الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارية الذئب الأجرد

كريم الثوري

2010 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


حوارية الذئب الأجرد
إذا لم تكن ذئباً على الناس أجردا كثير الأذى بالت عليك الثعالب
يا فقراء العراق..ومستضعفيه انتبهوا..الأجرد قادم !!
من زنزانته في حديقة الحيوانات في الزوراء لم تهدأ قدماه من الهرولة الإستعراضية ليقنع ظلَّه القابع في مخيلته من أنه مازال ذئبا أجردا يمارس عادة الجري المتواصل وفي ذاكرته الجموح تتقافز قيم ، الشجاعة ، الجرأة ، عزة النفس ، وعدم أكل الجيّف الميَتة والفطائس... يجري.. يجري.. يجري..شاخصا في رؤوس المعالي يعاين تفاصيل اللحظة السانحة على بعد آلاف الأمتار للانقضاض على فرصته الضائعة ، ها قد طوَّعته تذاكُر الأيام على أن يكون نزيلاً نكرة لا يحصد غير ما يرمى اليه وإن كان على شكل طعام فاسد خلافا للسجية التي اعتاد عليها في أكلِ كل ما هو طازج تفوح منه رائحة الدماء الساخنة . كثيرٌ هم المتجمهرون حوله ا لبعض يرمقه بعين من لم يرَ المشهد للمرة الأولى غير مُبال تماشيا مع نزوة حرق الوقت ، لم يكلف نفسه عناء السوال حتى عن تاريخه البطولي وحيّله التي حيرّت الجزيرة العربية بشعراءها وجعلتهم ينقسمون بين من يعتبره مثالا للعِزَة والإباء ومن تعاطى معه بصفاته ، توافقا مع ما كان يحلو له أن يقدمها كالحيلّة والخيانة والغدر. القلة القليلة ممن تأملته كحيوان متمرد على كل خريطة يمكن أن يُستدل بها لمعرفته المتناقضة في جلِِ صفاته .
اقتربت مسافة أمتار أعاين المشهد مشطورا بنصفي (الحلم و اليقظة ) غير مصدق، ذئب أجرد في الذاكرة الحيّة لا يشق له غبارلا يهرول عبثا وفي المشهد الآخر كلما باغته التعب من الهرولة المستمرة يجلس على عجيزته يتأمل الفطائس المرمية قربه والذباب الأخضر يحوم حولها يعشعش في طياتها المتعفنة في سيرورة إنشداه لا يمكن وصفها . تذكرت مشيته السريعة ما هي مشية هارب بل محارب عنيد يتحرى عن ضحيته القادمة لكني تلمست وهو على مسافة أمتار مني علامات الذل في عينيه لذلك حسبته يعاود الركض دون جدوى في دائرة صُيِّرت على عجل مضللّة بالأسيجة التي تُتيح المتابعة لنصف الجسد العلوي لا لشيء سوى استدعاء لمخيلة لن تغادره أبدا .
انقسم كياني - الأمعط -* بين مُتأملٍ وباحث بينما انسابت روحي تتقاطعها مقاربات لم تكن بعيدة عن المشهد السياسي المُحتضرقلت مع نفسي: ترى أُكلمه بتاريخه الأجرد.. أم بكينونته الحالية والتي لا ترتقي حتى لمتعارف الذئب الأمعط بهيئة إنسان مسلوب الإرادة ؟
تراجعت عن الفكرة.. لكنه كان قبالتي يدعوني ويستفزني بطريقة عجيبة لمحاكاته كيفما اتفق
وكأنه يتوسل إلي من قلة حيلته وقد تحول إلى فرجة مجانية لمن هَب ودَب، قلتُ: لأُجرِّب فكلانا طالب حاجة هو لينسى ما هو عليه وأنا لاستزيد علماً ، سيّما أنه كان يشكل لي لغزاً يوما من الأيام بالرغم مني كنت قريبا منه لكنه الآن يبدو أوضح صورة من ذي قبل هكذا برق في ذهني فكان اللقاء المرتقب فيما بيننا بعد أن عرفته بنفسي على أني أحد ضحاياه يوما من الأيام فقد كان يقاضيني الجزية بعد كل فريسة أقوم باقتناصها لقيمومته التي فرضتها الأحداث بمشيئة القدر علينا
- كيف حالك أبا كاسب * ؟
• كما ترى بين كر وفر
- اما الفَر عرفناه ، لكني لم أجد الكر ؟
- عليك الانتظار لترى رغم إنك لن ترَ إلا ما هو ضمن حدود رؤيتك
- أراك تأكل الجيف والفطائس كيف طاوعتك نفسك المُكابرة ؟
• وهل كنت مكابراً يوماً ؟
- هذا ما كنا نعرفه عنك يوم كنا بقربك
• وهل كنت بقربي حقا أم أنك تفترض ؟
- كنت حقيقة مفروضة واليوم حقيقة ماثلة للعيان
• وما الفرق بين الحقيتين برأيك ؟
- كنا نخشاك كما كنا نتوهمك واليوم إنقلبت الصورة فصرت تخشانا
• وهل مرَ بخُلْدك يوماُ بأنك ستراني ذليلا كما تدعي ؟
- كنت أتمنى ذلك وأحلم به ليس إلا
أبتسم بسخرية وأشار لي أن أعرفه بنفسي :
- من أنت بحق اللعنة رائحتك ليست غريبة علي ؟
• أحد ضحاياك سيدي المبجل
- أفصح أكثر فهُم كُثرُ ؟
• ذئب أمعط .
أطرق برأسه إلى الأرض واستأذنني للركض مسافة من الزمن وكأنه أراد فسحة من التفكير وإعادة الاعتبار لنفسه وحين أعياه التعب رجع معاوداً القرفصاء حينها سألته:
ما فائدة ما قمت به، أجابني :
- لكي أهزمك في داخلي
• وهل مازلت قوياً وأنت كأي حيوان أليف يأكل ما يُلقى اليه ؟
- وهل تظنني تراجعت يوماً عما يدور برأسي ؟
• وما يدور برأسك ؟
- لابد أن أعود إلى السلطة وللمبادرة من جديد، فنحن أهلها الشرعيون
• بخلقتك الحالية.. لا أعتقد ذلك أنظر حولك وجلس معادلاتك ؟
- لا أرى شيئا
• وهؤلاء الناس الذين يضحكون عليك.. ؟ وقفص الأسر.. ؟ والحراسة التي تحيط بك بماذا تفسر ذلك ؟
- صدقني لا أرى ما تراه
• هههههههههههههههههههههه
- مالك والسخرية.. وأنت أقل شأنا وذكاءا ؟
• أي جمجمة تحركها اشعة مستهلكة ؟
- الذئب الأجرد لن يسقط بصدفة غبية ياهذا ؟
• أنت تحلم.. بل واهم، كيف ذلك ومصيرك بين يدي ضحاياك ممن كنت تكيل الحيل للفتك بهم ؟
- القرار ليس بيدك أو يدي أو يد الصدفة الحمقاء
• بيد من القرار إذن ؟
• أُنظر إلى السماء وحولك ؟
• أما من هم حولي فاعرفهم بسيماهم كما أن السماء على حالها زرقاء مشمسة
• هل ترى ذلك البالون الأبيض المُعلق فوق هامتك تحت سمائكم الزرقاء يسخر ...؟
• بل يسخرمنك ، لولاه لما كنت في هذا القفص ، محط أنظار القاصي والداني .
- لا تكن ساذجا، وإن كنت ترى من سلطني لأكون أجردا وجعلك أمعطاً اقل شأنا مني ؟
• لا ادري ولكني وجدتني أنجذب إليك بقوة لم أستطع مقاومتها ، ذلك اليوم المشؤم...
- ومن الذي أوحى لك بذلك ؟
• الأعراف التي جُبلنا عليها ثم إنك اقرب للمبادرة مني، هكذا كانت القوانين تسير فنسير معها
- هل راودتك فكرة التمرد على ما تعتبره واقعاً فاسدا ؟
• لم يكن فاسدا بحضورك ،فقد كنت تأخذ الغنيمة مني وتعطيني ما أسد به رمقي وقد كنت راضيا بذلك عن قناعة ، كذلك بقية الخلق؟
• القناعة ام الجُبن ؟
• سَمِّ ما شئت لقد تغيرت المعادلة اليوم...
- لم تجب على سؤالي بعد ، هل فكرت بحقيقة عبوديتك وسبل النجاة منها ؟
• لم اطرح مثل هذا السوال على نفسي، ثم أني حاولت قدر استطاعتي...
- إذن سأخرج من هنا عما قريب، لقد ترسخت لدي القناعة أكثر، وسأعمل ما بوسعي.
- ولكنك ستموت ؟
• من قال ذلك ؟
- ما أنت فيه الآن...
• ومن يقتلني ؟
- إن لم يكن المرض والحسرة، فالذي أقوى منك، يَعد لك العُدة...
• دعك من المرض، والحسرة، والأقوى مني.. وكلمني عن نفسك ؟
- ماذا تقصد عن نفسي ؟
• هل قتلتني في نفسك اولاً وأنت تراني مطوقاً بالأسر ؟
- لم أفكر بهذا، بل الحقيقة زاد عطفي، وتحررت كل عقدي منك
• إذن لن أموت.. وسأظهر بأشكال مختلفة وإن هلك جسدي
- كلامك فيه ألغاز لا استطيع حلها ...
• متى تتحرر من عقدة أني سيدك، ستجدني محاورا ندا لند، يوم ذاك أكون قد أحسب حسابك ؟
- أين ؟
• في جمجمتك .....
تحسست جمجمتي فوجدتها سليمة معافاة ؟!
تركني أفكك اشفار ما دار بيننا وراح بسرعته القصوى يدور حول قفصه بهمة أكبر من السابق
وكأنه قد استلم جرعة أكبر من قدرة تحقيق الأمل إستمدها من خلال حواري معه غير عابيء بالجمهور الذي أخذ يتجمع ثانية حول القفص للتصفيق له وقد كان بين الفينة والأخرى يرمقني دون الأخرين بنظرة تزيد إلى لغزه لغزا وكأنه كان يقول لي: أنظر بعينيك لهؤلاء الناس كيف يتناسون مساوئي كلما استدرجتهم بشيطنتي وبهلوانيتي ؟ فيزداد إعجابهم بي وإن كنت على شاكلة ذئب أجرد يأكل من الجيف والفطائس في قفص للأسر...
تعالى التصفيق والذئب يهرول ويهرول إلى يومنا هذا في حديقة الحيوانات في الزوراء على أمل غير بعيد ، حينها انزاح طرفي نحو السماء فشاهدت بالونا أبيضا كبيرا على هيئة منطاد يصور كل صغيرة وكبيرة تجري على مسرح الأحداث ، إتفق الجمهور حول حقيقة مهمته لكنهم أختلفوا في إمور منها كونه صديق أو عدو وهل هو مسيَر من الإنس أو الجِن ؟ !
عندها تذكرت الحكمة التي تقول:
" مهما قذفت للذئب من طعام أو شراب أو اعتنيت به فإنه يظل يحن إلى الغابة بقوانينها "
ترانا في غابة فعلا ؟
وكل ما نتلمسه ينتمي لقواعد بناءات الغابة ؟
بالرغم من كل الأشياء الجميلة التي تحيط بنا والتي مازلنا نتذكرها وتدعونا إلى التفاؤل.. ؟
ومازلنا نمارسها بعفوية نحن الذين لا حول لنا ولا قوة ؟
ثم سالت نفسي:
ما معنى لا حول لنا ولا قوة ؟
........................................
لكم تمنيت لو استمر حوارنا لأستزيد من بعض المعلومات لكنني أصغيت لصوت أخرسني انطلق من باكورة أيامي يدعوني بالكف عن التفلسف..
مادمت لا حول لي ولا قوة.......

• الذئب الأجرد نوع من الذئاب قصير الشعر يمتاز بذكائه الحاد وسطوته الغالبة ومكره الذي أحتارت معه العقول والأبصار وصار مثالا إشكاليا فهو الجامع بين صفات النُبل كالشجاعة وعزة النفس وصفات البُخل كالخيانة والغدر، والأجرد حسب الروايات هو من يستلم الفريسة من الذئب الأمعط بعد صيدها. أما الذئب الأمعط فهو من نفس سلالته لكنه اقل شأنا منه في بعض الصفات ويمتاز بخباثته...
• أبو كاسب، كنيته في الجزيرة العربية ومن صفاته وأسماءه : أوس، أويس، نهشل، سرحان، أغبر، أطلس
كريم الثوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح