاط الترجمة – الأدب الإغريقي ، واكتفوا بترجمة الفلسفة ،وبعض العلوم التجريبية؟
يبدو لنا أن وراء ذلك ما حفل به أدب الإغريق من معان وأفكار وأحداث تشكل كلها كتلة صادمة للعقائد ،والأفكار التي بثها الإسلام ، وتبناها المسلمون ، من ذلك ما يكثر عند الإغريق من تصوير الآلهة تصويرا حسياً فاحشاً ، واعتقادهم بتعدد الآلهة ، وكذا إهانتها بتعابير تطلق ، وأحداث تنسج على نحو لم يكن من الممكن شيوعه ولا قبوله في مجتمع إسلامي ؛ لذلك لم يتم ترجمة أدب الإغريق وقتها . كل ذلك في ظل رقابة دينية صارمة حازمة ، لم تكن تتهاون مع من يكتب ، أو يترجم أو يتبنى أي شيء يمس تشاريع وعقائد الإسلام ، وذلك ما توكده حوادث تنكيل وإعدامات وتعذيبات كثير تعرض لها بعض المثقفين والمشاهير لا سيما في العهد العباسي ، من أشهر ذلك ما حدث لابن المقفع ، وغيره ممن رموا بتهمة الزندقة ، والثنوية .وغيرها مما كان يكفي ليقود صاحبه إلى أقصر طريق يفقد فيه رأسه.
----------------------------------------- قافـلة:
بعد هذه الجولة الموجزة مع الأدب الإغريقي ، ندعو إلى مزيد من الاهتمام به على مستوى الدراسات الأكاديمية ، وإلى إيلائه حظاً مكافئا لأهميته ، في مجال الدراسات الأدبية العالمية .
ونقول لئن كانت فلسفة الإغريق محل ريبة في أصالتها ، ومرجعيتها ، وتأثرها بنتاج المشرق ، فإن أدبهم أصيل ومؤثر على نحو لا ينكره منصف . كما أن التاريخ سجل للإغريق أن أدبهم هو أقدم الآداب القومية المؤثرة واضحة المعالم ، على مستوى العالم ، لا ينكر ذلك غافل ، أو عالم.
------------------------
(د.خالد إبراهيم المحجوبي)

المراجع :

- مصر وحضارات العالم القديم. تأليف: علي رضوان/ حسنين محمد/ زبيدة محمد عطا
- تاريخ الفلسفة اليونانية – يوسف كرم .
- الموسوعة المعرفية لشاملة http://www.mousou3a.educdz.com
- موقع ويكيبيديا http://ar.wikipedia.org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي